فصل: باب اسْتِئْجَارُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كِتَاب الْإِجَارَةِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الشرح‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم قوله‏:‏ ‏(‏كتاب الإجارة‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

في الإجارات‏)‏ كذا في رواية المستملي، وسقط للنسفي قوله ‏"‏ في الإجارات ‏"‏ وسقط للباقين ‏"‏ كتاب الإجارة ‏"‏ والإجارة بكسر أوله على المشهور وحكي ضمها، وهي لغة الإثابة يقال آجرته بالمد وغير المد إذا أثبته، واصطلاحا تمليك منفعة رقبة بعوض‏.‏

*3*باب اسْتِئْجَارُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ

وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ وَالْخَازِنُ الْأَمِينُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ مَنْ أَرَادَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب استئجار الرجل الصالح، وقول الله تعالى ‏(‏إن خير من استأجرت القوي الأمين‏)‏‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ وقال الله ‏"‏ وأشار بذلك إلى قصة موسى عليه السلام مع ابنة شعيب، وقد روى ابن جرير من طريق شعيب الجبئي بفتح الجيم والموحدة بعدها همزة مقصورا أنه قال‏:‏ اسم المرأة التي تزوجها موسى صفورة واسم أختها ليا، وكذا روي من طريق ابن إسحاق إلا أنه قال‏:‏ اسم أختها شرقا وقيل ليا‏.‏

وقال غيره إن اسمهما، صفورا وعبرا، وأنهما كانتا توأما، وذكر ابن جرير اختلافا في أن أباهما هل هو شعيب النبي أو ابن أخيه أو آخر اسمه يثرون أو يثرى أقوال لم يرجح منها شيئا‏.‏

وروي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏إن خير من استأجرت القوي الأمين‏)‏ قال‏:‏ قوي فيما ولي أمين فيما استودع‏.‏

وروي من طريق ابن عباس ومجاهد في آخرين أن أباها سألها عما رأت من قوته وأمانته فذكرت قوته في حال السقي وأمانته في غض طرفه عنها وقوله لها امشي خلفي ودليني على الطريق، وهذا أخرجه البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب وزاد فيه ‏"‏ فزوجه وأقام موسى معه يكفيه ويعمل له في رعاية غنمه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والخازن الأمين ومن لم يستعمل من أراده‏)‏ ثم أورد في الباب من طريق أبي موسى الأشعري حديث الخازن الأمين أحد المتصدقين، وحديثه الآخر في قصة الرجلين اللذين جاءا يطلبان من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملهما، والأول قد مضى الكلام عليه في الزكاة، والثاني سيأتي شرحه مستوفى في كتاب الأحكام‏.‏

قال الإسماعيلي‏:‏ ليس في الحديثين جميعا معنى الإجارة‏.‏

وقال الداودي‏:‏ ليس حديث الخازن الأمين من هذا الباب لأنه لا ذكر للإجارة فيه‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ وإنما أراد البخاري أن الخازن لا شيء له في المال وإنما هو أجير‏.‏

وقال ابن بطال إنما أدخله في هذا الباب لأن من استؤجر على شيء فهو أمين فيه، وليس عليه في شيء منه ضمان إن فسد أو تلف إلا إن كان ذلك بتضييعه ا هـ‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ دخول هذا الحديث في باب الإجارة للإشارة إلى أن خازن مال الغير كالأجير لصاحب المال، وأما دخول الحديث الثاني في الإجارة فظاهر من جهة أن الذي يطلب العمل إنما يطلبه غالبا لتحصيل الأجرة التي شرعت للعامل، والعمل المطلوب يشمل العمل على الصدقة في جمعها وتفرقتها في وجهها وله سهم منها كما قال الله تعالى ‏(‏والعاملين عليها‏)‏ فدخوله في الترجمة من جهة طلب الرجلين أن يستعملهما النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة أو غيرها ويكون لهما على ذلك أجرة معلومة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي رَجُلَانِ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ فَقُلْتُ مَا عَمِلْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ فَقَالَ لَنْ أَوْ لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏ومعي رجلان من الأشعريين، قال فقلت ما علمت أنهما يطلبان العمل‏)‏ كذا وقع مختصرا، وسيأتي في استتابة المرتدين بهذا الإسناد بعينه تاما وفيه ‏"‏ ومعي رجلان من الأشعريين وكلاهما سأل أي للعمل، فقلت‏:‏ والذي بعثك ما اطلعت على ما في أنفسهما ولا علمت أنهما يطلبان العمل ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لن - أو لا - نستعمل على عملنا من أراده‏)‏ هكذا ثبت في جميع الروايات التي وقفت عليها، وهو شك من الراوي هل قال لن أو قال لا، وحكى ابن التين أنه ضبط في بعض النسخ ‏"‏ أولى ‏"‏ بضم الهمزة وفتح الواو وتشديد اللام مع كسرها فعل مستقبل من الولاية، قال القطب الحلبي‏:‏ فعلى هذه الرواية يكون لفظ ‏"‏ نستعمل ‏"‏ زائدا ويكون تقدير الكلام لن أولى على عملنا‏.‏

وقد وقع هذا الحديث في الأحكام من طريق بريد بن عبد الله عن أبي بردة بلفظ ‏"‏ إنا لا نولي على عملنا ‏"‏ وهو يعضد هذا التقرير والله أعلم‏.‏

قال المهلب‏:‏ لما كان طلب العمالة دليلا على الحرص ابتغى أن يحترس من الحريص فلذلك قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا نستعمل على عملنا من أراده ‏"‏ وظاهر الحديث منع تولية من يحرص على الولاية إما على سبيل التحريم أو الكراهة، وإلى التحريم جنح القرطبي، ولكن يستثنى من ذلك من تعين عليه‏.‏

*3*باب رَعْيِ الْغَنَمِ عَلَى قَرَارِيطَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب رعي الغنم على قراريط‏)‏ على بمعنى الباء وهي للسببية أو المعارضة، وقيل إنها هنا للظرفية كما سنبين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ فَقَالَ نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عمرو بن يحيى عن جده‏)‏ وهو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا رعى الغنم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إلا راعى الغنم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على قراريط لأهل مكة‏)‏ في رواية ابن ماجة عن سويد بن سعيد عن عمرو بن يحيى ‏"‏ كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط ‏"‏ وكذا رواه الإسماعيلي عن المنيعي عن محمد بن حسان عن عمرو بن يحيى، قال سويد أحد رواته‏:‏ يعني كل شاة بقيراط، يعني القيراط الذي هو جزء من الدينار أو الدرهم، قال إبراهيم الحربي ‏"‏ قراريط ‏"‏ اسم موضع بمكة ولم يرد القراريط من الفضة، وصوبه ابن الجوزي تبعا لابن ناصر وخطأ سويدا في تفسيره، لكن رجح الأول لأن أهل مكة لا يعرفون بها مكانا يقال له قراريط‏.‏

وأما ما رواه النسائي من حديث نصر بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون قال ‏"‏ افتخر أهل الإبل وأهل الغنم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ بعث موسى وهو راعي غنم، وبعث داود وهو راعي غنم، وبعثت وأنا أرعى غنم أهلي بجياد ‏"‏ فزعم بعضهم أن فيه ردا لتأويل سويد بن سعيد لأنه ما كان يرعى بالأجرة لأهله فيتعين أنه أراد المكان فعبر تارة بجياد وتارة بقراريط‏.‏

وليس الرد يجيد إذ لا مانع من الجمع بين أن يرعى لأهله بغير أجرة ولغيرهم بأجرة، أو المراد بقوله ‏"‏ أهلي ‏"‏ أهل مكة فيتحد الخبران ويكون في أحد الحديثين بين الأجرة وفي الآخر بين المكان فلا ينافي ذلك والله أعلم‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ لم تكن العرب تعرف القيراط الذي هو من النقد، ولذلك جاء في الصحيح ‏"‏ يستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط ‏"‏ وليس الاستدلال لما ذكر من نفي المعرفة بواضح، قال العلماء‏:‏ الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقيادا من غيرها‏.‏

وفي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن علم كونه أكرم الخلق على الله ما كان عليه من عظيم التواضع لربه والتصريح بمنته عليه وعلى إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء‏.‏

*3*باب اسْتِئْجَارِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ

أَوْ إِذَا لَمْ يُوجَدْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَعَامَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ خَيْبَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام‏.‏

وعامل النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر‏)‏ هذه الترجمة مشعرة بأن المصنف يرى بامتناع استئجار المشرك حربيا كان أو ذميا إلا عند الاحتياج إلى ذلك كتعذر وجود مسلم يكفي في ذلك‏.‏

وقد روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب قال ‏"‏ لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم عمال يعملون بها نخل خيبر وزرعها، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر فدفعها إليهم ‏"‏ الحديث‏.‏

وفي استشهاده بقصة معاملة النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على أن يزرعوها وباستئجاره الدليل المشرك لما هاجر على ذلك نظر، لأنه ليس فيهما تصريح بالمقصود من منع استئجارهم وكأنه أخذ ذلك من هذين الحديثين مضموما إلى قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنا لا نستعين بمشرك ‏"‏ أخرجه مسلم وأصحاب السنن، فأراد الجمع بين الأخبار بما ترجم به‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ عامة الفقهاء يجيزون استئجارهم عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من المذلة لهم، وإنما الممتنع أن يؤاجر المسلم نفسه من المشرك لما فيه من إذلال المسلم ا هـ‏.‏

وحديث معاملة أهل خيبر يأتي في أواخر كتاب الإجارة موصولا، وأشار في الترجمة بقوله ‏"‏ إذا لم يوجد أهل الإسلام ‏"‏ إلى ما أخرجه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله ابن عمر - أحسبه عن نافع - عن ابن عمر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر ‏"‏ فذكر الحديث وقال فيه ‏"‏ وأراد أن يجليهم فقالوا‏:‏ يا محمد دعنا نعمل في هذه الأرض ولنا الشطر ولكم الشطر ‏"‏ الحديث، وإنما أجابهم إلى ذلك لمعرفتهم بما يصلح أرضهم دون غيرهم، فنزل المصنف من لا يعرف منزلة من لم يوجد، وحديث الدليل يأتي الكلام عليه مستوفى في أول الهجرة إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله في أول الحديث ‏"‏ استأجر ‏"‏ وقع في رواية الأصيلي وأبي الوقت ‏"‏ واستأجر ‏"‏ بزيادة واو وهي ثابتة في الأصل في نفس الحديث الطويل، لأن القصة معطوفة على قصة قبلها، وقد ساقه المصنف في الترجمة بعدها بسنده الآتي مطولا، ووقع هنا ‏"‏ فاستأجر ‏"‏ بالفاء، ووهم من زعم أن المصنف زاد الواو للتنبيه على أنه اقتطع هذا القدر من الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَاسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا الْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلَاثٍ فَارْتَحَلَا وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ فَأَخَذَ بِهِمْ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَهُوَ طَرِيقُ السَّاحِلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هاديا‏)‏ زاد الكشميهني في روايته ‏"‏ خريتا ‏"‏ وهو بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة، وقوله ‏"‏الماهر بالهداية ‏"‏ كذا وقع في نفس الحديث، وهو مدرج من قول الزهري كما سنبينه هناك، ونحكي الخلاف في تسمية الهادي المذكور‏.‏

وفي الحديث استئجار المسلم الكافر على هداية الطريق إذا أمن إليه، واستئجار الاثنين واحدا على عمل واحد‏.‏

*3*باب إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ لَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ

جَازَ وَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا الَّذِي اشْتَرَطَاهُ إِذَا جَاءَ الْأَجَلُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر أو بعد سنة جاز، وهما على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل‏)‏ أورد فيه طرفا من حديث عائشة المذكور، وفيه أنهما واعدا الدليل براحلتيهما بعد ثلاث، وتعقبه الإسماعيلي بأنه ليس في الخبر على أنهما استأجراه على أن لا يعمل إلا بعد ثلاث بل الذي في الخبر أنهما استأجراه وابتدأ في العمل من وقته بتسليمه راحلتيهما منهما يرعاهما ويحفظهما إلى أن يتهيأ لهما الخروج‏.‏

قلت ليس في ترجمة البخاري ما ألزمه به، والذي ترجم به هو ظاهر القصة، ومن قال ببطلان الإجارة إذا لم يشرع في العمل من حين الإجارة هو المحتاج إلى دليل والله أعلم‏.‏

وقد قال ابن المنير متعقبا على من اعترض على البخاري بذلك‏:‏ إن الخدمة المقصودة بالإجارة المذكورة كانت على الدلالة على الطريق من غير زيادة على ذلك، ولا شك أنها تأخرت، قلت‏:‏ ويؤيده أن الذي كان يرعى رواحلهما عامر بن فهيرة لا الدليل‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ ليس في هذا الحديث تصريح بهذا الحكم لا إثباتا ولا نفيا، وقد يحتمل في المدة القصيرة لندور الغرر فيها ما لا يحتمل في المدة الطويلة، وهذا مذهب مالك حيث حد الجواز في البيع بما لا تتغير السلعة في مثله‏.‏

واستنبط من هذه القصة جواز إجارة الدار مدة معلومة قبل مجيء أول المدة، وهو مبني على صحة الأصل فيلحق به الفرع‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب الْأَجِيرِ فِي الْغَزْوِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الأجير في الغزو‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ استئجار الأجير للخدمة وكفاية مؤنة العمل في الغزو وغيره سواء ا هـ، ويحتمل أن يكون أشار إلى أن الجهاد وإن كان القصد به تحصيل الأجر فلا ينافي ذلك الاستعانة بمن يخدم المجاهد، ويكفيه كثيرا من الأمور التي لا يتعاطاها بنفسه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَكَانَ مِنْ أَوْثَقِ أَعْمَالِي فِي نَفْسِي فَكَانَ لِي أَجِيرٌ فَقَاتَلَ إِنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا إِصْبَعَ صَاحِبِهِ فَانْتَزَعَ إِصْبَعَهُ فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ فَسَقَطَتْ فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ وَقَالَ أَفَيَدَعُ إِصْبَعَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ جَدِّهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ فَأَهْدَرَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن صفوان بن يعلى‏)‏ في رواية همام الماضية في الحج ‏"‏ حدثني صفوان بن يعلى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العسرة‏)‏ بضم العين وسكون السين المهملتين هي غزوة تبوك، وسيأتي الكلام على الحديث في الديات، ورواية همام المذكورة مختصرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنذر‏)‏ أي أسقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأهدر‏)‏ أي لم يجعل له دية ولا قصاصا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تقضمها‏)‏ بفتح الضاد المعجمة وماضية بكسرها والاسم القضم بفتح القاف وسكون الضاد المعجمة وهو الأكل بأطراف الأسنان، والفحل الذكر من الإبل ونحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن جريج الخ‏)‏ هو بالإسناد المذكور إليه، وهذه الزيادة التي عن أبي بكر الصديق وقعت هنا فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جده‏)‏ كذا للجميع، وكذلك أخرجه أبو داود من طريق يحيى بن سعيد عن ابن جريج‏.‏

وقال أبو عاصم ‏"‏ عن ابن جريج عن أبيه عن جده عن أبي بكر ‏"‏ زاد فيه ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ أخرجه الحاكم أبو أحمد في الكنى وابن شاهين في الصحابة‏.‏

وعبد الله بن أبي مليكة منسوب إلى جده وقيل إلى جد أبيه فإنه عبد الله ابن عبيد الله بن أبي مليكة واسمه زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي وله صحبة، ومنهم من زاد في نسبه ‏"‏ عبد الله بن عبيد الله بن زهير ‏"‏ وقال إن الذي يكنى أبا مليكة هو عبد الله بن زهير، فعلى الأول فالحديث من رواية زهير بن عبد الله عن أبي بكر، وعلى الثاني هو من رواية عبد الله بن زهير، ويتردد عود الضمير في قوله ‏"‏ عن جده ‏"‏ على من يعود على الخلاف المذكور، وزعم مغلطاي أن الطريق التي أخرجها البخاري منقطعة في موضعين، وليس كما زعم‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَبَيَّنَ لَهُ الْأَجَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْعَمَلَ

لِقَوْلِهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ يَأْجُرُ فُلَانًا يُعْطِيهِ أَجْرًا وَمِنْهُ فِي التَّعْزِيَةِ أَجَرَكَ اللَّهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا استأجر أجيرا‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ من استأجر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبين له الأجل‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ الأجر ‏"‏ بسكون الجيم وبالراء، والأولى أوجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يبين العمل‏)‏ أي هل يصح ذلك أم لا‏؟‏ وقد مال البخاري إلى الجواز لأنه احتج لذلك فقال‏:‏ لقوله تعالى ‏(‏إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين‏)‏ الآية، ولم يفصح مع ذلك بالجواز لأجل الاحتمال، ووجه الدلالة منه أنه لم يقع في سياق القصة المذكورة بيان العمل، وإنما فيه أن موسى أجر نفسه من والد المرأتين، ثم إنما تتم الدلالة بذلك إذا قلنا أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد شرعنا بتقريره، وقد احتج الشافعي بهذه الآية على مشروعية الإجارة فقال‏:‏ ذكر الله سبحانه وتعالى أن نبيا من أنبيائه أجر نفسه حججا مسماة ملك بها بضع امرأة؛ وقيل استأجره على أن يرعى له‏.‏

قال المهلب‏:‏ ليس في الآية دليل على جهالة العمل في الإجارة لأن ذلك كان معلوما بينهم وإنما حذف ذكره للعلم به‏.‏

وتعقبه ابن المنير بأن البخاري لم يرد جواز أن يكون العمل مجهولا وإنما أراد أن التنصيص على العمل باللفظ ليس مشروطا، وأن المتبع المقاصد لا الألفاظ ويحتمل أن يكون المصنف أشار إلى حديث عتبة بن الندر بضم النون وتشديد المهملة قال ‏"‏ كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه ‏"‏ أخرجه ابن ماجة وفي إسناده ضعف، فإنه ليس فيه بيان العمل من قبل موسى، وقد أبعد من جوز أن يكون المهر شيئا آخر غير الرعي، وإنما أراد شعيب أن يكون يرعى غنمه هذه المدة ويزوجه ابنته فذكر له الأمرين، وعلق التزويج على الرعية على وجه المعاهدة لا على وجه المعاقدة، فاستأجره لرعي غنمه بشيء معلوم بينهما ثم أنكحه ابنته بمهر معلوم بينهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يأجر‏)‏ بضم الجيم ‏(‏فلانا‏)‏ أي ‏(‏يعطيه أجرا‏)‏ هذا ذكره المصنف تفسيرا لقوله تعالى ‏(‏على أن تأجرني‏)‏ وبذلك جزم أبو عبيدة في ‏"‏ المجاز‏"‏، وتعقبه الإسماعيلي بأن معنى الآية في قوله‏:‏ ‏(‏على أن تأجرني‏)‏ أي تكون لي أجيرا، والتقدير على أن تأجرني نفسك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومنه في التعزية آجرك الله‏)‏ هو من قول أبي عبيدة أيضا وزاد ‏"‏ يأجرك أي يثيبك ‏"‏ وكأنه نظر إلى أصل المادة وإن كان المعنى في الأجر والأجرة مختلفا‏.‏

*3*باب إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا عَلَى أَنْ يُقِيمَ حَائِطًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ جَازَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا استأجر أجيرا على أن يقيم حائطا يريد أن ينقض جاز‏)‏ أورد فيه طرفا من حديث أبي بن كعب في قصة موسى والخضر، وقد أورده مستوفى في التفسير بهذا الإسناد ويأتي الكلام عليه مبينا هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

وإنما يتم الاستدلال بهذه القصة إذا قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا لقول موسى ‏(‏لو شئت لاتخذت عليه أجرا‏)‏ أي لو تشارطت على عمله بأجرة معينة لنفعنا ذلك‏.‏

قال ابن المنير وقصد البخاري أن الإجارة تضبط بتعين العمل كما تضبط بتعين الأجل‏.‏

*3*باب الْإِجَارَةِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الإجارة إلى نصف النهار‏)‏ أي من أول النهار، وترجم في الذي بعده ‏"‏ الإجارة إلى صلاة العصر ‏"‏ والتقدير أيضا أن الابتداء من أول النهار‏.‏

ثم ترجم بعد ذلك ‏"‏ باب الإجارة من العصر إلى الليل ‏"‏ أي إلى أول دخول الليل، قيل أراد البخاري إثبات صحة الإجارة بأجر معلوم إلى أجل معلوم من جهة أن الشارع ضرب المثل بذلك ولولا الجواز ما أقره‏.‏

ويحتمل أن يكون الغرض من كل ذلك إثبات جواز الاستئجار لقطعة من النهار إذا كانت معينة دفعا لتوهم من يتوهم أن أقل المعلوم أن يكون يوما كاملا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ فَأَنْتُمْ هُمْ فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً قَالَ هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثلكم ومثل أهل الكتابين‏)‏ كذا في رواية أيوب، والمراد بأهل الكتابين اليهود والنصارى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كمثل رجل‏)‏ في السياق حذف تقديره مثلكم مع نبيكم ومثل أهل الكتابين مع أنبيائهم كمثل رجل استأجر، فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والممثل به الأجراء مع من استأجرهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على قيراط‏)‏ زاد في رواية عبد الله بن دينار ‏"‏ على قيراط قيراط ‏"‏ وهو المراد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعملت اليهود‏)‏ زاد ابن دينار ‏"‏ على قيراط قيراط ‏"‏ وزاد الزهري عن سالم عن أبيه كما تقدم في الصلاة ‏"‏ حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ‏"‏ وكذا وقع في بقية الأمم، والمراد بالقيراط النصيب وهو في الأصل نصف دانق والدانق سدس درهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى صلاة العصر‏)‏ يحتمل أن يريد به أول وقت دخولها، ويحتمل أن يريد أول حين الشروع فيها، والثاني يرفع الإشكال السابق في المواقيت على تقدير تسليم أن الوقتين متساويان، أي ما بين الظهر والعصر وما بين العصر والمغرب، فكيف يصح قول النصارى إنهم أكثر عملا من هذه الأمة‏؟‏ وقد قدمت هناك عدة أجوبة عن ذلك فلتراجع من ثم، ومن الأجوبة التي لم تتقدم أن قائل ‏"‏ ما لنا أكثر عملا ‏"‏ اليهود خاصة، ويؤيده ما وقع في التوحيد بلفظ ‏"‏ فقال أهل التوراة ‏"‏ ويحتمل أن يكون كل من الفريقين قال ذلك، أما اليهود فلأنهم أطول زمانا فيستلزم أن يكونوا أكثر عملا، وأما النصارى فلأنهم وازنوا كثرة أتباعهم بكثرة زمن اليهود لأن النصارى آمنوا بموسى وعيسى جميعا أشار إلى ذلك الإسماعيلي، ويحتمل أن تكون أكثرية النصارى باعتبار أنهم عملوا إلى آخر صلاة العصر وذلك بعد دخول وقتها أشار إلى ذلك ابن القصار وابن العربي، وقد قدمنا أنه لا يحتاج إليه لأن المدة التي بين الظهر والعصر أكثر من المدة التي بين العصر والمغرب، ويحتمل أن تكون نسبة ذلك إليهم على سبيل التوزيع‏:‏ فالقائل نحن أكثر عملا اليهود، والقائل نحن أقل أجرا النصارى وفيه بعد‏.‏

وحكى ابن التين أن معناه أن عمل الفريقين جميعا أكثر وزمانهم أطول، وهو خلاف ظاهر السياق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغضبت اليهود والنصارى‏)‏ أي الكفار منهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء‏)‏ بنصب أكثر وأقل على الحال كقوله تعالى ‏(‏فما لهم عن التذكرة معرضين‏)‏ وقد تقدمت مباحث هذه الجملة في كتاب المواقيت‏.‏

قوله ‏(‏من حقكم‏)‏ أطلق لفظ ‏"‏ الحق ‏"‏ لقصد المماثلة وإلا فالكل من فضل الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذلك فضلي أوتيه من أشاء‏)‏ فيه حجة لأهل السنة على أن الثواب من الله على سبيل الإحسان منه جل جلاله‏.‏

*3*باب الْإِجَارَةِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الإجارة إلى صلاة العصر‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر من طريق مالك عن عبد الله بن دينار، وليس في سياقه التصريح بالعمل إلى صلاة العصر وإنما يؤخذ ذلك من قوله ‏"‏ ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر ‏"‏ فإن ابتداء عمل الطائفة عند انتهاء عمل الطائفة التي قبلها، نعم في رواية أيوب في الباب قبله التصريح بذلك حيث قال ‏"‏ من يعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ثُمَّ عَمِلَتْ النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ثُمَّ أَنْتُمْ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً قَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا قَالُوا لَا فَقَالَ فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ

الشرح‏:‏

قوله في رواية عبد الله بن دينار ‏(‏إنما مثلكم واليهود والنصارى‏)‏ هو بخفض اليهود عطفا على الضمير المجرور بغير إعادة الجار قاله ابن التين، وإنما يأتي على رأي الكوفيين‏.‏

وقال ابن مالك يجوز الرفع على تقدير ومثل اليهود والنصارى على حذف المضاف وإعطاء المضاف إليه إعرابه‏.‏

قلت‏:‏ ووجدته مضبوطا في أصل أبي ذر بالنصب وهو موجه على إرادة المعية، ويرجح توجيه ابن مالك ما سيأتي في أحاديث الأنبياء من طريق الليث عن نافع بلفظ ‏"‏ وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى مغارب الشمس‏)‏ كذا ثبت في رواية لمالك بلفظ الجمع وكأنه باعتبار الأزمنة المتعددة باعتبار الطوائف، ووقع في رواية سفيان الآتية في فضائل القرآن ‏"‏ إلى مغرب الشمس ‏"‏ على الإفراد وهو الوجه، ومثله في رواية الليث عن نافع الآتية في أحاديث الأنبياء، ونحوه في رواية أيوب في الباب الذي بعده بلفظ ‏"‏ إلى أن تغيب الشمس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل ظلمتكم‏)‏ أي نقصتكم كما في رواية نافع في الباب الذي قبله، وسأذكر بقية فوائده بعد بابين‏.‏

*3*باب إِثْمِ مَنْ مَنَعَ أَجْرَ الْأَجِيرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إثم من منع أجر الأجير‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب إثم من باع حرا ‏"‏ في أواخر البيوع‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخر ابن بطال هذا الباب عن الذي بعده، وكأنه صنع ذلك للمناسبة‏.‏

*3*باب الْإِجَارَةِ مِنْ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الإجارة من العصر إلى الليل‏)‏ أي من أول وقت العصر إلى أول دخول الليل، أورد فيه حديث أبي موسى وقد مضى سنده ومتنه في المواقيت، وشيخه أبو كريب المذكور هناك هو محمد ابن العلاء المذكور هناك، وبريد بالموحدة والتصغير هو ابن عبد الله بن أبي بردة‏.‏

*3*باب مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَتَرَكَ الْأَجِيرُ أَجْرَهُ فَعَمِلَ فِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ فَزَادَ أَوْ مَنْ عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ فَاسْتَفْضَلَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من استأجر أجيرا فترك أجره‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فترك الأجير أجره‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعمل فيه المستأجر‏)‏ أي اتجر فيه أو زرع ‏(‏فزاد‏)‏ أي ربح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن عمل في مال غيره فاستفضل‏)‏ هو من عطف العام على الخاص، لأن العامل في مال غيره أعم من أن يكون مستأجرا أو غير مستأجر ولم يذكر المصنف الجواب إشارة إلى الاحتمال كعادته‏.‏

ثم ذكر فيه حديث ابن عمر في قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، وقد تقدم من وجه آخر قريبا‏.‏

وقد تعقب المهلب ترجمة البخاري بأنه ليس في القصة دليل لما ترجم له، وإنما اتجر الرجل في أجر أجيره ثم أعطاه له على سبيل التبرع، وإنما الذي كان يلزمه قدر العمل خاصة، وقد تقدم ذلك في أثناء كتاب البيوع وسيأتي شرحه مستوفى في أواخر أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله في هذه الرواية ‏"‏ لا أغبق ‏"‏ هو من الغبوق بالغين المعجمة والموحدة وآخره قاف‏:‏ شرب العشي، وضبطوه بفتح الهمزة أغبق من الثلاثي، إلا الأصيلي فبضمها من الرباعي وخطئوه‏.‏

وقوله ‏"‏أهلا ولا مالا ‏"‏ المراد بالأهل ما له من زوح وولد وبالمال ما له من رقيق وخدم، وزعم الداودي أن المراد بالمال الدواب وتعقبوه وله وجه‏.‏

وقوله ‏"‏فنأى ‏"‏ بفتح النون والهمزة مقصورا بوزن سعى أي بعد‏.‏

وفي رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ فناء ‏"‏ بمد بعد النون بوزن جاء وهو بمعنى الأول‏.‏

وقوله ‏"‏فلم أرح ‏"‏ بضم الهمزة وكسر الراء، وقوله ‏"‏برق الفجر ‏"‏ بفتح الراء أي أضاء، وقوله ‏"‏فافرج ‏"‏ بالوصل وضم الراء وبهمزة قطع وكسر الراء من الفرج أو من الإفراج، وقوله ‏"‏كل ما ترى من أجلك ‏"‏ كذا للكشميهني، ولأبي زيد المروزي وللباقين ‏"‏ من أجرك ‏"‏ ولكل وجه‏.‏

*3*باب مَنْ آجَرَ نَفْسَهُ لِيَحْمِلَ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ وَأُجْرَةِ الْحَمَّالِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من آجر نفسه ليحمل على ظهره ثم تصدق به‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ثم تصدق منه ‏"‏ وقوله ‏"‏ وأجر الحمال ‏"‏ أي وباب أجر الحمال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ فَيُحَامِلُ فَيُصِيبُ الْمُدَّ وَإِنَّ لِبَعْضِهِمْ لَمِائَةَ أَلْفٍ قَالَ مَا تَرَاهُ إِلَّا نَفْسَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبي‏)‏ هو الأموي صاحب المغازي‏.‏

وقوله ‏"‏عن شقيق ‏"‏ هو أبو وائل، وقوله ‏"‏فيحامل ‏"‏ أي يطلب أي يحمل بالأجرة، وقوله ‏"‏بالمد ‏"‏ أي يحمل المتاع بالأجرة وهي مد من طعام، والمحاملة مفاعلة وهي تكون بين اثنين، والمراد هنا أن الحمل من أحدهما والأجرة من الآخر كالمساقاة والمزارعة، ووقع للنسائي من طريق منصور عن أبي وائل ‏"‏ ينطلق أحدنا إلى السوق فيحمل على ظهره‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن بعضهم لمائة ألف‏)‏ هذه اللام للتأكيد وهي ابتدائية لدخولها على اسم إن وتقدم الخبر وهي كقوله تعالى ‏(‏إن في ذلك لعبرة‏)‏ ومراده أن ذلك في الوقت الذي حدث به، وقد تقدم في الزكاة بلفظ ‏"‏ وإن لبعضهم اليوم مائة ألف ‏"‏ زاد النسائي ‏"‏ وما كان له يومئذ درهم ‏"‏ أي في الوقت الذي كان يحمل فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ما نراه إلا نفسه‏)‏ بين ابن ماجة من طريق زائدة عن الأعمش أن قائل ذلك هو أبو وائل الراوي للحديث عن أبي مسعود، وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الزكاة‏.‏

*3*باب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ

وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا قَالَ بِعْهُ بِكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ لَكَ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب أجر السمسرة‏)‏ أي حكمه وهي بمهملتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم ير ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأسا‏)‏ أما قول ابن سيرين وإبراهيم فوصله ابن أبي شيبة عنهما بلفظ ‏"‏ لا بأس بأجر السمسار إذا اشترى يدا بيد ‏"‏ وأما قول عطاء فوصله ابن أبي شيبة أيضا بلفظ ‏"‏ سئل عطاء عن السمسرة فقال لا بأس بها ‏"‏ وكأن المصنف أشار إلى الرد على من كرهها، وقد نقله ابن المنذر عن الكوفيين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ لا باس أن يقول بع هذا الثوب، فما زاد على كذا وكذا فهو لك‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق عطاء نحوه، وهذه أجر سمسرة أيضا لكنها مجهولة ولذلك لم يجزها الجمهور وقالوا‏:‏ إن باع له على ذلك فله أجر مثله، وحمل بعضهم إجازة ابن عباس على أنه أجراه مجرى المقارض، وبذلك أجاب أحمد وإسحاق ونقل ابن التين أن بعضهم شرط في جوازه أن يعلم الناس ذلك الوقت أن ثمن السلعة يساوي أكثر مما سمى له، وتعقبه بأن الجهل بمقدار الأجرة باق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن سيرين‏:‏ إذا قال بعه بكذا فما كان من ربح فلك أو بيني وبينك فلا بأس به‏)‏ وصله ابن أبي شيبة أيضا من طريق يونس عنه، وهذا أشبه بصورة المقارض من السمسار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ المسلمون عند شروطهم‏)‏ هذا أحد الأحاديث التي لم يوصلها المصنف في مكان آخر، وقد جاء من حديث عمرو بن عوف المزني فأخرجه إسحاق في مسنده من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظه وزاد ‏"‏ إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما ‏"‏ وكثير بن عبد الله ضعيف عند الأكثر لكن البخاري ومن تبعه كالترمذي وابن خزيمة يقوون أمره، وأما حديث أبي هريرة فوصله أحمد وأبو داود والحاكم من طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح وهو بموحدة عن أبي هريرة بلفظه أيضا دون زيادة كثير فزاد بدلها ‏"‏ والصلح جائز بين المسلمين ‏"‏ وهذه الزيادة أخرجها الدار قطني والحاكم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة، ولابن أبي شيبة من طريق عطاء ‏"‏ بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ المؤمنون عند شروطهم‏"‏، وللدار قطني والحاكم من حديث عائشة مثله وزاد ‏"‏ ما وافق الحق‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ظن ابن التين أن قوله ‏"‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم ‏"‏ بقية كلام ابن سيرين فشرح على ذلك فوهم، وقد تعقبه القطب الحلبي ومن تبعه من علمائنا‏.‏

ثم أورد المصنف حديث ابن عباس الماضي في البيوع، والمراد منه قوله في تفسير المنع لبيع الحاضر للبادي ‏"‏ أن لا يكون له سمسارا ‏"‏ فإن مفهومه أنه يجوز أن يكون سمسارا في بيع الحاضر للحاضر ولكن شرط الجمهور أن تكون الأجرة معلومة، وعن أبي حنيفة إن دفع له ألفا على أن يشتري بها بزا بأجرة عشرة فهو فاسد، فإن اشترى فله أجرة المثل ولا يجوز ما سمى من الأجرة‏.‏

وعن أبي ثور إذا جعل له في كل ألف شيئا معلوما لم يجز لأن ذلك غير معلوم فإن عمل فله أجر مثله، وحجة من منع أنها إجارة في أمر لأمد غير معلوم، وحجة من أجازه أنه إذا عين له الأجرة كفى ويكون من باب الجعالة‏.‏

والله أعلم‏.‏