فصل: باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ

قَالَ قَتَادَةُ مَكْتُوبٌ يَسْطُرُونَ يَخُطُّونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ جُمْلَةِ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ مَا يَلْفِظُ مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُكْتَبُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ يُحَرِّفُونَ يُزِيلُونَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ دِرَاسَتُهُمْ تِلَاوَتُهُمْ وَاعِيَةٌ حَافِظَةٌ وَتَعِيَهَا تَحْفَظُهَا وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ بَلَغَ هَذَا الْقُرْآنُ فَهُوَ لَهُ نَذِيرٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله تعالى بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ‏)‏ قال البخاري في خلق أفعال العباد بعد أن ذكر هذه الآية والذي بعدها‏:‏ قد ذكر الله أن القرآن يحفظ ويسطر، والقرآن الموعي في القلوب المسطور في المصاحف المتلو بالألسنة كلام الله ليس بمخلوق، وأما المداد والورق والجلد فإنه مخلوق‏.‏

قوله ‏(‏والطور وكتاب مسطور قال قتادة مكتوب‏)‏ وصله البخاري في خلق أفعال العباد من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله ‏"‏ والطور وكتاب مسطور ‏"‏ قال المسطور‏:‏ المكتوب، في رق منشور‏:‏ هو الكتاب، وصله عبيد بن حميد من رواية شيبان بن عبد الرحمن وعبد الرزاق عن معمر كلاهما عن قتادة نحوه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ‏"‏ وكتاب مسطور ‏"‏ قال صحف مكتوبة ‏"‏ في رق منشور ‏"‏ قال في صحف‏.‏

قوله ‏(‏يسطرون‏:‏ يخطون‏)‏ أي يكتبون، أورده عبد بن حميد من طريق شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة في قوله ‏"‏ والقلم وما يسطرون ‏"‏ قال وما يكتبون‏.‏

قوله ‏(‏في أم الكتاب جملة الكتاب وأصله‏)‏ وصله أبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ من طريق معمر عن قتادة في قوله ‏(‏يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‏)‏ قال جملة الكتاب وأصله، وكذا أخرجه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة وعند ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏وعنده أم الكتاب‏)‏ يقول جملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ وما يكتب وما يبدل‏.‏

قوله ‏(‏ما يلفظ من قول‏)‏ ما يتكلم من شيء إلا كتب عليه، وصله ابن أبي حاتم من طريق شعيب بن إسحاق عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن في قوله ‏"‏ ما يلفظ من قول ‏"‏ قال ما يتكلم به من شيء إلا كتب عليه ومن طريق زائدة بن قدامة عن الأعمش عن مجمع قال‏:‏ الملك مداده ريقه، وقلمه لسانه‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس يكتب الخير والشر‏)‏ وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏"‏ ما يلفظ من قول ‏"‏ قال إنما يكتب الخير والشر‏.‏

وأخرج أيضا من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد‏)‏ قال يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى أنه ليكتب قوله‏:‏ أكلت شربت ذهبت جئت رأيت حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر ما كان من خير أو شر وألقى سائره، فذلك قوله ‏(‏يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‏)‏ وأخرج الطبري هذا من طرق الكلبي عن أبي صالح عن جابر بن عبد الله بن رئاب بكسر الراء ثم ياء مهموزة وآخره موحدة، والكلبي متروك وأبو صالح لم يدرك جابرا هذا‏.‏

وأخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن ‏"‏ ما يلفظ من قول ‏"‏ ما يتكلم به من شيء إلا كتب عليه وكان عكرمة يقول إنما ذلك في الخير والشر‏.‏

قلت‏:‏ ويجمع بينهما برواية على بن أبي طلحة المذكورة‏.‏

قوله ‏(‏يحرفون‏:‏ يزيلون‏)‏ لم أر هذا موصولا من كلام ابن عباس من وجه ثابت مع أن الذي قبله من كلامه وكذا الذي بعده، وهو قوله ‏"‏ دراستهم‏:‏ تلاوتهم ‏"‏ وما بعده‏.‏

وأخرج جميع ذلك ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقد تقدم في باب قوله ‏"‏ كل يوم هو في شأن ‏"‏ عن ابن عباس ما يخالف ما ذكر هنا وهو تفسير يحرفون بقوله يزيلون، نعم أخرجه ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه‏.‏

وقال أبو عبيدة في كتاب المجاز في قوله يحرفون الكلم عن مواضعه، قال يقلبون ويغيرون‏.‏

وقال الراغب التحريف الإمالة وتحريف الكلام أن يجعله على حرف من الاحتمال بحيث يمكن حمله على وجهين فأكثر‏.‏

قوله ‏(‏وليس أحد يزيل لفظ كتاب الله من كتب الله عز وجل ولكنهم يحرفونه‏:‏ يتأولونه عن غير تأويله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يتأولونه على غير تأويله ‏"‏ قال شيخنا ابن الملقن في شرحه هذا الذي قاله أحد القولين في تفسير هذه الآية وهو مختاره - أي البخاري - وقد صرح كثير من أصحابنا بأن اليهود والنصارى بدلوا التوراة والإنجيل وفرعوا على ذلك جواز امتهان أوراقهما وهو يخالف ما قاله البخاري هنا انتهى، وهو كالصريح في أن قوله ‏"‏ وليس أحد ‏"‏ إلى آخره من كلام البخاري ذيل به تفسير ابن عباس وهو يحتمل أن يكون بقية كلام ابن عباس في تفسير الآية‏.‏

وقال بعض الشراح المتأخرين اختلف في هذه المسألة على أقوال، أحدها‏:‏ أنها بدلت كلها وهو مقتضى القول المحكي بجواز الامتهان وهو إفراط، وينبغي حمل إطلاق من أطلقه على الأكثر وإلا فهي مكابرة، والآيات والأخبار كثيرة في أنه بقي منها أشياء كثيرة لم تبدل، من ذلك قوله تعالى ‏(‏الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل‏)‏ الآية، ومن ذلك قصة رجم اليهوديين وفيه وجود آية الرجم، ويؤيده قوله تعالى ‏(‏قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين‏)‏ ثانيها‏:‏ أن التبديل وقع ولكن في معظمها وأدلته كثيرة وينبغي حمل الأول عليه، ثالثها‏:‏ وقع في اليسير منها ومعظمها باق على حاله، ونصره الشيخ تقي الدين بن تيمية في كتابه الرد الصحيح على من بدل دين المسيح، رابعها‏:‏ إنما وقع التبديل والتغيير في المعاني لا في الألفاظ وهو المذكور هنا، وقد سئل ابن تيمية عن هذه المسألة مجردا فأجاب في فتاويه أن للعلماء في ذلك قولين، واحتج للثاني من أوجه كثيرة منها قوله تعالى ‏(‏لا مبدل لكلماته‏)‏ وهو معارض بقوله تعالى ‏(‏فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه‏)‏ ولا يتعين الجمع بما ذكر من الحمل على اللفظ في النفي وعلى المعنى في الإثبات لجواز الحمل في النفي على الحكم وفي الإثبات على ما هو أعم من اللفظ والمعنى، ومنها أن نسخ التوراة في الشرق والغرب والجنوب والشمال لا يختلف ومن المحال أن يقع التبديل فيتوارد النسخ بذلك على منهاج واحد، وهذا استدلال عجيب لأنه إذا جاز وقوع التبديل جاز إعدام المبدل والنسخ الموجودة الآن هي التي استقر عليها الأمر عندهم عند التبديل والأخبار بذلك طافحة، أما فيما يتعلق بالتوراة فلأن بختنصر لما غزا بيت المقدس وأهلك بني إسرائيل ومزقهم بين قتيل وأسير وأعدم كتبهم حتى جاء عزيزا فأملاها عليهم، وأما فيما يتعلق بالإنجيل فإن الروم لما دخلوا في النصرانية جمع ملكهم أكابرهم على ما في الإنجيل الذي بأيديهم وتحريفهم المعاني لا ينكر بل هو موجود عندهم بكثرة وإنما النزاع هل حرفت الألفاظ أو لا، وقد وجد في الكتابين ما لا يجوز أن يكون بهذه الألفاظ من عند الله عز وجل أصلا، وقد سرد أبو محمد بن حزم في كتابه الفصل في الملل والنحل أشياء كثيرة من هذا الجنس، من ذلك أنه ذكر أن في أول فصل في أول ورقة من توراة اليهود التي عند رهبانهم وقرائهم وعاناتهم وعيسويهم حيث كانوا في المشارق والمغارب لا يختلفون فيها على صفة واحدة لو رام أحد أن يزيد فيها لفظة أو ينقص منها لفظة لافتضح عندهم متفقا عليها عندهم إلى الأحبار الهارونية الذين كانوا قبل الخراب الثاني يذكرون أنها مبلغة من أولئك إلى عزرا الهاروني، وأن الله تعالى قال لما أكل آدم من الشجرة هذا آدم قد صار كواحد منا في معرفة الخير والشر وأن السحرة عملوا لفرعون نظير ما أرسل عليهم من الدم والضفادع وأنهم عجزوا عن البعوض وأن ابنتي لوط بعد هلاك قومه ضاجعت كل منهما أباها بعد أن سقته الخمر فوطئ كلا منهما فحملتا منه إلى غير ذلك من الأمور المنكرة المستبشعة، وذكر في مواضع أخرى أن التبديل وقع فيها إلى أن أعدمت فأملاها عزرا المذكور على ما هي عليه الآن ثم ساق أشياء من نص التوراة التي بأيديهم الآن الكذب فيها ظاهر جدا ثم قال‏:‏ وبلغنا عن قوم من المسلمين ينكرون أن التوراة والإنجيل اللتين بأيدي اليهود والنصارى محرفان والحامل لهم على ذلك قلة مبالاتهم بنصوص القرآن والسنة وقد اشتملا على أنهم ‏(‏يحرفون الكلم عن مواضعه‏)‏ و ‏(‏يقولون على الله الكذب وهم يعلمون، ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون‏)‏ ، ويقال لهؤلاء المنكرين قد قال الله تعالى في صفة الصحابة ‏(‏ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه‏)‏ إلى آخر السورة، وليس بأيدي اليهود والنصارى شيء من هذا ويقال لمن ادعى أن نقلهم نقل متواتر قد اتفقوا على أن لا ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتابين، فإن صدقتموهم فيما بأيديهم لكونه نقل المتواتر فصدقوهم فيما زعموه أن لا ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، وإلا فلا يجوز تصديق بعض وتكذيب بعض مع مجيئهما مجيئا واحد انتهى كلامه وفيه فوائد‏.‏

وقال الشيخ بدر الدين الزركشي‏:‏ اغتر بعض المتأخرين بهذا - يعني بما قال البخاري - فقال إن في تحريف التوراة خلافا هل هو في اللفظ والمعنى أو في المعنى فقط، ومال إلى الثاني ورأى جواز مطالعتها وهو قول باطل، ولا خلاف أنهم حرفوا وبدلوا، والاشتغال بنظرها وكتابتها لا يجوز بالإجماع، وقد غضب صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة‏.‏

وقال‏:‏ لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي ولولا أنه معصية ما غضب فيه‏.‏

قلت‏:‏ إن ثبت الإجماع فلا كلام فيه وقد قيده بالاشتغال بكتابتها ونظرها فإن أراد من يتشاغل بذلك دون غيره فلا يحصل المطلوب لأنه يفهم أنه لو تشاغل بذلك مع تشاغله بغيره جاز وإن أراد مطلق التشاغل فهو محل النظر، وفي وصفه القول المذكور بالبطلان مع ما تقدم نظر أيضا، فقد نسب لوهب بن منبه وهو من أعلم الناس بالتوراة، ونسب أيضا لابن عباس ترجمان القرآن وكان ينبغي له ترك الدفع بالصدر والتشاغل برد أدلة المخالف التي حكيتها، وفي استدلاله على عدم الجواز الذي ادعى الإجماع فيه بقصة عمر نظر أيضا سأذكره بعد تخريج الحديث المذكور، وقد أخرجه أحمد والبزار واللفظ له من حديث جابر قال‏:‏ نسخ عمر كتابا من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير‏.‏

فقال له رجل من الأنصار‏:‏ ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، وإنكم إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل، والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني ‏"‏ وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف، ولأحمد أيضا وأبي يعلى من وجه آخر عن جابر أن عمر أتى بكتاب أصابه من بعض كتب أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فذكر نحوه دون قول الأنصاري وفيه‏:‏ ‏"‏ والذي نفسي بيده لو أن موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني ‏"‏ وفي سنده مجالد بن سعيد وهو لين، وأخرجه الطبراني بسند فيه مجهول ومختلف فيه عن أبي الدرداء ‏"‏ جاء عمر بجوامع من التوراة فذكر بنحوه ‏"‏ وسمي الأنصاري الذي خاطب عمر عبد الله بن زيد الذي رأى الأذان، وفيه ‏"‏ لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموه لضللتم ضلالا بعيدا ‏"‏ وأخرجه أحمد والطبراني من حديث عبد الله بن ثابت قال ‏"‏ جاء عمر فقال يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك‏؟‏ قال‏:‏ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ والذي نفس محمد بيده لو أصبح موسى فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ‏"‏ وأخرج أبو يعلى من طريق خالد بن عرفطة قال كنت عند عمر فجاءه رجل من عبد القيس فضربه بعصا معه فقال ما لي يا أمير المؤمنين‏؟‏ قال أنت الذي نسخت كتاب دانيال قال مرني بأمرك قال انطلق فامحه فلئن بلغني أنك قرأته أو أقرأته لأنهكنك عقوبة، ثم قال انطلقت فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ثم جئت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا قلت كتاب انتسخته لنزداد به علما إلى علمنا فغصب حتى احمرت وجنتاه فذكر قصة فيها‏:‏ يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي الكلام اختصارا ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا، وفي سنده عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف، وهذه جميع طرق هذا الحديث وهي وإن لم يكن فيها ما يحتج به لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلا، والذي يظهر أن كراهية ذلك للتنزيه لا للتحريم والأولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن ويصر من الراسخين في الإيمان فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك بخلاف الراسخ فيجوز له ولا سيما عند الاحتياج إلى الرد على المخالف، ويدل على ذلك نقل الأئمة قديما وحديثا من التوراة وإلزامهم اليهود بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم بما يستخرجونه من كتابهم، ولولا اعتقادهم جواز النظر فيه لما فعلوه وتواردوا عليه وأما استدلاله للتحريم بما ورد من الغضب ودعواه أنه لو لم يكن معصية ما غضب منه فهو معترض بأنه قد يغضب من فعل المكروه ومن فعل ما هو خلاف الأولى إذا صدر ممن لا يليق منه ذلك، كغضبه من تطويل معاذ صلاة الصبح بالقراءة، وقد يغضب ممن يقع منه تقصير في فهم الأمر الواضح مثل الذي سأل عن لقطة الإبل، وقد تقدم في ‏"‏ كتاب العلم ‏"‏ الغضب في الموعظة، ومضى في ‏"‏ كتاب الأدب ‏"‏ ما يجوز من الغضب‏.‏

قوله ‏(‏يتأولونه‏)‏ قال أبو عبيدة وطائفة في قوله تعالى ‏(‏وما يعلم تأويله إلا الله‏)‏ التأويل التفسير وفرق بينهما آخرون فقال أبو عبيد الهروي التأويل رد أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر، والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل وحكى صاحب النهاية أن التأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما لا يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ، وقيل التأويل إبداء احتمال لفظ معتضد بدليل خارج عنه، ومثل بعضهم بقوله تعالى ‏(‏لا ريب فيه‏)‏ قال من قال لا شك فيه فهو التفسير، ومن قال لأنه حق في نفسه لا يقبل الشك فهو التأويل، ومراد البخاري بقوله ‏"‏ يتأولونه ‏"‏ أنهم يحرفون المراد بضرب من التأويل كما لو كانت الكلمة بالعبرانية تحتمل معنيين قريب وبعيد وكان المراد القريب فإنهم يحملونها على البعيد ونحو ذلك‏.‏

قوله ‏(‏دراستهم‏:‏ تلاوتهم‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وكذا قوله تعالى ‏(‏وتعيها أذن واعية‏)‏ قال حافظة، قيل النكتة في إفراد الأذن الإشارة بقلة من يعي من الناس، وورد في خبر ضعيف أن المراد بالأذن في هذه الآية خاص وهي أذن علي، أخرجه الثعلبي من مرسل عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي، وفي سنده أبو حمزة الثمالي بضم المثلثة وتخفيف الميم‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور والطبري من مرسل مكحول نحوه‏.‏

قوله ‏(‏وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به‏)‏ يعني أهل مكة ‏"‏ ومن بلغ هذا القرآن فهو له نذير ‏"‏ وصله ابن أبي حاتم بالسند المذكور إلى ابن عباس‏.‏

وقال ابن التين قوله ‏"‏ ومن بلغ ‏"‏ أي بلغه فحذف الهاء، وقيل المعنى‏:‏ ومن بلغ الحلم، والأول هو المشهور‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن داود الخريبي بخاء معجمة ثم راء ثم موحدة مصغر قال ما في القرآن آية أشد على أصحاب جهم من هذه الآية ‏(‏لأنذركم به ومن بلغ‏)‏ فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

و قَالَ لِي خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا عِنْدَهُ غَلَبَتْ أَوْ قَالَ سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏سمعت أبي‏)‏ هو سليمان بن طرخان التيمي‏.‏

قوله ‏(‏عن قتادة عن أبي رافع‏)‏ كذا وقع بالعنعنة وفي السند الذي بعده التصريح بالتحديث من قتادة وأبي رافع عند مسلم وكذا بالسماع لأبي رافع وأبي هريرة‏.‏

قوله ‏(‏لما قضى الله الخلق‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ لما خلق‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏غلبت أو قال سبقت‏)‏ كذا بالشك وفي التي بعدها بالجزم سبقت‏.‏

قوله ‏(‏فهو عنده فوق العرش‏)‏ تقدم الكلام على قوله ‏"‏ عنده ‏"‏ في باب ويحذركم الله نفسه، وعلى قوله ‏"‏ فوق العرش ‏"‏ في باب وكان عرشه على الماء، وتقدم شرح الحديث أيضا والغرض منه الإشارة إلى أن اللوح المحفوظ فوق العرش‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثني محمد بن أبي غالب‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ حدثنا ‏"‏ وهو قومسي نزل بغداد، ويقال له الطيالسي وكان حافظا من أقران البخاري كما تقدم ذكره في باب الأخذ باليد من ‏"‏ كتاب الاستئذان ‏"‏ وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجة بالنسبة لحديث معتمر فإنه أخرج عنه الكثير بواسطة واحد فعنده في العلم والجهاد والدعوات والأشربة والصلح واللباس عدة أحاديث أخرجها مسدد عن معتمر، ودرجتين بالنسبة لحديث قتادة فإنه عنده الكثير من رواية شعبة عنه بواسطة واحد عن شعبة وقد سمع من محمد بن عبد الله الأنصاري والأنصاري سمع من سليمان التيمي ولكن لم يخرج البخاري هذه الترجمة في الجامع، و ‏"‏ محمد بن إسماعيل ‏"‏ شيخ محمد بن أبي غالب بصري يقال له ابن أبي سمينة بمهملة ونون وزن عظيمة من الطبقة الثالثة من شيوخ البخاري، وقد أخرج عنه في التاريخ بلا واسطة ولم أر عنه في الجامع شيئا إلا هذا الموضع، وقد سمع منه من حدث عن البخاري مثل صالح بن محمد الحافظ الملقب جزرة بفتح الجيم والزاي وموسى بن هارون وغيرهما‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ

وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ بَيَّنَ اللَّهُ الْخَلْقَ مِنْ الْأَمْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ عَمَلًا قَالَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ وَقَالَ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْنَا بِجُمَلٍ مِنْ الْأَمْرِ إِنْ عَمِلْنَا بِهَا دَخَلْنَا الْجَنَّةَ فَأَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالشَّهَادَةِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَمَلًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله تعالى والله خلقكم وما تعملون‏)‏ ذكر ابن بطال عن المهلب أن غرض البخاري بهذه الترجمة إثبات أن أفعال العباد وأقوالهم مخلوقة لله تعالى، وفرق بين الأمر بقوله ‏(‏كن‏)‏ وبين الخلق ب قوله ‏(‏والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره‏)‏ فجعل الأمر غير الخلق وتسخيرها الذي يدل على خلقها إنما هو عن أمره، ثم بين أن نطق الإنسان بالإيمان عمل من أعماله كما ذكر في قصة عبد القيس حيث سألوا عن عمل يدخلهم الجنة فأمرهم بالإيمان وفسره بالشهادة وما ذكر معها، وفي حديث أبي موسى المذكور ‏"‏ وإنما الله الذي حملكم ‏"‏ الرد على القدرية الذين يزعمون أنهم يخلقون أعمالهم‏.‏

قوله ‏(‏إنا كل شيء خلقناه بقدر‏)‏ كذا لهم ولعله سقط منه، وقوله تعالى وقد تقدم الكلام على هذه الآية في باب قوله تعالى ‏(‏قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي‏)‏ قال الكرماني‏:‏ التقدير خلقنا كل شيء بقدر فيستفاد منه أن يكون الله خالق كل شيء كما صرح به في الآية الأخرى، وأما قوله ‏(‏خلقكم وما تعملون‏)‏ فهو ظاهر في إثبات نسبة العمل إلى العباد فقد يشكل على الأول والجواب أن العمل هنا غير الخلق وهو الكسب الذي يكون مسندا إلى العبد حيث أثبت له فيه صنعا، ويسند إلى الله تعالى من حيث إن وجوده إنما هو بتأثير قدرته وله وجهتان، جهة تنفي القدر، وجهة تنفي الجبر، فهو مسند إلى الله حقيقة وإلى العبد عادة، وهي صفة يترتب عليها الأمر والنهي والفعل والترك، فكل ما أسند من أفعال العباد إلى الله تعالى فهو بالنظر إلى تأثير القدرة ويقال له الخلق، وما أسند إلى العبد إنما يحصل بتقدير الله تعالى ويقال له الكسب وعليه يقع المدح والذم كما يذم المشوه الوجه ويمدح الجميل الصورة، وأما الثواب والعقاب فهو علامة والعبد إنما هو ملك الله تعالى يفعل فيه ما يشاء، وقد تقدم تقرير هذا بأتم منه في باب قوله تعالى ‏(‏فلا تجعلوا لله أندادا‏)‏ وهذه طريقة سلكها في تأويل الآية ولم يتعرض لإعراب ما هل هي مصدرية أو موصولة، وقد قال الطبري‏:‏ فيها وجهان فمن قال مصدرية قال المعنى‏:‏ والله خلقكم وخلق عملكم، ومن قال موصولة قال خلقكم وخلق الذي تعملون، أي تعملون منه الأصنام وهو الخشب والنحاس وغيرهما، ثم أسند عن قتادة ما يرجح القول الثاني وهو قوله تعالى ‏(‏والله خلقكم وما تعملون‏)‏ أي بأيديكم‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق قتادة أيضا قال تعبدون ما تنحتون أي من الأصنام والله خلقكم وما تعملون أي بأيديكم، وتمسك المعتزلة بهذا التأويل قال السهيلي في نتائج الفكر له‏:‏ اتفق العقلاء على أن أفعال العباد لا تتعلق بالجواهر والأجسام فلا تقول عملت حبلا ولا صنعت جملا ولا شجرا فإذا كان كذلك فمن قال أعجبني ما عملت فمعناه الحدث فعلى هذا لا يصح في تأويل ‏"‏ والله خلقكم وما تعملون ‏"‏ إلا أنها مصدرية وهو قول أهل السنة، ولا يصح قول المعتزلة أنها موصولة فإنهم زعموا أنها واقعة على الأصنام التي كانوا ينحتونها فقالوا التقدير‏:‏ خلقكم وخلق الأصنام وزعموا أن نظم الكلام يقتضي ما قالوه لتقدم قوله ما تنحتون لأنها واقعة على الحجارة المنحوتة فكذلك ما الثانية، والتقدير عندهم‏:‏ أتعبدون حجارة تنحتونها والله خلقكم وخلق تلك الحجارة التي تعملونها، هذه شبهتهم ولا يصح ذلك من جهة النحو إذ ما لا تكون مع الفعل الخاص إلا مصدرية، فعلى هذا فالآية ترد مذهبهم وتفسد قولهم والنظم على قول أهل السنة أبدع، فإن قيل قد تقول عملت الصحفة وصنعت الجفنة وكذا يصح عملت الصنم قلنا لا يتعلق ذلك إلا بالصورة التي هي التأليف والتركيب وهي الفعل الذي هو الإحداث دون الجواهر بالاتفاق، ولأن الآية وردت في بيان استحقاق الخالق العبادة لانفراده بالخلق وإقامة الحجة على من يعبد ما لا يخلق وهم يخلقون فقال أتعبدون من لا يخلق وتدعون عبادة من خلقكم وخلق أعمالكم التي تعملون، ولو كانوا كما زعموا لما قامت الحجة من نفس هذا الكلام لأنه لو جعلهم خالقين لأعمالهم وهو خالق للأجناس لشركهم معهم في الخلق، تعالى الله عن إفكهم، قال البيهقي في ‏"‏ كتاب الاعتقاد ‏"‏ قال الله تعالى ‏(‏ذلكم الله ربكم خالق كل شيء‏)‏ فدخل فيه الأعيان والأفعال من الخير والشر وقال تعالى ‏(‏أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء‏)‏ فنفى أن يكون خالق غيره، ونفى أن يكون شيء سواه غير مخلوق، فلو كانت الأفعال غير مخلوقة له لكان خالق بعض الأشياء لا خالق كل شيء، وهو بخلاف الآية، ومن المعلوم أن الأفعال أكثر من الأعيان فلو كان الله خالق الأعيان، والناس خالق الأفعال لكان مخلوقات الناس أكثر من مخلوقات الله، تعالى الله عن ذلك‏.‏

وقال الله تعالى ‏(‏والله خلقكم وما تعملون‏)‏ وقال مكي بن أبي طالب في إعراب القرآن له قالت المعتزلة ما في قوله تعالى ‏(‏وما تعملون‏)‏ موصولة فرارا من أن يقروا بعموم الخلق لله تعالى، يريدون أنه خلق الأشياء التي تنحت منها الأصنام، وأما الأعمال والحركات فإنها غير داخلة في خلق الله، وزعموا أنهم أرادوا بذلك تنزيه الله تعالى عن خلق الشر، ورد عليهم أهل السنة بأن الله تعالى خلق إبليس وهو الشر كله‏.‏

وقال تعالى ‏(‏قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق‏)‏ فأثبت أنه خلق الشر، وأطبق القراء حتى أهل الشذوذ على إضافة شر إلى ‏"‏ ما ‏"‏ إلا عمرو بن عبيد رأس الاعتزال فقرأها بتنوين شر ليصحح مذهبه، وهو محجوج بإجماع من قبله على قراءتها بالإضافة، قال‏:‏ وإذا تقرر أن الله خالق كل شيء من خير وشر وجب أن تكون ‏"‏ ما ‏"‏ مصدرية، والمعنى خلقكم وخلق عملكم انتهى، وقوى صاحب الكشاف مذهبه بأن قوله ‏(‏وما تعملون‏)‏ ترجمة عن قوله قبلها ‏"‏ ما تنحتون ‏"‏ و ‏"‏ ما ‏"‏ في قوله‏:‏ ‏"‏ ما تنحتون ‏"‏ موصولة اتفاقا، فلا يعدل ب ‏"‏ ما ‏"‏ التي بعدها عن أختها، وأطال في تقرير ذلك، ومن جملته فإن قلت ما أنكرت أن تكون ما مصدرية والمعنى‏:‏ خلقكم وخلق عملكم كما تقول المجبرة يعني أهل السنة‏.‏

قلت‏:‏ أقرب ما يبطل به أن معنى الآية يأباه إباء جليا، لأن الله احتج عليهم بأن العابد والمعبود جميعا خلق الله فكيف يعبد المخلوق مع أن العابد هو الذي عمل صورة المعبود ولولاه لما قدر أن يشكل نفسه، فلو كان التقدير خلقكم وخلق عملكم لم يكن فيه حجة عليهم، ثم قال فإن قلت هي موصولة لكن التقدير‏:‏ والله خلقكم وما تعملونه من أعمالكم قلت‏:‏ ولو كان كذلك لم يكن فيها حجة على المشركين، وتعقبه ابن خليل السكوني فقال‏:‏ في كلامه صرف للآية عن دلالتها الحقيقية إلى ضرب من التأويل لغير ضرورة بل لنصرة مذهبه أن العباد يخلقون أكسابهم، فإذا حملها على الأصنام لم تتناول الحركات، وأما أهل السنة فيقولون‏:‏ القرآن نزل بلسان العرب وأئمة العربية على أن الفعل الوارد بعد ‏"‏ ما ‏"‏ يتأول بالمصدر، نحو‏:‏ أعجبني ما صنعت‏:‏ أي صنعك، وعلى هذا فمعنى الآية خلقكم وخلق أعمالكم، والأعمال ليست هي جواهر الأصنام اتفاقا، فمعنى الآية عندهم إذا كان الله خالق أعمالكم التي تتوهم القدرية أنهم خالقون لها فأولى أن يكون خالقا لما لم يدع فيه أحد الخلقية وهي الأصنام، قال‏:‏ ومدار هذه المسألة على أن الحقيقة مقدمة على المجاز ولا أثر للمرجوح مع الراجح وذلك أن الخشب التي منها الأصنام والصور التي للأصنام ليست بعمل لنا وإنما عملنا ما أقدرنا الله عليه من المعاني المكسوبة التي عليها ثواب العباد وعقابهم، فإذا قلت عمل النجار السرير فالمعنى عمل حركات في محل أظهر الله لنا عندها التشكل في السرير، فلما قال تعالى ‏(‏والله خلقكم وما تعملون‏)‏ وجب حمله على الحقيقة وهي معمولكم، وأما ما يطالب به المعتزلي من الرد على المشركين من الآية فهو من أبين شيء لأنه تعالى إذا أخبر أنه خلقنا وخلق أعمالنا التي يظهر بها التأثير بين أشكال الأصنام وغيرها فأولى أن يكون خالقا للمتأثر الذي لم يدع فيه أحد لا سني ولا معتزلي، ودلالة الموافقة أقوى في لسان العرب وأبلغ من غيرها وقد وافق الزمخشري على ذلك في قوله تعالى ‏(‏فلا تقل لهما أف‏)‏ فإنه أدل على نفي الضرب من أن لو قال‏:‏ ولا تضربهما‏.‏

وقال إنها من نكت علم البيان ثم غفل عنها اتباعا لهواه، وأما ادعاؤه فك النظم فلا يلزم منه بطلان الحجة لأن فكه لما هو أبلغ سائغ بل أكمل لمراعاة البلاغة، ثم قال‏:‏ ولم لا تكون الآية مخبرة عن أن كل عمل للعبد فهو خلق للرب فيندرج فيه الرد على المشركين مع مراعاة النظم، ومن قيد الآية بعمل العبد دون عمل فعليه الدليل والأصل عدمه وبالله التوفيق، وأجاب البيضاوي بأن دعوى أنها مصدرية أبلغ لأن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى فالمتوقف على فعلهم أولى بذلك، ويترجح أيضا بأن غيره لا يخلو من حذف أو مجاز وهو سالم من ذلك والأصل عدمه‏.‏

وقال الطيبي وتكملة ذلك أن يقال تقرر عند علماء البيان أن الكناية أولى من التصريح فإذا نفى الحكم العام لينتفي الخاص كان أقوى في الحجة، وقد سلك صاحب الكشاف هذا بعينه في تفسير قوله تعالى ‏(‏كيف تفكرون بالله‏)‏ الآية‏.‏

وقال ابن المنير يتعين حمل ‏"‏ ما ‏"‏ على المصدرية لأنهم لم يعبدوا الأصنام من حيث هي حجارة أو خشب عارية عن الصورة بل عبدوها لأشكالها وهي أثر عملهم ولو عملوا نفس الجواهر لما طابق توبيخهم بأن المعبود من صنعة العابد قال والمخالفون موافقون أن جواهر الأصنام ليست عملا لهم فلو كان كما ادعوه لاحتاج إلى حذف أي والله خلقكم وما تعملون شكله وصورته، والأصل عدم التقدير وقد جاء التصريح في الحديث الصحيح بمعنى الذي تقدمت الإشارة إليه في باب قوله كل يوم هو في شأن عن حذيفة رفعه أن الله خلق صانع وصنعته وقال غيره قول من ادعى أن المراد بقوله وما تعملون نفس العيدان والمعادن التي تعمل منها الأوثان باطل لأن أهل اللغة لا يقولون إن الإنسان يعمل العود أو الحجر بل يقيدون ذلك بالصنعة فيقولون عمل العود صنما والحجر وثنا، فمعنى الآية أن الله خلق الإنسان وخلق شكل الصنم وأما الذي نحت أو صاغ فإنما هو عمل النحت والصياغة وقد صرحت الآية بذلك، والذي عمله هو الذي وقع التصريح بأن الله تعالى هو الذي خلقه وقال التونسي في مختصر تفسير الفخر الرازي‏:‏ احتج الأصحاب بهذه الآية على أن عمل العبيد مخلوق لله على إعراب ما مصدرية وأجاب المعتزلة بأن إضافة العبادة والنحت لهم إضافة الفعل للفاعل ولأنه وبخهم ولو لم تكن الأفعال لخلقهم لما وبخهم، قالوا‏:‏ ولا نسلم أنها مصدرية لأن الأخفش يمنع أعجبني ما قمت أي قيامك وقال إنه خاص بالمتعدى سلمنا جوازه لكن لا يمنع ذلك من تقدير ما مفعولا للنحاتين ولموافقة ما ينحتون ولأن العرب تسمى محل العمل عملا فتقول في الباب هو عمل فلان ولأن القصد هو تزييف عبادتهم لا بيان أنهم لا يوجدون أعمال أنفسهم قال وهذه شبهة قوية فالأولى أن لا يستدل بهذه الآية لهذا المراد كذا قال، وجرى على عادته في إيراد شبه المخالفين وترك بذل الوسع في أجوبتها وقد أجاب الشمس الأصبهاني في تفسيره وهو ملخص من تفسير الفخر فقال وما تعملون‏:‏ أي عملكم وفيها دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله وعلى أنها مكتسبة للعباد حيث أثبت لهم عملا فأبطلت مذهب القدرية والجبرية معا وقد رجح بعض العلماء كونها مصدرية لأنهم لم يعبدوا الأصنام إلا لعملهم لا لجرم الصنم وإلا لكانوا يعبدونها قبل العمل فكأنهم عبدوا العمل فأنكر عليهم عبادة المنحوت الذي لم ينفك عن العمل المخلوق وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية في الرد على الرافضي لا نسلم أنها موصولة ولكن لا حجة فيها للمعتزلة لأن قوله تعالى ‏(‏والله خلقكم‏)‏ يدخل فيه ذاتهم وصفاتهم وعلى هذا إذا كان التقدير والله خلقكم وخلق الذي تعملونه إن كان المراد خلقه لها قبل النحت لزم أن يكون المعمول غير مخلوق وهو باطل فثبت أن المراد خلقه لها قبل النحت وبعده وأن الله خلقها بما فيها من التصوير والنحت فثبت أنه خالق ما تولد عن فعلهم ففي الآية دلالة على أنه تعالى خلق أفعالهم القائمة بهم وخلق ما تولد عنها ووافق على ترجيح أنها موصولة من جهة أن السياق يقتضي أنه أنكر عليهم عبادة المنحوت فناسب أن ينكر ما يتعلق بالمنحوت وأنه مخلوق له فيكون التقدير الله خالق العابد والمعبود وتقدير‏:‏ خلقكم وخلق أعمالكم، يعني إذا أعربت مصدرية ليس فيه ما يقتضي ذمهم على ترك عبادته والعلم عند الله تعالى وقد ارتضى الشيخ سعد الدين التفتازاني هذه الطريق وأوضحها ونقحها فقال في شرح العقائد له بعد أن ذكر أصل المسألة وأدلة الفريقين ومنها استدلال أهل السنة بالآية المذكورة والله خلقكم وما تعملون، قالوا‏:‏ معناه وخلق عملكم على إعراب ما مصدرية ورجحوا ذلك لعدم احتياجه إلى حذف الضمير قال فيجوز أن يكون المعنى وخلق معمولكم على إعرابها موصولة ويشمل أعمال العباد لأنا إذا قلنا إنها مخلوقة لله أو للعبد لم يرد بالفعل المعنى المصدري الذي هو الإيجاد بل الحاصل بالمصدر الذي هو متعلق الإيجاد وهو ما يشاهده من الحركات والسكنات‏:‏ قال وللذهول عن هذه النكتة توهم من توهم أن الاستدلال بالآية موقوف على كون ما مصدرة وليس الأمر كذلك‏.‏

‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ جوز من صنف في إعراب القرآن في إعراب ‏"‏ ما تعملون ‏"‏ زيادة على ما تقدم قالوا واللفظ للمنتخب في ‏"‏ ما ‏"‏ أوجه أحدها‏:‏ أن تكون مصدرية منصوبة المحل عطف على الكاف والميم في ‏"‏ خلقكم ‏"‏ الثاني أن تكون موصولة في موضع نصب أيضا عطفا على المذكور آنفا، والتقدير‏:‏ خلقكم والذي تعملون أي تعملون منه الأصنام يعني الخشب والحجارة وغيرها، الثالث‏:‏ أن تكون استفهامية منصوبة المحل بقوله ‏"‏ تعملون ‏"‏ توبيخا لهم وتحقيرا لعملهم، الرابع‏:‏ أن تكون نكرة موصوفة وحكمها حكم الموصولة، الخامس‏:‏ أن تكون نافية على معنى ‏"‏ وما تعملون ذلك ‏"‏ لكن الله هو خلقه، ثم قال البيهقي وقد قال الله تعالى ‏(‏خلق كل شيء، وهو بكل شيء عليم‏)‏ فامتدح بأنه خلق كل شيء وبأنه يعلم كل شيء فكما لا يخرج عن علمه شيء وكذا لا يخرج عن خلقه شيء‏.‏

وقال تعالى ‏(‏وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور، ألا يعلم من خلق‏)‏ فأخبر أن قولهم سرا وجهرا خلقه لأنه بجميع ذلك عليم‏.‏

وقال تعالى ‏(‏خلق الموت والحياة‏)‏ وقال ‏(‏وأنه هو أمات وأحيا‏)‏ فأخبر أنه المحيي المميت وأنه خلق الموت والحياة فثبت أن الأفعال كلها خيرها وشرها صادرة عن خلقه وإحداثه إياها وقال تعالى ‏(‏وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى‏)‏ ‏.‏

وقال تعالى ‏(‏أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون‏)‏ فسلب عنهم هذه الأفعال وأثبتها لنفسه ليدل بذلك على أن المؤثر فيها حتى صارت موجودة بعد العدم هو خلقه، وأن الذي يقع من الناس إنما هو مباشرة تلك الأفعال بقدرة حادثة أحدثها على ما أراد، فهي من الله تعالى خلق بمعنى الاختراع بقدرته القديمة، ومن العباد كسب على معنى تعلق قدرة حادثة بمباشرتهم التي هي كسبهم ووقوع هذه الأفعال على وجوده بخلاف فعل مكتسبها أحيانا من أعظم الدلالة على موقع أوقعها على ما أراد، ثم ساق حديث حذيفة المشار إليه ثم قال وأما ما ورد في حديث دعاء الافتتاح في أول الصلاة والشر ليس إليك، فمعناه كما قال النضر بن شميل‏:‏ والشر لا يتقرب به إليك‏.‏

وقال غيره أرشد إلى استعمال الأدب في الثناء على الله تعالى بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها، وقد وقع في نفس هذا الحديث‏:‏ والمهدى من هديت فأخبر أنه يهدي من شاء كما وقع التصريح به في القرآن‏.‏

وقال في حديث أبي سعيد الماضي في الأحكام الذي في أوله‏:‏ أن كل وال له بطانتان والمعصوم من عصم الله، فدل على أنه يعصم قوما دون قوم‏.‏

وقال غيره يستحيل أن يصلح قدرة العباد للإبراز من العدم إلى الوجود وهو المعبر عنه بالاختراع وثبوته لله سبحانه وتعالى قطعي لأن قدرة الإبراز من العدم إلى الوجود تتوجه إلى تحصيل ما ليس بحاصل فحال توجيهها لا بد من وجودها لاستحالة أن يحصل العدم شيئا، فقدرته ثابتة وقدرة المخلوقين عرض لا بقاء له فيستحيل تقدمها، وقد تواردت النقول السمعية والقرآن والأحاديث الصحيحة بانفراد الرب سبحانه وتعالى بالاختراع كقوله تعالى ‏(‏هل من خالق غير الله‏)‏ ‏(‏فأروني ماذا خلق الذين من دونه‏)‏ ومن الدليل على أن الله تعالى يحكم في خلقه بما يشاء ولا تتوقف أحكامه في ثوابهم وعقابهم على أن يكونوا خالقين لأفعالهم أنه نصب الثواب والعقاب على ما يقع مباينا لمحال قدرتهم، وأما اكتساب العباد فلا يقع إلا في محل الكسب، ومثال ذلك السهم الذي يرميه العبد لا تصرف له فيه بالرفع، وكذلك لا تصرف له فيه بالوضع، وأيضا فإن إرادة الله سبحانه وتعالى تتعلق بما لا نهاية له على وجه النفوذ وعدم التعذر، وإرادة العبد لا تتعلق بذلك مع تسميتها إرادة، وكذلك علمه تعالى لا نهاية له على سبيل التفصيل، وعلم العبد لا يتعلق بذلك مع تسميته علما‏.‏

فصل‏:‏ احتج بعض المبتدعة بقوله تعالى ‏(‏الله خالق كل شيء‏)‏ على أن القرآن مخلوق لأنه شيء، وتعقب ذلك نعيم بن حماد وغيره من أهل الحديث بأن القرآن كلام الله وهو صفته فكما أن الله لم يدخل في عموم قوله ‏(‏كل شيء‏)‏ اتفاقا فكذلك صفاته، ونظير ذلك قوله تعالى ‏(‏ويحذركم الله نفسه‏)‏ مع قوله تعالى ‏(‏كل نفس ذائقة الموت‏)‏ فكما لم تدخل نفس الله في هذا العموم اتفاقا فكذا لا يدخل القرآن‏.‏

قوله ‏(‏ويقال للمصورين أحيوا ما خلقتم‏)‏ كذا للأكثر وهو المحفوظ، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ ويقول ‏"‏ أي الله سبحانه أو الملك بأمره‏.‏

وقال الكرماني لفظ الحديث الموصول في الباب ‏"‏ ويقال لهم ‏"‏ فأظهر البخاري مرجع الضمير انتهى، وسيأتي الكلام على نسبة الخلق إليهم في آخر الباب‏.‏

قوله ‏(‏إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض - إلى - تبارك الله رب العالمين‏)‏ ساق في رواية كريمة الآية كلها، والمناسب منها لما تقدم قوله تعالى ‏(‏ألا له الخلق والأمر‏)‏ فيصح به قول الله ‏(‏خالق كل شيء‏)‏ ولذلك عقبه بقوله قال ابن عيينة بين الله الخلق من الأمر بقوله تعالى ‏(‏ألا له الخلق والأمر‏)‏ وهذا الأثر وصله ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية من طريق بشار بن موسى قال‏:‏ كنا عند سفيان بن عيينة فقال ألا له الخلق والأمر، فالخلق هو المخلوقات والأمر هو الكلام، ومن طريق حماد بن نعيم سمعت سفيان بن عيينة، وسئل عن القرآن أمخلوق هو‏؟‏ فقال‏:‏ يقول الله تعالى ألا له الخلق والأمر ألا ترى كيف فرق بين الخلق والأمر، فالأمر كلامه فلو كان كلامه مخلوقا لم يفرق‏.‏

قلت‏:‏ وسبق ابن عيينة إلى ذلك محمد بن كعب القرظي وتبعه الإمام أحمد بن حنبل وعبد السلام بن عاصم وطائفة أخرج كل ذلك ابن أبي حاتم عنهم‏.‏

وقال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد ‏"‏ خلق الله الخلق بأمره ‏"‏ لقوله تعالى ‏(‏لله الأمر من قبل ومن بعد‏)‏ ولقوله ‏(‏إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون‏)‏ ولقوله ‏(‏ومن آياته أن تقوم السماوات والأرض بأمره‏)‏ قال‏:‏ وتواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القرآن كلام الله وأن أمر الله قبل مخلوقاته، قال‏:‏ ولم يذكر عن أحد من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان خلاف ذلك وهم الذين أدوا إلينا الكتاب والسنة قرنا بعد قرن، ولم يكن بين أحد من أهل العلم في ذلك خلاف إلى زمان مالك والثوري وحماد وفقهاء الأمصار ومضى على ذلك من أدركنا من علماء الحرمين والعراقين والشام ومصر وخراسان‏.‏

وقال عبد العزيز بن يحيى المكي في مناظرته لبشر المريسي بعد أن تلا الآية المذكورة أخبر الله تعالى عن الخلق أنه مسخر بأمره، فالأمر هو الذي كان الخلق مسخرا به فكيف يكون الأمر مخلوقا‏.‏

وقال تعالى ‏(‏إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون‏)‏ فأخبر أن الأمر متقدم على الشيء المكون‏.‏

وقال ‏(‏لله الأمر من قبل ومن بعد‏)‏ أي من قبل خلق الخلق ومن بعد خلقهم وموتهم بدأهم بأمره ويعيدهم بأمره‏.‏

وقال غيره لفظ الأمر يرد لمعان، منها الطلب ومنها الحكم ومنها الحال والشأن ومنها المأمور كقوله تعالى ‏(‏فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك‏)‏ أي مأموره وهو إهلاكهم، واستعمال المأمور بلفظ الأمر كاستعمال المخلوق بمعنى الخلق‏.‏

وقال الراغب‏:‏ الأمر لفظ عام للأفعال والأقوال كلها، ومنه قوله تعالى ‏(‏وإليه يرجع الأمر كله‏)‏ ويقال للإبداع أمر، نحو قوله تعالى ‏(‏ألا له الخلق والأمر‏)‏ وعلى ذلك حمل بعضهم قوله تعالى ‏(‏قل الروح من أمر ربي‏)‏ أي هو من إبداعه، ويختص ذلك بالله تعالى دون الخلائق وقوله ‏(‏إنما أمرنا لشيء إذا أردناه‏)‏ إشارة إلى إبداعه وعبر عنه بأقصر لفظ وأبلغ ما نتقدم به فيما بيننا بفعل الشيء، ومنه ‏(‏وما أمرنا إلا واحدة‏)‏ فعبر عن سرعة إيجاده بأسرع ما يدركه وهمنا، والأمر التقدم بالشيء سواء كان ذلك بقول افعل أو لتفعل أو بلفظ خبر نحو ‏(‏والمطلقات يتربصن‏)‏ أو بإشارة أو غير ذلك كتسميته ما رأى إبراهيم أمرا حيث قال ابنه ‏(‏يا أبت افعل ما تؤمر‏)‏ وأما قوله ‏(‏وما أمر فرعون برشيد‏)‏ فعام في أقواله وأفعاله، وقوله ‏(‏أتى أمر الله‏)‏ إشارة إلى يوم القيامة فذكره بأعم الألفاظ، وقوله ‏(‏بل سولت لكم أنفسكم أمرا‏)‏ أي ما تأمر به النفس الأمارة انتهى، وفي بعض ما ذكره نظر لا سيما في تفسير الأمر في آية الباب بالإبداع، والمعروف فيه ما نقل عن ابن عيينة وعلى ما قال الراغب ‏"‏ يكون الأمر في الآية من عطف الخاص على العام ‏"‏ وقد قال بعض المفسرين‏:‏ المراد بالأمر بعد الخلق تصريف الأمور‏.‏

وقال بعضهم المراد بالخلق في الآية‏:‏ الدنيا وما فيها، وبالأمر‏:‏ الآخرة وما فيها، فهو كقوله ‏(‏أتى أمر الله‏)‏ ‏.‏

قوله ‏(‏وسمي النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عملا‏)‏ تقدم بيان هذا في باب من قال الإيمان هو العمل من ‏"‏ كتاب الإيمان ‏"‏ أول الجامع‏.‏

قوله ‏(‏وقال أبو ذر وأبو هريرة سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال إيمان بالله وجهاد في سبيله‏)‏ تقدم الكلام عليهما وبيان من وصلهما وشواهدهما في باب‏:‏ قل فأتوا بالتوراة فاتلوها قبل أبواب‏.‏

قوله ‏(‏وقال جزاء بما كانوا يعملون‏)‏ أي من الإيمان والصلاة وسائر الطاعات، فسمي الإيمان عملا حيث أدخله في جملة الأعمال‏.‏

قوله ‏(‏وقال وفد عبد القيس إلى أن قال فجعل ذلك كله عملا‏)‏ سيأتي ذلك موصولا بعد حديث، ثم ذكر في الباب خمسة أحاديث مسندة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَالْقَاسِمِ التَّمِيمِيِّ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ كَانَ بَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جُرْمٍ وَبَيْنَ الْأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإِخَاءٌ فَكُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ كَأَنَّهُ مِنْ الْمَوَالِي فَدَعَاهُ إِلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ لَا آكُلُهُ فَقَالَ هَلُمَّ فَلْأُحَدِّثْكَ عَنْ ذَاكَ إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ قَالَ وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ أَيْنَ النَّفَرُ الْأَشْعَرِيُّونَ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى ثُمَّ انْطَلَقْنَا قُلْنَا مَا صَنَعْنَا حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا ثُمَّ حَمَلَنَا تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ وَاللَّهِ لَا نُفْلِحُ أَبَدًا فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ فَقَالَ لَسْتُ أَنَا أَحْمِلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَتَحَلَّلْتُهَا

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى الأشعري في قصة الذين طلبوا الحملان فقال صلى الله عليه وسلم لست أنا أحملكم ولكن الله حملكم، وقد تقدم شرحه في ‏"‏ كتاب الإيمان ‏"‏ و ‏"‏ عبد الوهاب ‏"‏ في السند هو ابن عبد المجيد الثقفي وليس هو والد عبد الله بن عبد الوهاب العبدري الحجبي الراوي عنه هنا، و ‏"‏ القاسم التميمي ‏"‏ هو ابن عاصم و ‏"‏ زهدم ‏"‏ هو ابن مضرب بتشديد الراء، وقوله ‏"‏يأكل فقذرته ‏"‏ زاد الكشميهني ‏"‏ يأكل شيئا ‏"‏ وقوله ‏"‏ فحلفت لا آكله ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أن لا آكله ‏"‏ وقوله ‏"‏ فلأحدثك ‏"‏ وقع لغير الكشميهني ‏"‏ فلأحدثنك ‏"‏ بالنون المؤكدة، والمراد منه نسبة الحمل إلى الله تعالى وإن كان الذي باشر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فهو كقوله تعالى ‏(‏وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى‏)‏ وقد تقدم توجيهه قريبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ وَإِنَّا لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي أَشْهُرٍ حُرُمٍ فَمُرْنَا بِجُمَلٍ مِنْ الْأَمْرِ إِنْ عَمِلْنَا بِهِ دَخَلْنَا الْجَنَّةَ وَنَدْعُو إِلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنَا قَالَ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَتُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ لَا تَشْرَبُوا فِي الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالظُّرُوفِ الْمُزَفَّتَةِ وَالْحَنْتَمَةِ

الشرح‏:‏

حديث وفد عبد القيس‏.‏

قوله ‏(‏أبو عاصم‏)‏ هو الضحاك بن مخلد البصري المعروف بالنبيل بنون وموحدة وزن عظيم، وهو من شيوخ البخاري أخرج عنه بغير واسطة في ‏"‏ كتاب الزكاة ‏"‏ وغيره وهنا بواسطة وكذلك في عدة مواضع‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا قرة بن خالد‏)‏ قال عياض سقط من رواية أبي زيد المروزي وثبت لغيره وألحقه عبدوس في روايته يعني ‏"‏ عن المروزي ‏"‏ ونقل أبو علي الجياني أن أبا زيد قال لما حدث به ‏"‏ أظن بينهما قرة بن خالد ‏"‏ قال أبو علي وما هو بالظن ولكنه يقين وبه يتصل الإسناد‏.‏

قوله ‏(‏قلت لابن عباس فقال قدم وفد عبد القيس‏)‏ كذا في هذه الرواية لم يذكر مقول قلت وبينه الإسماعيلي من طريق أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي بفتح المهملة والقاف عن قرة بن خالد فقال في روايته‏:‏ حدثنا أبو حمزة قال قلت لابن عباس إن لي حرة أنتبذ فيها فأشربه حلوا لو أكثرت منه فجالست القوم لخشيت أن أفتضح فقال قدم وفد عبد القيس، وقد أخرج مسلم طريق أبي عامر لكن لم يسق لفظه ولم يقف الكرماني على هذا فقال التقدير قلت لابن عباس حدثنا إما مطلقا وإما عن قصة وفد عبد القيس فجعل مقول قلت طلب التحديث، وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في ‏"‏ كتاب الإيمان ‏"‏ وما يتعلق منه بالأشربة في ‏"‏ كتاب الأشربة ‏"‏ وتقدم جواب الإشكال عن تفسير الإيمان بالأعمال البدنية مع أنه فعل القلب، وعن الحكمة في قوله ‏"‏ وأن تعطوا الخمس ‏"‏ ولم يقل وإعطاء الخمس على نسق ما تقدم، وعن سقوط ذكر الصوم في هذه الرواية مع كونه ثابتا في غيرها، والتنبيه على أنه وقع ذكر الحج في بعض طرق هذا الحديث من هذا الوجه من رواية قرة بن خالد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ

الشرح‏:‏

قال ابن بطال قوله في حديث عائشة وغيره ‏"‏ يقال لهم أحيوا ما خلقتم ‏"‏ إنما نسب خلقها إليهم تقريعا لهم بمضاهاتهم الله تعالى في خلقه فبكتهم بأن قال إذا شابهتم بما صورتم مخلوقات الله تعالى فأحيوها كما أحيا هو ما خلق‏.‏

وقال الكرماني أسند الخلق إليهم صريحا وهو خلاف الترجمة لكن المراد كسبهم، فأطلق لفظ الخلق عليهم استهزاء أو ضمن ‏"‏ خلقتم ‏"‏ معنى صورتم تشبيها بالخلق، أو أطلق بناء على زعمهم فيه‏.‏

قلت‏:‏ والذي يظهر أن مناسبة ذكر حديث المصورين لترجمة هذا الباب من جهة أن من زعم أنه يخلق فعل نفسه لو صحت دعواه لما وقع الإنكار على هؤلاء المصورين فلما كان أمرهم بنفخ الروح فيما صوروه أمر تعجيز ونسبة الخلق إليهم إنما هي على سبيل التهكم والاستهزاء دل على فساد قول من نسب خلق فعله إليه استقلالا والعلم عند الله تعالى، ثم قال الكرماني هذه الأحاديث تدل على أن العمل منسوب إلى العبد لأن معنى الكسب اعتبار الجهتين فيستفاد المطلوب منها ولعل غرض البخاري في تكثير هذا النوع في الباب وغيره بيان جواز ما نقل عنه أنه قال ‏"‏ لفظي بالقرآن مخلوق ‏"‏ إن صح عنه‏.‏

قلت‏:‏ قد صح عنه أنه تبرأ من هذا الإطلاق فقال ‏"‏ كل من نقل عني أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب علي، وإنما قلت أفعال العباد مخلوقة ‏"‏ أخرج ذلك غنجار في ترجمة البخاري من تاريخ بخارا بسند صحيح إلى محمد بن نصر المروزي الإمام المشهور أنه سمع البخاري يقول ذلك، ومن طريق أبي عمر وأحمد بن نصر النيسابوري الخفاف أنه سمع البخاري يقول ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً

الشرح‏:‏

و ‏"‏ محمد بن العلاء ‏"‏ في أول سند حديث أبي هريرة هو أبو كريب وهو بكنيته أشهر، وابن فضيل‏:‏ هو محمد و ‏"‏ عمارة ‏"‏ هو ابن القعقاع بن شبرمة، وقد مضى في ‏"‏ كتاب اللباس ‏"‏ من وجه آخر عن عمارة وفيه قصة لأبي هريرة ومضى شرحه هناك، وقوله ‏"‏ومن ذهب ‏"‏ أي قصد، وقوله ‏"‏يخلق كخلقي ‏"‏ نسب الخلق إليهم على سبيل الاستهزاء أو التشبيه في الصورة فقط، وقوله ‏"‏فليخلقوا ذرة أو شعيرة ‏"‏ أمر بمعنى التعجيز وهو على سبيل الترقي في الحقارة أو التنزل في الإلزام، والمراد بالذرة إن كان النملة فهو من تعذيبهم وتعجيزهم بخلق الحيوان تارة وبخلق الجماد أخرى، وإن كان بمعنى الهباء فهو بخلق ما ليس له جرم محسوس تارة وبما له جرم أخرى، ويحتمل أن يكون ‏"‏ أو ‏"‏ شكا من الراوي‏.‏