فصل: باب مَتَى يَحِلُّ الْمُعْتَمِرُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَتَى يَحِلُّ الْمُعْتَمِرُ

وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يحل المعتمر‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى مذهب ابن عباس وقد تقدم القول فيه، قال ابن بطال‏:‏ لا أعلم خلافا بين أئمة الفتوى أن المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى، إلا ما شذ به ابن عباس فقال ‏"‏ يحل من العمرة بالطواف ‏"‏ ووافقه إسحاق بن راهويه، ونقل عياض عن بعض أهل العلم أن بعض الناس ذهب إلى أن المعتمر إذا دخل الحرم حل وإن لم يطف ولم يسع، وله أن يفعل كل ما حرم على المحرم، ويكون الطواف والسعي في حقه كالرمي والمبيت في حق الحاج، وهذا من شذوذ المذاهب وغرائبها، وغفل القطب الحلبي فقال فيمن استلم الركن في ابتداء الطواف وأحل حينئذ‏:‏ إنه لا يحصل له التحلل بالإجماع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء عن جابر إلخ‏)‏ هو طرف من حديث تقدم موصولا في ‏"‏ باب عمرة التنعيم ‏"‏ وبين المصنف بحديث عمرو بن دينار عن جابر - وهو ثالث أحاديث الباب - أن المراد بقوله في هذه الرواية ‏"‏ يطوفوا ‏"‏ أي بالبيت وبين الصفا والمروة، لجزم جابر بأنه لا يحل له أن يقرب امرأته حتى يطوف بين الصفا والمروة‏.‏

ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث‏:‏ أولها حديث ابن أبي أوفى وهو مشتمل على ثلاثة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَطُفْنَا مَعَهُ وَأَتَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهَا مَعَهُ وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ فَقَالَ لَهُ صَاحِبٌ لِي أَكَانَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ قَالَ لَا قَالَ فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ قَالَ بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنْ الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن جرير‏)‏ إسحاق هو ابن راهويه، وقد أورده في مسنده بلفظ ‏"‏ أخبرنا جرير ‏"‏ وهو ابن عبد الحميد وإسماعيل هو ابن أبي خالد‏.‏

وسيأتي الكلام على حديث عبد الله ابن أبي أوفى في المغازي وعلى ما يتعلق بخديجة في مناقبها إن شاء الله تعالى، وتقدم الكلام على قوله ‏"‏ أدخل الكعبة ‏"‏ في ‏"‏ باب من لم يدخل الكعبة في أثناء الحج ‏"‏ وقوله ‏"‏ لا ‏"‏ في جواب ‏"‏ أدخل الكعبة ‏"‏ معناه أنه لم يدخلها في تلك العمرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قَالَ وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

الشرح‏:‏

حديث عمرو بن دينار عن ابن عمر مرفوعا وعن جابر موقوفا‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن دينار‏)‏ تقدم هذا الحديث بهذا الإسناد عن الحميدي في كتاب الصلاة في أبواب القبلة بلفظ ‏"‏ حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار ‏"‏ فعبر بالحديث هناك والعنعنة هنا وساق الإسناد والمتن جميعا بغير زيادة، ووقوع مثل هذا نادر جدا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن رجل طاف بالبيت في عمرة‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ عن رجل طاف في عمرته ‏"‏ وقد تقدم بعض الكلام على هذا الحديث في الصلاة وأن ابن عمر أشار إلى الاتباع وأن جابرا أفتاهم بالحكم وهو قول الجمهور إلا ما روي عن ابن عباس أنه يحل من جميع ما حرم عليه بمجرد الطواف‏.‏

ووقع عند النسائي من طريق غندر عن شعبة عن عمر بن دينار أنه قال‏:‏ وهو سنة، وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر وهو غندر به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أيأتي امرأته‏)‏ أي يجامعها، والمراد هل حصل له التحلل من الإحرام قبل السعي أم لا‏؟‏ وقوله ‏"‏ لا يقربنها ‏"‏ بنون التأكيد المراد نهي المباشرة بالجماع ومقدماته لا مجرد القرب منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وطاف بين الصفا والمروة‏)‏ أي سعى، وإطلاق الطواف على السعي إما للمشاكلة وإما لكونه نوعا من الطواف ولوقوعه في مصاحبة طواف البيت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسوة‏)‏ بكسر الهمزة ويجوز ضمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسألنا جابرا‏)‏ القائل هو عمرو بن دينار، وقد تقدم هذا الحديث في ‏"‏ باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام ‏"‏ من طريق شعبة وفي ‏"‏ باب السعي ‏"‏ من طريق ابن جريج كلاهما عن عمرو بن دينار عن ابن عمر بالحديث دون السؤالين لابن عمر ولجابر، وفي الحديث أن السعي واجب في العمرة، وكذا صلاة ركعتي الطواف، وفي تعيينهما خلف المقام خلف سبق في بابه المشار إليه، ونقل ابن المنذر الاتفاق على جوازهما في أي موضع شاء الطائف، إلا أن مالكا كرههما في الحجر، ونقل بعض أصحابنا عن الثوري أنه كان يعينهما خلف المقام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ وَهُوَ مُنِيخٌ فَقَالَ أَحَجَجْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِمَا أَهْلَلْتَ قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحْسَنْتَ طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ حَتَّى كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَقَالَ إِنْ أَخَذْنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ وَإِنْ أَخَذْنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى في إهلاله كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، وشاهد الترجمة منه قوله ‏"‏ طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم أحل ‏"‏ فإنه يقتضي تأخير الإحلال عن السعي، وقد تقدم الكلام عليه مستوفي في ‏"‏ باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يأمرنا بالتمام‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يأمر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يبلغ‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بلغ ‏"‏ بلفظ الفعل الماضي، وقوله في أوله ‏"‏ أحججت ‏"‏ أي هل أحرمت بالحج أو نويت الحج‏؟‏ وهذا كقوله له بعد ذلك ‏"‏ بما أهللت ‏"‏ أي بما أحرمت ‏"‏ أي بحج أو عمرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالحَجُونِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَا هُنَا وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ قَلِيلٌ ظَهْرُنَا قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنْ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ

الشرح‏:‏

حديث أسماء بنت أبي بكر‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب وفي رواية كريمة ‏"‏ حدثنا أحمد بن عيسى ‏"‏ وفي رواية أبي ذر ‏"‏ حدثنا أحمد بن صالح ‏"‏ وقد أخرجه مسلم عن أحمد بن عيسى عن ابن وهب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عمرو‏)‏ هو ابن الحارث، وعبد الله مولى أسماء تقدم له حديث عنها غير هذا في ‏"‏ باب من قدم ضعفة أهله ‏"‏ وليس له عنده غيرهما‏.‏

وهذا الإسناد نصفه مصريون ونصفه مدنيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالحجون‏)‏ بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة‏:‏ جبل معروف بمكة، وقد تكرر ذكره في الأشعار، وعنده المقبرة المعروفة بالمعلى على يسار الداخل إلى مكة ويمين الخارج منها إلى منى، وهذا الذي ذكرنا محصل ما قاله الأزرقي والفاكهي وغيرهما من العلماء، وأغرب السهيلي فقال‏:‏ الحجون على فرسخ وثلث من مكة، وهو غلط واضح، فقد قال أبو عبيد البكري‏:‏ الحجون الجبل المشرف بحذاء المسجد الذي يلي شعب الجرارين‏.‏

وقال أبو علي القالي‏:‏ الحجون ثنية المدنيين - أي من يقدم من المدينة - وهي - مقبرة أهل مكة عند شعب الجرارين انتهى‏.‏

ويدل على غلط السهيلي قول الشاعر‏:‏ سنبكيك ما أرسى ثبير مكانه وما دام جارا للحجون المحصب وقد تقدم ذكر المحصب وحده وأنه خارج مكة، وروى الواقدي عن أشياخه أن قصي بن كلاب لما مات دفن بالحجون فتدافن الناس بعده، وأنشد الزبير لبعض أهل مكة‏:‏ كم بالحجون وبينه من سيد بالشعب بين دكادك وأكام والجرارين التي تقدم جمع جرار بجيم وراء ثقيلة ذكرها الرضي الشاطبي وكتب على الراء صح صح، وذكر الأزرقي أنه شعب أبي دب رجل من بني عامر‏.‏

قلت‏:‏ وقد جهل هذا الشعب الآن إلا أن بين سور مكة الآن وبين الجبل المذكور مكانه يشبه الشعب فلعله هو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونحن يومئذ خفاف‏)‏ زاد مسلم في روايته خفاف الحقائب، والحقائب جمع حقيبة بفتح المهملة وبالقاف وبالموحدة وهي ما احتقبه الراكب خلفه من حوائجه في موضع الرديف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاعتمرت أنا وأختي‏)‏ أي بعد أن فسخوا الحج إلى العمرة، ففي رواية صفية بنت شيبة عن أسماء ‏"‏ قدمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج فقال‏:‏ من كان معه هدي فليقم على إحرامه، ومن لم يكن منه هدي فليحل، فلم يكن معي هدي فأحللت، وكان مع الزبير هدي فلم يحل ‏"‏ انتهى‏.‏

وهذا مغاير لذكرها الزبير مع من أحل في رواية عبد الله مولى أسماء، فإن قضية رواية صفية عن أسماء أنه لم يحل لكونه ممن ساق الهدي، فإن جمع بينهما بأن القصة المذكورة وقعت لها مع الزبير في غير حجة الوداع - كما أشار إليه النووي على بعده - وإلا فقد رجح عند البخاري رواية عبد الله مولى أسماء فاقتصر على إخراجها دون رواية صفية بنت شيبة، وأخرجهما مسلم مع ما فيهما من الاختلاف‏.‏

ويقوي صنيع البخاري ما تقدم في ‏"‏ باب الطواف على وضوء ‏"‏ من طريق محمد بن عبد الرحمن وهو أبو الأسود المذكور في هذا الإسناد قال‏:‏ سألت عروة بن الزبير‏.‏

فذكر حديثا وفي آخره ‏"‏ وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة، فلما مسحوا الركن حلوا ‏"‏ والقائل ‏"‏ أخبرتني ‏"‏ عروة المذكور، وأمه هي أسماء بنت أبي بكر، وهذا موافق لرواية عبد الله مولى أسماء عنها‏.‏

وفيه إشكال آخر وهو ذكرها لعائشة فيمن طافه والواقع أنها كانت حينئذ حائضا، وكنت أولته هناك على أن المراد أن تلك العمرة كانت في وقت آخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن سياق رواية هذا الباب تأباه، فإنه ظاهر في أن المقصود العمرة التي وقعت لهم في حجة الوداع، والقول فيما وقع من ذلك في حق الزبير كالقول في حق عائشة سواء، وقد قال عياض في الكلام عليه‏:‏ ليس هو على عمومه، فإن المراد من عدا عائشة، لأن الطرق الصحيحة فيها أنها حاضت فلم تطف بالبيت ولا تحللت من عمرتها‏.‏

قال‏:‏ وقيل لعل عائشة أشارت إلى عمرتها التي فعلتها من التنعيم، ثم حكي التأويل السابق وأنها أرادت عمرة أخرى في غير التي في حجة الوداع، وخطأه ولم يعرج على ما يتعلق بالزبير من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفلان وفلان‏)‏ كأنها سمت بعض من عرفته ممن لم يسق الهدي، ولم أقف على تعيينهم، فقد تقدم من حديث عائشة أن أكثر الصحابة كانوا كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما مسحنا البيت‏)‏ أي طفنا بالبيت فاستلمنا الركن، وقد تقدم في ‏"‏ باب الطواف على غير وضوء ‏"‏ من حديث عائشة بلفظ ‏"‏ مسحنا الركن ‏"‏ وساغ هذا المجاز لأن كل من طاف بالبيت يمسح الركن فصار يطلق على الطواف كما قال عمر بن أبى ربيعة‏:‏ ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح أي طاف من هو طائف، قال عياض‏:‏ ويحتمل أن يكون معنى مسحوا طافوا وسعوا، وحذف السعي اختصارا لما كان منوطا بالطواف، قال‏:‏ ولا حجة في هذا الحديث لمن لم يوجب السعي لأن أسماء أخبرت أن ذلك كان في حجة الوداع، وقد جاء مفسرا من طرق أخرى صحيحة أنهم طافوا معه وسعوا فيحمل ما أجمل على ما بين والله أعلم، واستدل به على أن الحلق أو التقصير استباحة محظور لقولها إنهم أحلوا بعد الطواف، ولم يذكر الحلق‏.‏

وأجاب من قال بأنه نسك بأنها سكتت عنه ولا يلزم من ذلك ترك فعله، فإن القصة واحدة‏.‏

وقد ثبت الأمر بالتقصير في عدة أحاديث منها حديث جابر المصدر بذكره‏.‏

واختلفوا فيمن جامع قبل أن يقصر بعد أن طاف وسعى فقال الأكثر‏:‏ عليه الهدي‏.‏

وقال عطاء‏:‏ لا شيء عليه‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ تفسد عمرته وعليه المضي في فاسدها وقضاؤها‏.‏

واستدل به الطبري على أن من ترك التقصير حتى يخرج من الحرم لا شيء عليه، بخلاف من قال عليه دم‏.‏

*3*باب مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ الْغَزْوِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو‏)‏ أورد المصنف هنا تراجم تتعلق بآداب الراجع من السفر لتعلق ذلك بالحاج والمعتمر، وهذا في حق المعتمر الآفاقي، وقد ترجم لحديث الباب حديث نافع عن ابن عمر في الدعوات ما يقول إذا أراد سفرا أو رجع، ويأتي الكلام عليه مستوفي هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب اسْتِقْبَالِ الْحَاجِّ الْقَادِمِينَ وَالثَّلَاثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب استقبال الحاج القادمين والثلاثة على الدابة‏)‏ اشتملت هذه الترجمة على حكمين، وأورد فيها حديث ابن عباس لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم استقبله أغيلمة بني عبد المطلب أي صبيانهم، ودلالة حديث الباب على الثاني ظاهرة، وقد أفردها بالذكر قبيل كتاب الأدب وأورد فيها هذا الحديث بعينه، ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى، وبيان أسماء من حمله من بني عبد المطلب، وقوله ‏"‏أغيلمة ‏"‏ تصغير غلمة بكسر الغين المعجمة وغلمة جمع غلام، وأما الحكم الأول فأخذه من حديث الباب من طريق العموم، لأن قدومه صلى الله عليه وسلم مكة أعم من أن يكون في حج أو عمرة أو غزو، وقوله ‏"‏القادمين ‏"‏ صفة للحاج لأنه يقال للمفرد وللجمع، وكون الترجمة لتلقي القادم من الحج، والحديث دال على تلقي القادم للحج ليس بينهما تخالف لاتفاقهما من حيث المعنى‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب الْقُدُومِ بِالْغَدَاةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب القدوم بالغداة‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر في خروجه صلى الله عليه وسلم إلى مكة من طريق الشجرة ومبيته بذي الحليفة إذا رجع، فيه ما ترجم له‏.‏

وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في أوائل الحج‏.‏

*3*باب الدُّخُولِ بِالْعَشِيِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدخول بالعشي‏)‏ قال الجوهري‏:‏ العشية من صلاة المغرب إلى العتمة، وقيل هي من حين الزوال‏.‏

قلت والمراد هنا الأول، وكأنه عقب الترجمة الأولى بهذه ليبين أن الدخول في الغداة لا يتعين، وإنما المنهي عنه الدخول ليلا، وقد بين علة ذلك في حديث جابر حيث قال ‏"‏ لتمتشط الشعثة ‏"‏ الحديث، وسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب النكاح‏.‏

*3*باب لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ إِذَا بَلَغَ الْمَدِينَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يطرق أهله‏)‏ ، أي لا يدخل عليهم ليلا إذا قدم من سفر، يقال طرق يطرق بضم الراء، وأما قوله في حديث جابر في الباب الذي بعده ‏"‏ أن يطرق أهله ليلا ‏"‏ فللتأكيد لأجل رفع المجاز لاستعمال طرق في النهار، وقد حكى ابن فارس طرق بالنهار وهو مجاز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا بلغ المدينة‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ إذا دخل ‏"‏ والمراد بالمدينة البلد الذي يقصد دخولها، والحكمة في هذا النهي مبينة في حديث جابر المذكور في الباب حيث أورده مطولا في أبواب عشرة النساء من كتاب النكاح، ويأتي الكلام عليه مستوفي هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَنْ أَسْرَعَ نَاقَتَهُ إِذَا بَلَغَ الْمَدِينَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة‏)‏ قال الإسماعيلي، قوله ‏"‏ أسرع ناقته ‏"‏ ليس بصحيح، والصواب أسرع بناقته يعني أنه لا يتعدى بنفسه وإنما يتعدى بالباء‏.‏

وفيما قاله نظر‏.‏

فقد حكى صاحب المحكم أن أسرع يتعدى بنفسه ويتعدى بحرف الجر‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ قول البخاري ‏"‏ أسرع ناقته ‏"‏ أصله أسرع بناقته فنصب بنزع الخافض‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ زَادَ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ حُمَيْدٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ جُدُرَاتِ تَابَعَهُ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏محمد بن جعفر‏)‏ أي ابن أبي كثير المدني أخو إسماعيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأبصرت درجات‏)‏ بفتح المهملة والراء بعدها جيم جمع درجة كذا للأكثر والمراد طرقها المرتفعة، وللمستملي ‏"‏ دوحات ‏"‏ بفتح المهملة وسكون الواو بعدها مهملة جمع دوحة وهي الشجرة العظيمة‏.‏

وفي رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد ‏"‏ جدرات ‏"‏ بضم الجيم والدال كما وقع في هذا الباب، وهو جمع جدر بضمتين جمع جدار، وقد رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ جدران ‏"‏ بسكون الدال وآخره نون جمع جدار، له من رواية أبي ضمرة عن حميد بلفظ ‏"‏ جدر ‏"‏ قال صاحب ‏"‏ المطالع ‏"‏‏:‏ جدرات أرجح من دوحات ومن درجات‏.‏

قلت‏:‏ وهي رواية الترمذي من طريق إسماعيل بن جعفر أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أوضع‏)‏ أي أسرع السير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زاد الحارث بن عمير عن حميد‏)‏ يعني عن أنس ‏(‏من حبها‏)‏ وهو يتعلق بقوله حركها أي حرك دابته بسبب حبه المدينة، ثم قال المصنف ‏"‏ حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر عن حميد عن أنس قال جدرات، تابعه الحارث بن عمير ‏"‏ يعني في قوله ‏"‏ جدرات ‏"‏ ورواية الحارث بن عمير هذه وصلها الإمام أحمد قال ‏"‏ حدثنا إبراهيم بن إسحاق حدثنا الحارث بن عمير عن حميد الطويل عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة أوضع ناقته، وإن كان على دابة حركها من حبها ‏"‏ وأخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر بن أبي كثير والحارث بن عمير جميعا عن حميد، وقد أورد المصنف طريق قتيبة المذكورة في فضائل المدينة بلفظ الحارث بن عمير، إلا أنه قال ‏"‏ راحلته ‏"‏ بدل ناقته، ووقع في نسخة الصغاني ‏"‏ وزاد الحارث بن عمير وغيره عن حميد ‏"‏ وقد نبهت على من رواه كذلك موافقا للحارث بن عمير في الزيادة المذكورة‏.‏

وفي الحديث دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى وأتوا البيوت من أبوابها‏)‏ أي بيان نزول هذه الآية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا كَانَتْ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا‏)‏ هذا ظاهر في اختصاص ذلك بالأنصار، ولكن سيأتي في حديث جابر أن سائر العرب كانوا كذلك إلا قريشا، ورواه عبد بن حميد من مرسل قتادة كما قال البراء، وكذلك أخرجه الطبري من مرسل الربيع بن أنس نحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا حجوا‏)‏ سيأتي في تفسير البقرة من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق بلفظ ‏"‏ إذا أحرموا في الجاهلية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاء رجل من الأنصار‏)‏ هو قطبة بضم القاف وإسكان المهملة بعدها موحدة ابن عامر بن حديدة بمهملات وزن كبيرة الأنصاري الخزرجي السلمي كما أخرجه ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما من طريق عمار بن زريق ‏"‏ عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال‏:‏ كانت قريش تدعي الحمس، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من الأبواب، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان فخرج من بابه فخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري، فقالوا‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قطبة رجل فاجر، فإنه خرج معك من الباب فقال‏:‏ ما حملك على ذلك‏؟‏ فقال رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت‏:‏ قال‏:‏ إني أحمسي، قال فإن ديني دينك، فأنزل الله الآية ‏"‏ وهذا الإسناد وإن كان على شرط مسلم لكن اختلف في وصله على الأعمش عن أبي سفيان فرواه عبد بن حميد عنه فلم يذكر جابرا أخرجه تقي وأبو الشيخ في تفسيرهما من طريقه، وكذا سماه الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس، وكذا ذكر مقاتل بن سليمان في تفسيره‏.‏

وجزم البغوي وغيره من المفسرين بأن هذا الرجل يقال له رفاعة بن تابوت، واعتمدوا في ذلك على ما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير من طريق داود بن أبي هند ‏"‏ عن قيس بن جبير النهشلي قال‏:‏ كانوا إذا أحرموا لم يأتوا بيتا من قبل بابه، ولكن من قبل ظهره، وكانت الحمس تفعله، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا فاتبعه رجل يقال له رفاعة بن تابوت ولم يكن من الحمس ‏"‏ فذكر القصة، وهذا مرسل، والذي قبله أقوى إسنادا فيجوز أن يحمل على التعدد في القصة، إلا أن في هذا المرسل نظرا من وجه آخر، لأن رفاعة بن تابوت معدود في المنافقين، وهو الذي هبت الريح العظيمة لموته كما وقع مبهما في صحيح مسلم ومفسرا في غيره من حديث جابر، فإن لم يحمل على أنهما رجلان توافق اسمهما واسم أبويهما وإلا فكونه قطبة بن عامر أولى، ويؤيده أن في مرسل الزهري عند الطبري ‏"‏ فدخل رجل من الأنصار من بني سلمة ‏"‏ وقطبة من بني سلمه بخلاف رفاعة، ويدل على التعدد اختلاف القول في الإنكار على الداخل، فإن في حديث جابر ‏"‏ فقالوا إن قطبة رجل فاجر ‏"‏ وفي مرسل قيس بن جبير ‏"‏ فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نافق رفاعة ‏"‏ لكن ليس بممتنع أن يتعدد القائلون في القصة الواحدة، وقد وقع في حديث ابن عباس عند ابن جريج أن القصة وقعت أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وفي إسناده ضعف وفي مرسل الزهري أن ذلك وقع في عمرة الحديبية، وفي مرسل السدي عند الطبري أيضا أن ذلك وقع في حجة الوداع، وكأنه أخذه من قوله ‏"‏ كانوا إذا حجوا ‏"‏ لكن وقع في رواية الطبري ‏"‏ كانوا إذا أحرموا ‏"‏ فهذا يتناول الحج والعمرة، والأقرب ما قال الزهري، وبين الزهري السبب في صنيعهم ذلك فقال‏:‏ كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء فكان الرجل إذا أهل فبدت له حاجة في بيته لم يدخل من الباب من أجل السقف أن يحول بينه وبين السماء ‏"‏ واتفقت الروايات على نزول الآية في سبب الإحرام إلا ما أخرجه عبد بن حميد بإسناد صحيح عن الحسن قال ‏"‏ كان الرجل من الجاهلية يهم بالشيء يصنعه فيحبس عن ذلك فلا يأتي بيتا من قبل بابه حتى يأتي الذي كان هم به ‏"‏ فجعل ذلك من باب الطيرة، وغيره جعل ذلك بسبب الإحرام، وخالفهم محمد بن كعب القرظي فقال ‏"‏ كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فنزلت ‏"‏ أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف وأغرب الزجاج في معانيه فجزم بأن سبب نزولها ما روي عن الحسن، لكن ما في الصحيح أصح والله أعلم‏.‏

واتفقت الروايات على أن الحمس كانوا لا يفعلون ذلك بخلاف غيرهم، وعكس ذلك مجاهد فقال ‏"‏ كان المشركون إذا أحرم الرجل منهم ثقب كوة في ظهر بيته فدخل منها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ومعه رجل من المشركين فدخل من الباب، وذهب المشترك ليدخل من الكوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما شأنك‏؟‏ فقال‏:‏ إني أحمسي، فقال‏:‏ وأنا أحمسي، فنزلت ‏"‏ أخرجه الطبري‏.‏

*3*باب السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب السفر قطعة من العذاب‏)‏ قال ابن المنير‏:‏ أشار البخاري بإيراد هذه الترجمة في أواخر أبواب الحج والعمرة أن الإقامة في الأهل أفضل من المجاهدة انتهى، وفيه نظر لا يخفى، لكن يحتمل أن يكون المصنف أشار بإيراده في الحج إلى حديث عائشة بلفظ ‏"‏ إذا قضى أحدكم حجه فليعجل إلى أهله ‏"‏ وسيأتي بيان من أخرجه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سمي‏)‏ كذا لأكثر الرواة عن مالك، وكذا هو في الموطأ، وصرح يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك بتحديث سمي له به، وشذ خالد بن مخلد عن مالك فقال ‏"‏ عن سهيل ‏"‏ بدله سمي أخرجه ابن عدي، وذكر الدارقطني أن ابن الماجشون رواه عن مالك عن سهيل أيضا فتابع خالد من مخلد، لكن قال الدارقطني‏.‏

أن أبا علقمة القروي تفرد به عن ابن الماجشون وأنه وهم فيه، ورواه الطبراني عن أحمد عن بشير الطيالسي عن محمد بن جعفر الوركاني عن مالك عن سهيل، وخالفه موسى بن هرون فرواه عن الوركاني عن مالك عن سمي، قال الدارقطني حدثنا به دعلج عن موسى، قال‏:‏ والوهم في هذا من الطبراني أو من شيخه؛ وسمي هو المحفوظ في رواية مالك قاله ابن عدي، وأخرجه الدارقطني وغيرهما ولم يروه عن سمي غير مالك قاله ابن عبد البر، ثم أسند عن عبد الملك بن الماجشون قال قال مالك‏:‏ ما لأهل العراق يسألونني عن حديث ‏"‏ السفر قطعة من العذاب ‏"‏‏؟‏ فقيل له لم يروه عن سمي أحد غيرك، فقال‏:‏ لو عرفت ما حدثت به، وكان مالك ربما أرسله لذلك، ورواه عتيق بن يعقوب عن مالك عن أبي النضر عن أبي صالح، ووهم فيه أيضا على مالك أخرجه الطبراني والدارقطني، ورواه رواد بن الجراح عن مالك فزاد فيه إسنادا آخر فقال عن ربيعة عن القاسم عن عائشة، وعن سمي بإسناده فذكره، قال الدارقطني أخطأ فيه رواد بن الجراح، وأخرجه ابن عبد البر من طريق أبي مصعب عن عبد العزيز الدراوردي عن سهيل عن أبيه، هذا يدل على أن له في حديث سهيل أصلا وأن سميا لم ينفرد به، وقد أخرجه أحمد في مسنده من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة، وأخرجه ابن عدي من طريق جمهان عن أبي هريرة أيضا فلم ينفرد به أبو صالح، وأخرجه الدارقطني والحاكم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بإسناد جيد فلم ينفرد به أبو هريرة، بل في الباب عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد وجابر عند ابن عدي أسانيد ضعيفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏السفر قطعة من العذاب‏)‏ أي جزء منه، والمراد بالعذاب الألم الناشئ عن المشقة لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يمنع أحدكم‏)‏ كأنه فصله عما قبله بيانا لذلك بطريق الاستئناف كالجواب لمن قال كان كذلك فقال‏:‏ يمنع أحدكم نومه إلخ أي وجه التشبيه الاشتمال على المشقة، وقد ورد التعليل في رواية سعيد المقبري ولفظه ‏"‏ السفر قطعة من العذاب، لأن الرجل يشتغل فيه عن صلاته وصيامه ‏"‏ فذكر الحديث، والمراد بالمنع في الأشياء المذكورة منع كمالها لا أصلها، وقد وقع عند الطبراني بلفظ ‏"‏ لا يهنأ أحدكم بنومه ولا طعامه ولا شرابه ‏"‏ وفي حديث ابن عمر عند ابن عدي ‏"‏ وأنه ليس له دواء إلا سرعة السير ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏نهمته‏)‏ بفتح النون وسكون الهاء أي حاجته من وجهه أي من مقصده وبيانه في حديث ابن عدي بلفظ ‏"‏ إذا قضى أحدكم وطره من سفره ‏"‏ وفي رواية رواد بن الجراح ‏"‏ فإذا فرغ أحدكم من حاجته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليعجل إلى أهله‏)‏ في رواية عتيق وسعيد المقبري ‏"‏ فليعجل الرجوع إلى أهله ‏"‏ وفي رواية أبي مصعب ‏"‏ فليعجل الكرة إلى أهله ‏"‏ وفي حديث عائشة ‏"‏ فليعجل الرحلة إلى أهله ‏"‏ فإنه اعظم لأجره ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ زاد فيه بعض الضعفاء عن مالك ‏"‏ وليتخذ لأهله هدية وإن لم يجد إلا حجرا ‏"‏ يعني حجر الزناد، قال‏:‏ وهي زيادة منكرة، وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب استعجال الرجوع ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة، ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا، ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة العبادة‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث ابن عمر مرفوعا ‏"‏ سافروا تصحوا ‏"‏ فإنه لا يلزم من الصحة بالسفر لما فيه من الرياضة أن لا يكون قطعة من العذاب لما فيه من المشقة، فصار كالدواء المر المعقب للصحة وإن كان في تناوله الكراهة، واستنبط منه الخطابي تغريب الزاني لأنه قد أمر بتعذيبه - والسفر من جملة العذاب - ولا يخفى ما فيه‏.‏

‏(‏لطيفة‏)‏ ‏:‏ سئل إمام الحرمين حين جلس موضع أبيه‏:‏ لم كان السفر قطعة من العذاب‏؟‏ فأجاب على الفور‏:‏ لأن فيه فراق الأحباب‏.‏

*3*باب الْمُسَافِرِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ يُعَجِّلُ إِلَى أَهْلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المسافر إذا جد به السير ويعجل إلى أهله‏)‏ أي ماذا يصنع‏؟‏ كذا ثبتت الواو في رواية الكشميهني وهي رواية النسفي، وأورد المصنف فيه قصة ابن عمر حين بلغه عن صفية شدة الوجع فأسرع السير، وقد تقدم الكلام عليه في أبواب تقصير الصلاة، وسيأتي من هذا الوجه في أبواب الجهاد، وبالله التوفيق‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب العمرة وما في آخرها من آداب الرجوع من السفر من الأحاديث المرفوعة على أربعين حديثا، المعلق منها أربعة والبقية موصولة المكرر منها وفيها وفيما مضى أحد وعشرون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عمر في الاعتمار قبل الحج، وحديث البراء فيه، وحديث عائشة ‏"‏ العمرة على قدر النصب‏"‏، وحديث ابن عباس في إرداف اثنين‏.‏

وفيه من الموقوفات خمسة آثار منها ثلاثة موصولة في ضمن حديث البراء‏.‏

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏