فصل: باب قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا‏)‏ وقع لبعضهم ‏"‏ يمسك السموات على إصبع ‏"‏ وهو خطأ ذكر فيه حديث‏.‏

ابن مسعود قال المهلب‏:‏ الآية تقتضي أنهما ممسكتان بغير آلة، والحديث يقتضي أنهما ممسكتان بالإصبع، والجواب أن الإمساك بالإصبع محال لأنه يفتقر إلى ممسك، وأجاب غيره بأن الإمساك في الآية يتعلق بالدنيا، وفي الحديث بيوم القيامة وقد مضى توجيه الإصبع من كلام أهل السنة مع شرحه في باب قوله‏:‏ لما خلفت بيدي، قال الراغب إمساك الشيء التعلق به وحفظه، ومن الثاني قوله تعالى ‏(‏ويمسك السماء أن تقع على الأرض‏)‏ الآية، ويقال أمسكت عن كذا امتنعت عنه ومنه ‏(‏هل هن ممسكات رحمته‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ حَبْرٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يَضَعُ السَّمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرْضَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ وَالْأَنْهَارَ عَلَى إِصْبَعٍ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ أَنَا الْمَلِكُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏إن الله يضع السموات على إصبع الحديث‏)‏ ومضى هناك بلفظ ‏"‏ إن الله يمسك ‏"‏ وهو المطابق للترجمة لكن جرى على عادته في الإشارة وذكر فيه من وجه آخر عن الأعمش، وفيه تصريحه بسماعه له من ‏"‏ إبراهيم ‏"‏ وهو النخعي، ‏"‏ وموسى ‏"‏ شيخ البخاري فيه هو ابن إسماعيل كما جزم به أبو نعيم في المستخرج، وقوله جاء حبر بفتح المهملة ويجوز كسرها، بعدها موحدة ساكنة ثم راء واحد الأحبار، وذكر صاحب المشارق أنه وقع في بعض الروايات ‏"‏ جاء جبريل ‏"‏ قال وهو تصحيف فاحش، وهو كما قال فقد مضى في الباب المشار إليه ‏"‏ جاء رجل ‏"‏ وفي الرواية التي قبلها ‏"‏ أن يهوديا جاء ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ جاء حبر من اليهود ‏"‏ فعرف أن من قال جبريل فقد صحف‏.‏

*3*باب مَا جَاءَ فِي تَخْلِيقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَلَائِقِ

وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَمْرُهُ فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَكَلَامِهِ وَهُوَ الْخَالِقُ الْمُكَوِّنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ فَهُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق‏)‏ كذا للأكثر ‏"‏ تخليق ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ خلق السموات ‏"‏ وعليها شرح ابن بطال وهو المطابق للآية، وأما التخليق فإنه من خلق بالتشديد، وقد استعمل في مثل قوله تعالى ‏(‏مخلقة وغير مخلقة‏)‏ وتقدمت الإشارة إلى تفسيره في ‏"‏ كتاب الحيض‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وهو فعل الرب وأمره‏)‏ المراد بالأمر هنا قوله كن، والأمر يطلق بإزاء معان منها صيغة أفعل ومنها الصفة والشأن، والأول المراد هنا‏.‏

قوله ‏(‏فالرب بصفاته وفعله وأمره‏)‏ كذا ثبت للجميع وزاد أبو ذر ‏"‏ في روايته وكلامه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وهو الخالق المكون غير مخلوق‏)‏ المكون بتشديد الواو المكسورة لم يرد في الأسماء الحسنى، ولكن ورد معناه ‏"‏ وهو المصور ‏"‏ وقوله وكلامه بعد قوله‏:‏ وأمره من عطف الخاص على العام لأن المراد بالأمر هنا قوله كن وهو من جملة كلامه وسقط قوله من هذا الموضع وفعله في بعض النسخ قال الكرماني‏:‏ وهو أولى ليصح لفظ غير مخلوق كذا قال وسياق المصنف، يقتضي التفرقة بين الفعل وما ينشأ عن الفعل فالأول من صفة الفاعل، والباري غير مخلوق فصفاته غير مخلوقة وأما مفعوله وهو ما ينشأ عن فعله فهو مخلوق ومن ثم عقبه بقوله‏:‏ وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون بفتح الواو والمراد بالأمر هنا المأمور به وهو المراد بقوله تعالى ‏(‏وكان أمر الله مفعولا‏)‏ ، وبقوله تعالى ‏(‏والله غالب على أمره‏)‏ إن قلنا الضمير لله، وبقوله تعالى ‏(‏لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا‏)‏ ، بقوله تعالى ‏(‏قل الروح من أمر ربي‏)‏ وفي الحديث الصحيح ‏"‏ أن الله يحدث من أمره ما يشاء ‏"‏ وفيه ‏"‏ سبوح قدوس رب الملائكة والروح ‏"‏ وأما قوله تعالى ‏(‏ألا له الخلق والأمر‏)‏ فسيأتي في آخر ‏"‏ كتاب التوحيد ‏"‏ احتجاج ابن عيينة وغيره به على أن القرآن غير مخلوق لأن المراد بالأمر قوله تعالى ‏(‏كن‏)‏ وقد عطف على الخلق، والعطف يقتضي المغايرة وكن من كلامه فصح الاستدلال ووهم من ظن أن المراد بالأمر هنا هو المراد بقوله تعالى ‏(‏وكان أمر الله مفعولا‏)‏ لأن المراد به في هذه الآية المأمور فهو الذي يوجد بكن، وكن صيغة الأمر وهي من كلام الله وهو غير مخلوق، والذي يوجد بها هو المخلوق وأطلق عليه الأمر لأنه نشأ عنه، ثم وجدت بيان مراده في كتابه الذي أفرده في خلق أفعال العباد فقال‏:‏ اختلف الناس في الفاعل والفعل والمفعول فقالت القدرية الأفاعيل كلها من البشر‏.‏

وقالت الجبرية الأفاعيل كلها من الله‏.‏

وقالت الجهمية الفعل والمفعول واحد ولذلك قالوا كن مخلوق‏.‏

وقال السلف‏:‏ التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة، ففعل الله صفة الله والمفعول من سواه من المخلوقات انتهى‏.‏

ومسألة التكوين مشهورة بين المتكلمين وأصلها‏:‏ إنهم اختلفوا هل صفة الفعل قديمة أو حادثة‏؟‏ فقال جمع من السلف منهم أبو حنيفة‏:‏ هي قديمة‏.‏

وقال آخرون منهم ابن كلاب والأشعري‏:‏ هي حادثة لئلا يلزم أن يكون المخلوق قديما، وأجاب الأول بأنه يوجد في الأزل صفة الخلق ولا مخلوق، وأجاب الأشعري بأنه لا يكون خلق ولا مخلوق كما لا يكون ضارب ولا مضروب فألزموه بحدوث صفات فيلزم حلول الحوادث بالله، فأجاب بأن هذه الصفات لا تحدث في الذات شيئا جديدا فتعقبوه بأنه يلزم أن لا يسمى في الأزل خالقا ولا رازقا، وكلام الله قديم وقد ثبت أنه فيه الخالق الرزاق فانفصل بعض الأشعرية بأن إطلاق ذلك إنما هو بطريق المجاز وليس المراد بعدم التسمية عدمها بطريق الحقيقة، ولم يرتض هذا بعضهم بل قال وهو المنقول عن الأشعري نفسه‏:‏ إن الأسامي جارية مجرى الأعلام والعلم ليس بحقيقة ولا مجاز في اللغة، وأما في الشرع فلفظ الخالق الرازق صادق عليه تعالى بالحقيقة الشرعية والبحث إنما هو فيها لا في الحقيقة اللغوية فألزموه بتجويز إطلاق اسم الفاعل على من لم يقم به الفعل، فأجاب أن الإطلاق هنا شرعي لا لغوي انتهى‏.‏

وتصرف البخاري في هذا الموضع يقتضي موافقة القول الأول، والصائر إليه يسلم من الوقوع في مسألة حوادث لا أول لها وبالله التوفيق، وأما ابن بطال فقال‏:‏ غرضه بيان أن جميع السموات والأرض وما بينهما مخلوق، لقيام دلائل الحدوث عليها، ولقيام البرهان على أنه لا خالق غير الله وبطلان قول من يقول إن الطبائع خالقة أو الأفلاك أو النور أو الظلمة أو العرش، فلما فسدت جميع هذه المقالات لقيام الدليل على حدوث ذلك كله وافتقاره إلى محدث لاستحالة وجود محدث لا محدث له وكتاب الله شاهد بذلك كآية الباب، استدل بآيات السموات والأرض على وحدانيته وقدرته وأنه الخلاق العظيم وأنه خلاق سائر المخلوقات، لانتفاء الحوادث عنه الدالة على حدوث من يقوم به وأن ذاته وصفاته غير مخلوقة، والقرآن صفة له فهو غير مخلوق ولزم من ذلك أن كل ما سواه كان عن أمره وفعله وتكوينه وكل ذلك مخلوق له انتهى، ولم يعرج على ما أشار إليه البخاري فلله الحمد على ما أنعم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةً وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا لِأَنْظُرَ كَيْفَ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ أَوْ بَعْضُهُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَرَأَ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ ثُمَّ صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ

الشرح‏:‏

قوله في الحديث ‏(‏فلما كان ثلث الليل الأخير أو بعضه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أو نصفه ‏"‏ بنون ومهملة وفاء وقد تقدم في تفسير آل عمران بهذا السند والمتن لكن لم يذكر فيه هذه اللفظة‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قوله تعالى‏:‏ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين‏)‏ ذكر فيه ستة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ إن رحمتي سبقت غضبي ‏"‏ وقد تقدم شرحه في باب قوله تعالى ‏(‏ويحذركم الله نفسه‏)‏ وأشار به إلى ترجيح القول بأن الرحمة من صفات الذات لكون الكلمة من صفات الذات فمهما استشكل في إطلاق السبق في صفة الرحمة جاء مثله في صفة الكلمة، ومهما أجيب به عن قوله سبقت كلمتنا حصل به الجواب عن قوله سبقت رحمتي وقد غفل عن مراده من قال دل وصف الرحمة بالسبق على أنها من صفات الفعل، وقد سبق في شرح الحديث قول من قال المراد بالرحمة إرادة إيصال الثواب، وبالغضب إرادة إيصال العقوبة فالسبق حينئذ بين متعلقي الإرادة فلا إشكال، وقوله في أول الحديث ‏"‏ لما قضى الله الخلق ‏"‏ أي خلقهم، وكل صنعة محكمة متقنة فهي قضاء، ومنه قوله تعالى ‏(‏إذا قضى أمرا‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا

الشرح‏:‏

حديث ابن مسعود ‏"‏ حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في ‏"‏ كتاب القدر ‏"‏ والمراد منه هنا قوله ‏"‏ فيسبق عليه الكتاب ‏"‏ وفيه من البحث ما تقدم في الذي قبله، ونقل ابن التين عن الداودي أنه قال‏:‏ في هذا الحديث رد على من قال إن الله لم يزل متكلما بجميع كلامه لقوله‏:‏ ‏"‏ فيؤمر بأربع كلمات ‏"‏ لأن الأمر بالكلمات إنما يقع عند التخليق، وكذا قوله ‏"‏ ثم ينفخ فيه الروح ‏"‏ وهو إنما يقع بقوله ‏"‏ كن ‏"‏ وهو من كلامه سبحانه، قال‏:‏ ويرد قول من قال إنه لو شاء لعذب أهل الطاعة، ووجه الرد أنه ليس من صفة الحكيم أن يتبدل علمه، وقد علم في الأزل من يرحم ومن يعذب، وتعقبه ابن التين بأنهما كلام أهل السنة ولم يحتج لهم، ووجه الرد على ما ادعاه الداودي، أما الأول‏:‏ فالآمر إنما هو الملك ويحمل على أنه يتلقاه من اللوح المحفوظ، وأما الثاني‏:‏ فالمراد لو قدر ذلك في الأزل لوقع فلا يلزم ما قال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا جِبْرِيلُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا فَنَزَلَتْ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ كَانَ هَذَا الْجَوَابَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في نزول قوله تعالى ‏(‏وما نتنزل إلا بأمر ربك‏)‏ وقد تقدم شرحه في تفسير سورة مريم، وزاد هنا قال‏:‏ ‏"‏ كان هذا الجواب لمحمد ‏"‏ وللكشميهني هذا ‏"‏ كان الجواب لمحمد ‏"‏ والأمر في قوله هنا ‏(‏بأمر ربك‏)‏ بمعنى الإذن أي ما نتنزل إلى الأرض إلا بإذنه، ويحتمل أن يكون المراد بالوحي والباء للمصاحبة، ويجيء في قول جبريل عليه السلام ‏(‏بأمر ربك‏)‏ البحث الذي تقدم قبله عن الداودي وجوابه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْأَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَسَأَلُوهُ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْعَسِيبِ وَأَنَا خَلْفَهُ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَدْ قُلْنَا لَكُمْ لَا تَسْأَلُوهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن مسعود في نزول قوله تعالى ‏(‏ويسألونك عن الروح‏)‏ و ‏"‏ يحيى ‏"‏ شيخه فيه هو ابن جعفر وقد تقدم شرحه في التفسير ويأتي شيء منه في الباب الذي بعده، وقوله ‏"‏فظننت أنه يوحى إليه ‏"‏ يأتي في الذي بعده بلفظ ‏"‏ فعلمت ‏"‏ فقيل أطلق العلم وأراد الظن وقيل بالعكس وقيل ظن أولا ثم تحقق آخرا فإطلاق الظن باعتبار أول ما رآه وإطلاق العلم باعتبار آخر الحال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ تكفل الله لمن جاهد في سبيله ‏"‏ والمراد منه هنا قوله ‏"‏ وتصديق كلماته ‏"‏ أي الواردة في القرآن بالحث على الجهاد وما وعد فيه من الثواب وشيخه إسماعيل فيه هو ابن أبي أويس وتقدم بهذا السند في فرض الخمس وتقدم في شرحه في ‏"‏ كتاب الجهاد ‏"‏ وستأتي الإشارة إليه أيضا بعد باب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى ‏"‏ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ‏"‏ وقد تقدم شرحه في الجهاد والمراد هنا بقوله ‏"‏ كلمة الله هي العليا ‏"‏ كلمة التوحيد أي كلمة توحيد الله وهي المراد بقوله تعالى ‏(‏قل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم‏)‏ الآية ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة القضية قال الراغب‏:‏ كل قضية تسمى كلمة سواء كانت قولا أو فعلا والمراد هنا حكمه وشرعه‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ إنما أمرنا لشيء إذا أردناه‏)‏ زاد غير أبي ذر ‏"‏ أن نقول له كن فيكون ‏"‏ ونقص ‏"‏ إذا أردناه ‏"‏ من رواية أبي زيد المروزي قال عياض‏:‏ كذا وقع لجميع الرواة عن الفربري من طريق أبي ذر والأصيلي والقابسي وغيرهم، وكذا وقع في رواية النسفي وصواب التلاوة ‏"‏ إنما قولنا ‏"‏ وكأنه أراد أن يترجم بالآية الأخرى ‏(‏وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر‏)‏ وسبق القلم إلى هذه‏.‏

قلت‏:‏ وقع في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر ‏"‏ إنما قولنا ‏"‏ على وفق التلاوة وعليها شرح ابن التين فإن لم يكن من إصلاح من تأخر عنه وإلا فالقول ما قاله القاضي عياض‏:‏ قال ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية حدثنا أبي قال قال أحمد بن حنبل‏:‏ دل على أن القرآن غير مخلوق حديث عبادة ‏"‏ أول ما خلق الله القلم فقال اكتب ‏"‏ الحديث قال‏:‏ وإنما نطق القلم بكلامه لقوله ‏(‏إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون‏)‏ قال فكلام الله سابق على أول خلقه فهو غير مخلوق، وعن الربيع بن سليمان سمعت البويطي يقول خلق الله الخلق كله بقوله ‏(‏كن‏)‏ فلو كان كن مخلوقا لكان قد خلق الخلق بمخلوق ليس كذلك، ثم ذكر فيه خمسة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث المغيرة وقوله فيه عن ‏"‏ إسماعيل ‏"‏ هو ابن أبي خالد ‏"‏ وقيس ‏"‏ هو ابن أبي حازم، والغرض منه ومن الذي بعده قوله ‏"‏ حتى يأتيهم أمر الله ‏"‏ وقد تقدم بيان المراد به عند شرحه في ‏"‏ كتاب الاعتصام ‏"‏ وقال ابن بطال المراد بأمر الله في هذا الحديث الساعة والصواب أمر الله بقيام الساعة فيرجع إلى حكمه وقضائه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث المغيرة وقوله فيه عن ‏"‏ إسماعيل ‏"‏ هو ابن أبي خالد ‏"‏ وقيس ‏"‏ هو ابن أبي حازم، والغرض منه ومن الذي بعده قوله ‏"‏ حتى يأتيهم أمر الله ‏"‏ وقد تقدم بيان المراد به عند شرحه في ‏"‏ كتاب الاعتصام ‏"‏ وقال ابن بطال المراد بأمر الله في هذا الحديث الساعة والصواب أمر الله بقيام الساعة فيرجع إلى حكمه وقضائه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّأْمِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّأْمِ

الشرح‏:‏

حديث معاوية في ذلك وفيه رواية مالك بن يخامر بضم التحتانية وتخفيف الخاء المعجمة وكسر الميم عن معاذ وهم بالشام، وذكر معاوية عنه ذلك وقوله فيه ‏"‏ ولا من خذلهم ‏"‏ وقع في رواية الأصيلي ‏"‏ حذاهم ‏"‏ بكسر المهملة ثم ذال معجمة بعدها ألف لينة، قال‏:‏ ولها وجه، يعني من جاورهم ممن لا يوافقهم، قال‏:‏ ولكن الصواب بفتح الحاء المعجمة وباللام من الخذلان، و ‏"‏ ابن جابر ‏"‏ المذكور فيه هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر نسب لجده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّأْمِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّأْمِ

الشرح‏:‏

حديث معاوية في ذلك وفيه رواية مالك بن يخامر بضم التحتانية وتخفيف الخاء المعجمة وكسر الميم عن معاذ وهم بالشام، وذكر معاوية عنه ذلك وقوله فيه ‏"‏ ولا من خذلهم ‏"‏ وقع في رواية الأصيلي ‏"‏ حذاهم ‏"‏ بكسر المهملة ثم ذال معجمة بعدها ألف لينة، قال‏:‏ ولها وجه، يعني من جاورهم ممن لا يوافقهم، قال‏:‏ ولكن الصواب بفتح الحاء المعجمة وباللام من الخذلان، و ‏"‏ ابن جابر ‏"‏ المذكور فيه هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر نسب لجده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في شأن مسيلمة ذكر منه طرفا، وقد تقدم بتمامه في أواخر المغازي مع شرحه، والغرض منه قوله ولن يعدو أمر الله فيك أي ما قدره عليك من الشقاء أو السعادة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ حَرْثِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْأَلُوهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَنَسْأَلَنَّهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قَالَ الْأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا

الشرح‏:‏

حديث ابن مسعود في سؤال اليهود عن الروح، و قوله ‏(‏قل الروح من أمر ربي‏)‏ تمسك به من زعم أن الروح قديمة زعما أن المراد بالأمر هنا الأمر الذي في قوله تعالى ‏(‏ألا له الخلق والأمر‏)‏ وهو فاسد فإن الأمر ورد في القرآن لمعان يتبين المراد بكل منها من سياق الكلام وسيأتي في باب ‏(‏والله خلقكم وما تعملون‏)‏ ما يتعلق بالأمر الذي في قوله تعالى ‏(‏ألا له الخلق والأمر‏)‏ وأنه بمعنى الطلب الذي هو أحد أنواع الكلام، وأما الأمر ف‏.‏

ي حديث ابن مسعود هذا فإن المراد به المأمور كما يقال الخلق ويراد به المخلوق وقد وقع التصريح في بعض طرق الحديث ففي تفسير السدي عن أبي مالك عن ابن عباس وعن غيره في قوله تعالى ‏(‏قل الروح من أمر ربي‏)‏ يقول هو خلق من خلق الله ليس هو شيء من أمر الله، وقد اختلف في المراد بالروح المسئول عنها هل هي الروح التي تقوم بها الحياة أو الروح المذكور في قوله تعالى ‏(‏يوم يقوم الروح والملائكة صفا‏)‏ وفي قوله تعالى ‏(‏تنزل الملائكة والروح فيها‏)‏ وتمسك من قال بالثاني بأن السؤال إنما يقع في العادة عما لا يعرف إلا بالوحي، والروح التي بها الحياة قد تكلم الناس فيها قديما وحديثا، بخلاف الروح المذكور فإن أكثر الناس لا علم لهم به بل هي من علم الغيب بخلاف الأولى، وقد أطلق الله لفظ الروح على الوحي في قوله تعالى ‏(‏وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا‏)‏ وفي قوله ‏(‏يلقي الروح من أمره على من يشاء‏)‏ وعلى القوة والثبات والنصر في قوله تعالى ‏(‏وأيدهم بروح منه‏)‏ وعلى جبريل في عدة آيات وعلى عيسى بن مريم ولم يقع في القرآن تسمية روح بني آدم روحا بل سماها نفسا في قوله‏:‏ النفس المطمئنة، والنفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، وأخرجوا أنفسكم، ونفس وما سواها، كل نفس ذائقة الموت، وتمسك من زعم بأنها قديمة بإضافتها إلى الله تعالى في قوله تعالى ‏(‏ونفخت فيه من روحي‏)‏ ولا حجة فيه لأن الإضافة تقع على صفة تقوم بالموصوف كالعلم والقدرة، وعلى ما ينفصل عنه كبيت الله وناقة الله فقوله‏:‏ روح الله، من هذا القبيل‏.‏

الثاني‏:‏ وهي إضافة تخصيص وتشريف وهي فوق الإضافة العامة التي بمعنى الإيجاد فالإضافة على ثلاث مراتب‏:‏ إضافة إيجاد وإضافة تشريف وإضافة صفة، والذي يدل على أن الروح مخلوقة عموم قوله تعالى‏:‏ الله خالق كل شيء، وهو رب كل شيء، ربكم ورب آبائكم الأولين، والأرواح مربوبة وكل مربوب مخلوق، رب العالمين، وقوله تعالى لزكريا‏:‏ ‏(‏وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا‏)‏ وهذا الخطاب لجسده وروحه معا، ومنه قوله ‏(‏هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا‏)‏ وقوله تعالى ‏(‏ولقد خلقناكم ثم صورناكم‏)‏ سواء قلنا إن قوله خلقنا يتناول الأرواح والأجساد معا أو الأرواح فقط، ومن الأحاديث الصحيحة حديث عمران بن حصين ‏"‏ كان الله ولم يكن شيء غيره ‏"‏ وقد تقدم التنبيه عليه في ‏"‏ كتاب بدء الخلق ‏"‏ وقد وقع الاتفاق على أن الملائكة مخلوقون وهم أرواح، وحديث ‏"‏ الأرواح جنود مجندة ‏"‏ والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة، وقد تقدم هذا الحديث وشرحه في ‏"‏ كتاب الأدب ‏"‏ وحديث أبي قتادة أن بلالا قال لما ناموا في الوادي‏:‏ يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، والمراد بالنفس الروح قطعا لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ‏"‏ إن الله قبض أرواحكم حين شاء ‏"‏ الحديث، كما في قوله تعالى ‏(‏الله يتوفى الأنفس حين موتها‏)‏ الآية، وقد تقدم الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في سورة سبحان، وقوله في آخره ‏(‏وما أوتوا من العلم إلا قليلا‏)‏ كذا للأكثر، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ وما أوتيتم ‏"‏ على وفق القراءة المشهورة ويؤيد الأول قوله في بقيته‏:‏ قال الأعمش هكذا في قراءتنا، قال ابن بطال غرضه الرد على المعتزلة في زعمهم أن أمر الله مخلوق، فتبين أن الأمر هو قوله تعالى للشيء كن فيكون بأمره له وأن أمره وقوله بمعنى واحد، وأنه يقول كن حقيقة، وأن الأمر غير الخلق لعطفه عليه بالواو انتهى‏.‏

وسيأتي مزيد لهذا في باب‏:‏ ‏(‏والله خلقكم وما تعملون‏)‏ ‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي

وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سَخَّرَ ذَلَّلَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي - إلى قوله - جئنا بمثله مددا‏)‏ في رواية أبي زيد المروزي ‏"‏ إلى آخر الآية ‏"‏ وساق في رواية كريمة الآية كلها‏.‏

قوله ‏(‏وقوله ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله‏)‏ جاء في سبب نزولها ما أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس في قصة سؤال اليهود عن الروح ونزول قوله تعالى ‏(‏قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا‏)‏ قالوا كيف وقد أوتينا التوراة فنزلت ‏(‏قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي‏)‏ الآية فأخرج عبد الرزاق في تفسيره من طريق أبي الجوزاء قال‏:‏ لو كان كل شجرة في الأرض أقلاما والبحر مدادا لنفد الماء وتكسرت الأقلام قبل أن تنفد كلمات الله، وعن معمر عن قتادة أن المشركين قالوا في هذا القرآن يوشك أن ينفد فنزلت‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه وفيه فأنزل الله‏:‏ لو كان شجر الأرض أقلاما ومع البحر سبعة أبحر مدادا لتكسرت الأقلام ونفد ماء البحار قبل أن تنفد، قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي سمعت أهل العلم يقول قول الله عز وجل ‏(‏إنا كل شيء خلقناه بقدر‏)‏ وقوله ‏(‏قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر‏)‏ الآية يدل على أن القرآن غير مخلوق لأنه لو كان مخلوقا لكان له قدر وكانت له عناية ولنفذ كنفاد المخلوقين، وتلا قوله تعالى ‏(‏قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي‏)‏ إلى آخر الآية‏.‏

قوله ‏(‏إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار سخر ذلل‏)‏ كذا لأبي ذر عن المستملي وحده‏.‏

وفي رواية أبي زيد المروزي وقوله ‏(‏إن ربكم الله‏)‏ وساق إلى أن قال، بعد قوله ‏(‏على العرش‏)‏ إلى قوله ‏(‏تبارك الله رب العالمين‏)‏ وساق في رواية كريمة الآية كلها، وذكر فيه

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة المشار إليه قريبا ‏"‏ تكفل الله لمن جاهد في سبيله ‏"‏ والمراد منه قوله ‏"‏ وتصديق كلمته ‏"‏ ووقع في نسخة من طريق أبي ذر ‏"‏ وكلمات ‏"‏ بصيغة الجمع قال ابن التين‏.‏

يحتمل أن يكون المراد بكلماته الأوامر الواردة بالجهاد وما وعد عليه من الثواب، ويحتمل أن يراد بها ألفاظ الشهادتين وأن تصديقه بها يثبت في نفسه عداوة من كذبهما والحرص على قتله وقوله ‏(‏خلق السموات والأرض في ستة أيام‏)‏ تقدم بيان الستة في الكلام على حديث ابن عباس في تفسير حم فصلت، وقوله ‏(‏يغشى الليل النهار‏)‏ أي ويغشى النهار الليل فحذف لدلالة السياق عليه وهو قوله ‏(‏يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل‏)‏ والغرض من الآية قوله ‏(‏ألا له الخلق والأمر‏)‏ وسيأتي بسط القول فيه في أواخر هذا الكتاب في باب والله خلقكم وما تعملون إن شاء الله تعالى‏.‏

وحذف ابن بطال هذا الباب وما فيه‏.‏

*3*باب فِي الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب في المشيئة والإرادة‏)‏ قال الراغب‏:‏ المشيئة عند الأكثر سواء وعند بعضهم أن المشيئة في الأصل إيجاد الشيء وإصابته فمن الله الإيجاد ومن الناس الإصابة، وفي العرف تستعمل موضع الإرادة‏.‏

قوله ‏(‏وقول الله تعالى‏:‏ تؤتي الملك من تشاء، وقوله‏:‏ وما تشاءون إلا أن يشاء الله، وقوله‏:‏ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله، وقوله‏:‏ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء‏)‏ قال البيهقي بعد أن ساق بسنده إلى الربيع بن سليمان قال الشافعي ‏"‏ المشيئة ‏"‏ إرادة الله وقد أعلم الله خلقه أن المشيئة له دونهم فقال ‏(‏وما تشاءون إلا أن يشاء الله‏)‏ فليست للخلق مشيئة إلا أن يشاء الله، وبه إلى الربيع قال سئل الشافعي عن القدر فقال‏:‏ ما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن الأبيات، ثم ساق مما تكرر من ذكر المشيئة في الكتاب العزيز أكثر من أربعين موضعا منها غير ما ذكر في الترجمة قوله تعالى في البقرة ‏(‏ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم‏)‏ وقوله ‏(‏يختص برحمته من يشاء‏)‏ وقوله ‏(‏ولو شاء الله لأعنتكم‏)‏ وقوله ‏(‏وعلمه مما يشاء‏)‏ وقوله في آل عمران ‏(‏قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء‏)‏ وقوله ‏(‏ويجتبى من رسله من يشاء‏)‏ وقوله في النساء ‏(‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏)‏ وأما قوله في الأنعام ‏(‏سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا‏)‏ الآية فقد تمسك بها المعتزلة‏.‏

وقالوا إن فيها ردا على أهل السنة، والجواب أن أهل السنة تمسكوا بأصل قامت عليه البراهين وهو أن الله خالق كل مخلوق ويستحيل أن يخلق المخلوق شيئا، والإرادة شرط في الخلق ويستحيل ثبوت المشروط بدون شرطه، فلما عاند المشركون المعقول وكذبوا المنقول الذي جاءتهم به الرسل وألزموا الحجة بذلك تمسكوا بالمشيئة والقدر السابق، وهي حجة مردودة لأن القدر لا تبطل به الشريعة وجريان الأحكام على العباد بأكسابهم فمن قدر عليه بالمعصية كان ذلك علامة على أنه قدر عليه العقاب إلا أن يشاء أن يغفر له من غير المشركين، ومن قدر عليه بالطاعة كان ذلك علامة على أنه قدر عليه بالثواب، وحرف المسألة أن المعتزلة قاسوا الخالق على المخلوق وهو باطل لأن المخلوق لو عاقب من يطيعه من أتباعه عد ظالما لكونه ليس مالكا له بالحقيقة، والخالق لو عذب من يطيعه لم يعد ظالما لأن الجميع ملكه فله الأمر كله يفعل ما يشاء ولا يسئل عما يفعل‏.‏

وقال الراغب يدل على أن الأمور كلها موقوفة على مشيئة الله، وأن أفعال العباد متعلقة بها وموقوفة عليها ما اجتمع الناس على تعليق الاستثناء به في جميع الأفعال‏.‏

وأخرج أبو نعيم في الحلية في ترجمة الزهري من طريق ابن أخي الزهري عن عمه قال‏:‏ كان عمر ابن الخطاب يأمر برواية قصيدة لبيد التي يقول فيها‏:‏ إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي وعجل أحمد الله فلا ند له بيديه الخير ما شاء فعل من هداه سبل الخير اهتدى ناعم البال ومن شاء أضل وحرف النزاع بين المعتزلة وأهل السنة أن الإرادة عند أهل السنة تابعة للعلم وعندهم تابعة للأمر، ويدل لأهل السنة قوله تعالى ‏(‏يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة‏)‏ وقال ابن بطال غرض البخاري إثبات المشيئة والإرادة وهما بمعنى واحد، وإرادته صفة من صفات ذاته، وزعم المعتزلة أنها صفة من صفات فعله وهو فاسد، لأن إرادته لو كانت محدثة لم يخل أن يحدثها في نفسه أو في غيره أو في كل منهما أو لا في شيء منهما‏.‏

والثاني والثالث محال لأنه ليس محلا للحوادث، والثاني فاسد أيضا لأنه يلزم أن يكون الغير مريدا لها، وبطل أن يكون الباري مريدا إذ المريد من صدرت منه الإرادة وهو الغير كما بطل أن يكون عالما إذا أحدث العلم في غيره، وحقيقة المريد أن يكون الإرادة منه دون غيره‏.‏

والرابع باطل لأنه يستلزم قيامها بنفسها، وإذا فسدت هذه الأقسام صح أنه مريد بإرادة قديمة هي صفة قائمة بذاته، ويكون تعلقها بما يصح كونه مرادا، فما وقع بإرادته قال‏:‏ وهذه المسألة مبنية على القول بأنه سبحانه خالق أفعال العباد وأنهم لا يفعلون إلا ما يشاء، وقد دل على ذلك قوله ‏(‏وما تشاءون إلا أن يشاء الله‏)‏ وغيرها من الآيات‏.‏

وقال ‏(‏ولو شاء الله ما اقتتلوا‏)‏ ثم أكد ذلك بقوله تعالى ‏(‏ولكن الله يفعل ما يريد‏)‏ فدل على أنه فعل اقتتالهم الواقع منهم لكونه مريدا له، وإذا كان هو الفاعل لاقتتالهم فهو المريد لمشيئتهم والفاعل، فثبت بهذه الآية أن كسب العباد إنما هو بمشيئة الله وإرادته، ولو لم يرد وقوعه ما وقع‏.‏

وقال بعضهم الإرادة على قسمين‏:‏ إرادة أمر وتشريع، وإرادة قضاء وتقدير، فالأولى تتعلق بالطاعة والمعصية سواء وقعت أم لا، والثانية شاملة لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات طاعة ومعصية، وإلى الأول الإشارة بقوله تعالى ‏(‏يريد الله بكم اليسر ولا يرد بكم العسر‏)‏ وإلى الثاني الإشارة بقوله تعالى ‏(‏فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا‏)‏ وفرق بعضهم بين الإرادة والرضا فقالوا‏:‏ يريد وقوع المعصية ولا يرضاها، لقوله تعالى ‏(‏ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها‏)‏ الآية، وقوله ‏(‏ولا يرضي لعباده الكفر‏)‏ وتمسكوا أيضا بقوله ‏(‏ولا يرضى لعباده الكفر‏)‏ وأجاب أهل السنة بما أخرجه الطبري وغيره بسند رجاله ثقات عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر‏)‏ يعني بعباده الكفار الذين أراد الله أن يطهر قلوبهم بقولهم لا إله إلا الله، فأراد عباده المخلصين الذين قال فيهم ‏(‏إن عبادي ليس لك عليهم سلطان‏)‏ فحبب إليهم الإيمان وألزمهم كلمة التقوى شهادة أن لا إله إلا الله‏.‏

وقالت المعتزلة في قوله تعالى ‏(‏وما تشاءون إلا أن يشاء الله‏)‏ معناه وما تشاءون الطاعة إلا أن يشاء الله قسركم عليها، وتعقب بأنه لو كان كذلك لما قال إلا أن يشاء في موضع ما شاء لأن حرف الشرط للاستقبال وصرف المشيئة إلى القسر تحريف لا إشعار للآية بشيء منه، وإنما المذكور في الآية مشيئة الاستقامة كسبا وهو المطلوب من العباد‏.‏

وقالوا في قوله تعالى ‏(‏تؤتي الملك من تشاء‏)‏ أي يعطى من اقتضته الحكمة الملك، يريدون أن الحكمة تقتضي رعاية المصلحة ويدعون وجوب ذلك على الله، تعالى الله عن قولهم، وظاهر الآية أن يعطى الملك من يشاء سواء كان متصفا بصفات من يصلح للملك أم لا من غير رعاية استحقاق ولا وجوب ولا أصلح بل يؤتي الملك من يكفر به ويكفر نعمته حتى يهلكه ككثير من الكفار مثل‏:‏ نمرود والفراعنة، ويؤتيه إذا شاء من يؤمن به ويدعو إلى دينه ويرحم به الخلق مثل يوسف وداود وسليمان، وحكمته في كلا الأمرين علمه وأحكامه بإرادته تخصيص مقدوراته‏.‏

قوله ‏(‏إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، قال سعيد بن المسيب عن أبيه نزلت في أبي طالب‏)‏ تقدم موصولا بتمامه في تفسير سورة القصص وتقدم هناك شرحه مستوفى وبعضه في الجنائز‏.‏

وقالت المعتزلة في هذه الآية معنى ‏(‏لا تهدي من أحببت‏)‏ لأنك لا تعلم المطبوع على قلبه فيقرن به اللطف حتى يدعوه إلى القبول، والله أعلم بالمهتدين القابلين لذلك، وتعقب بأن اللطف الذي يستندون إليه لا دليل عليه ومرادهم بمن يقبل ممن لا يقبل من يقع ذلك منه لذاته لا بحكم الله، وإنما المراد بقوله تعالى ‏(‏وهو أعلم بالمهتدين‏)‏ أي الذين خصصهم بذلك في الأزل‏.‏

قوله ‏(‏يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر‏)‏ هذه الآية مما تمسك بها المعتزلة لقولهم فقالوا هذا يدل على أنه لا يريد المعصية، وتعقب بأن معنى إرادة اليسر التخيير بين الصوم في السفر ومع المرض والإفطار بشرطه وإرادة العسر المنفية الإلزام بالصوم في السفر في جميع الحالات، فالإلزام هو الذي لا يقع لأنه لا يريده وبهذا تظهر الحكمة في تأخيرها عن الحديث المذكور والفصل بين آيات المشيئة وآيات الإرادة، وقد تكرر ذكر الإرادة في القرآن في مواضع كثيرة أيضا، وقد اتفق أهل السنة على أنه لا يقع إلا ما يريده الله تعالى، وأنه مريد لجميع الكائنات وإن لم يكن آمرا بها‏.‏

وقالت المعتزلة لا يريد الشر لأنه لو أراده لطلبه، وزعموا أن الأمر نفس الإرادة وشنعوا على أهل السنة أنه يلزمهم أن يقولوا إن الفحشاء مرادة لله وينبغي أن ينزه عنها، وانفصل أهل السنة عن ذلك بأن الله تعالى قد يريد الشيء ليعاقب عليه، ولثبوت أنه خلق النار وخلق لها أهلا وخلق الجنة وخلق لها أهلا وألزموا المعتزلة بأنهم جعلوا أنه يقع في ملكه ما لا يريد، ويقال إن بعض أئمة السنة أحضر للمناظرة مع بعض أئمة المعتزلة فلما جلس المعتزلي قال‏:‏ سبحان من تنزه عن الفحشاء، فقال السني‏:‏ سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، فقال المعتزلي‏:‏ أيشاء ربنا أن يعصى‏؟‏ فقال السني‏:‏ أفيعصى ربنا قهرا‏؟‏ فقال المعتزلي‏:‏ أرأيت إن منعني الهدى وقضي علي بالردي أحسن إلي أو أساء‏؟‏ فقال السني‏:‏ إن كان منعك ما هو لك فقد أساء وإن كان منعك ما هو له فإنه يختص برحمته من يشاء فانقطع‏.‏

ثم ذكر البخاري بعد الحديث المعلق فيه سبعة عشر حديثا فيها كلها ذكر المشيئة، وتقدمت كلها في أبواب متفرقة كما سأبينه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَوْتُمْ اللَّهَ فَاعْزِمُوا فِي الدُّعَاءِ وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ

الشرح‏:‏

حديث أنس‏:‏ إذا دعوتم الله فأعزموا في الدعاء أي اجزموا ولا ترددوا، من عزمت على الشيء إذا صممت على فعله، وقيل عزم المسألة الجزم بها من غير ضعف في الطلب، وقيل هو حسن الظن بالله في الإجابة والحكمة فيه أن في التعليق صورة الاستغناء عن المطلوب منه وعن المطلوب، وقوله ‏"‏لا مستكره له ‏"‏ أي لأن التعليق يوهم إمكان إعطائه على غير المشيئة وليس بعد المشيئة إلا الإكراه والله لا مكره له، وقد تقدم شرحه في ‏"‏ كتاب الدعوات‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح و حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَام أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَالَ لَهُمْ أَلَا تُصَلُّونَ قَالَ عَلِيٌّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا

الشرح‏:‏

حديث علي وقد تقدم شرحه في ‏"‏ كتاب التهجد ‏"‏ وموضع الدلالة منه قول علي‏:‏ إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقوله ‏"‏فقال لهم ‏"‏ وكذا قول على ‏"‏ يبعثنا ‏"‏ إشارة إلى نفسه وإلى من عنده، وقوله فيه‏.‏

‏"‏ حدثنا إسماعيل ‏"‏ هو ابن أبي أويس وأخوه ‏"‏ عبد الحميد ‏"‏ هو أبو بكر مشهور بكنيته أكثر من اسمه، و ‏"‏ سليمان ‏"‏ هو ابن بلال وقد سمع إسماعيل بن سليمان بلا واسطة كما تقدم في عدة مواضع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ خَامَةِ الزَّرْعِ يَفِيءُ وَرَقُهُ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ تُكَفِّئُهَا فَإِذَا سَكَنَتْ اعْتَدَلَتْ وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يُكَفَّأُ بِالْبَلَاءِ وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ مثل المؤمن كمثل خامة الزرع ‏"‏ وقد تقدم شرحه في الرقاق، والمراد منه قوله في آخره ‏"‏ يقصمها الله إذا شاء ‏"‏ أي في الوقت الذي سبقت إرادته أن يقصمه فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولَ إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أُعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُعْطِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُعْطِيتُمْ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ قَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَقَلُّ عَمَلًا وَأَكْثَرُ أَجْرًا قَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَا فَقَالَ فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر ‏"‏ إنما بقاؤكم فيما سلف من قبلكم من الأمم ‏"‏ بطوله وقد تقدم شرحه في الصلاة وذكر لقوله في آخره ‏"‏ ذلك فضلي أوتيه من أشاء ‏"‏ وللإشارة بقوله ذلك إلى جميع الثواب لا إلى القدر الذي يقابل العمل كما يزعم أهل الاعتزال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْمُسْنَدِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ فَقَالَ أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ وَطَهُورٌ وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ

الشرح‏:‏

حديث عبادة بن الصامت في المبايعة، وقد تقدم شرحه في ‏"‏ كتاب الإيمان ‏"‏ أوائل الكتاب والمراد منه هنا قوله ‏"‏ ومن ستره الله فذلك إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً فَقَالَ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِي فَلْتَحْمِلْنَ كُلُّ امْرَأَةٍ وَلْتَلِدْنَ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ فَمَا وَلَدَتْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَلَدَتْ شِقَّ غُلَامٍ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ سُلَيْمَانُ اسْتَثْنَى لَحَمَلَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ فَوَلَدَتْ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة‏:‏ في قول سليمان عليه السلام ‏"‏ لأطوفن الليلة على نسائي ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء وبيان الاختلاف في عدد نسائه، وذكره هنا بلفظ ‏"‏ لو كان سليمان استثنى لحملت كل امرأة منهن‏"‏، أي لو قال إن شاء الله، كما في الرواية الأخرى، وإطلاق الاستثناء على قول إن شاء الله بحسب اللغة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ فَقَالَ لَا بَأْسَ عَلَيْكَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ طَهُورٌ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَعَمْ إِذًا

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في الأعرابي الذي قال ‏"‏ بل هي حمى تفور ‏"‏ وقد تقدم شرحه في الطب وذكره لقوله ‏"‏ طهور إن شاء الله‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ حِينَ نَامُوا عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ فَقَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَتَوَضَّئُوا إِلَى أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَابْيَضَّتْ فَقَامَ فَصَلَّى

الشرح‏:‏

حديث أبي قتادة‏:‏ حين ناموا عن الصلاة إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها حين شاء، ذكره هنا مختصرا وتقدم بأتم منه في باب الأذان بعد ذهاب الوقت من ‏"‏ كتاب الصلاة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالْأَعْرَجِ ح و حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ الْمُسْلِمُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ فِي قَسَمٍ يُقْسِمُ بِهِ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ الْيَهُودِيَّ فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة‏:‏ في قصة المسلم الذي لطم اليهودي أورده من وجهين، وذكره لقوله فيه ‏"‏ أو كان ممن استثنى الله ‏"‏ وأشار بذلك إلى قوله تعالى ‏(‏فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله‏)‏ وقد تقدم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي عِيسَى أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا فَلَا يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

الشرح‏:‏

حديث أنس في المدينة وفيه‏:‏ ولا الطاعون إن شاء الله، وقد تقدم شرحه في ‏"‏ كتاب الفتن ‏"‏ وشيخه إسحاق بن أبي عيسى ليس له إلا هذه الرواية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِيَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة لكل نبي دعوة، وقد تقدم شرحه في أوائل ‏"‏ كتاب الدعوات‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ فَنَزَعْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَنْزِعَ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ حَوْلَهُ بِعَطَنٍ

الشرح‏:‏

حديثه بينا أنا نائم رأيتني على قليب فنزعت ما شاء الله، الحديث‏.‏

وقد تقدم شرحه في مناقب عمر، وفي الفتن ويسره شيخه بفتح التحتانية والمهملة بوزن بشرة بموحدة ومعجمة وقوله في السند حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري وخالفه يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه فقال ‏"‏ عن صالح بن كيسان عن الزهري ‏"‏ زاد ‏"‏ بين إبراهيم والزهري صالحا ‏"‏ أخرجه مسلم نبه على ذلك أبو مسعود وقد تعقبه قبله الإسماعيلي فقال إنما يعرف عن إبراهيم عن صالح عن الزهري ثم ساقه من رواية جماعة عن إبراهيم بن سعد كذلك‏.‏

وقال يبعد تواطؤهم على الغلط‏.‏

وقال البرقاني في كل من رواه عن إبراهيم أدخل بينه وبين الزهري صالحا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ وَرُبَّمَا قَالَ جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى‏:‏ اشفعوا فلتؤجروا، وقد تقدم بهذا السند والمتن في ‏"‏ كتاب الأدب ‏"‏ وشرح هناك، والغرض منه قوله ‏"‏ ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء أي يظهر الله على لسان رسوله بالوحي أو الإلهام ما قدره في علمه بأنه سيقع‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا مُكْرِهُ لَهُ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة‏:‏ لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، وقد تقدم شرحه في ‏"‏ كتاب الدعوات ‏"‏ مع حديث أنس المبدأ بذكره في هذا الباب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرٌو حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى أَهُوَ خَضِرٌ فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيُّ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ شَأْنَهُ قَالَ نَعَمْ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ فَقَالَ مُوسَى لَا فَأُوحِيَ إِلَى مُوسَى بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ فَكَانَ مُوسَى يَتْبَعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ قَالَ مُوسَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا خَضِرًا وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس عن أبي بن كعب في صاحب موسى والخضر، وقد تقدم شرحه مستوفى في التفسير، وتقدم شيء منه في ‏"‏ كتاب العلم ‏"‏ وشيخه عبد الله بن محمد هو المسندي، وشيخ المسندي أبو حفص عمرو بفتح العين هو ابن أبي سلمة التنيسي بمثناة ونون ثقيلة مكسورة، وأبو سلمة أبوه لم أقف على اسمه، والمراد منه قوله فيه حكاية عن موسى ستجدني إن شاء الله صابرا، وفيه إشارة إلى أن قول ذلك يرجى فيه النجح ووقوع المطلوب غالبا وقد يتخلف ذلك إذا لم يقدر الله وقوعه كما سيأتي مثاله في الحديث الآخر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَنْزِلُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ يُرِيدُ الْمُحَصَّبَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة‏:‏ ننزل غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة، وقد تقدم بأتم من هذا في ‏"‏ كتاب الحج ‏"‏ وتقدم شرحه أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَاصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَمْ يَفْتَحْهَا فَقَالَ إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ نَقْفُلُ وَلَمْ نَفْتَحْ قَالَ فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ فَغَدَوْا فَأَصَابَتْهُمْ جِرَاحَاتٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَكَأَنَّ ذَلِكَ أَعْجَبَهُمْ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله بن عمر‏:‏ حاصر النبي صلى الله عليه وسلم الطائف، الحديث، وقد تقدم شرحه في الغزوات وبيان الاختلاف على أبي العباس تابعيه هل هو عن عبد الله بن عمر بضم العين أو بفتحها وبيان الصواب من ذلك، وذكر هنا لقوله إنا قافلون غدا إن شاء الله مرتين فما قفلوا في الأولى وقفلوا في الثانية‏.‏