كتاب جامع الدّعوات
باب دعوات مهمة مستحبّة في جميع الأوقات
اعلم أن غرضنا بهذا الكتاب ذكر دعواتٍ مهمّة مستحبّة في جميع الأوقات غير مختصّة بوقت أو حال مخصوص..
واعلم أن هذا البابَ واسعٌ جداً لا يمكن استقصاؤهُ ولا الإِحاطة بمعشاره، لكني أُشيرُ إلى أهمّ المهمّ من عيونه. فأوّلُ ذلك الدعواتُ المذكوراتُ في القرآن التي أخبرَ اللّه سبحانه وتعالى بها عن الأنبياء صلواتُ اللّه وسلامُه عليهم وعن الأخيار وهي كثيرة معروفةٌ؛ ومن ذلك ما صحَّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه فعلَه أو علَّمه غيرَه؛ وهذا القسم كثير جداً تقدّم جملٌ منه في الأبواب السابقة، وأنا أذكرُ منه هنا جُملاً صحيحةً تُضمّ إلى أدعية القرآن وما سبق، وباللّه التوفيق.
1/994 روينا بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن النعمان بن بشير رضي اللّه عنهما،
عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "الدُّعاءُ هُوَ العبادَة"
قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (1)
2/995 وروينا في سنن أبي داود، بإسناد جيد،عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يَستحبّ الجوامعَ من الدعاء ويدعُ ما سوى ذلك. (2)
3/996 وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه
عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "لَيْسَ شَيْءٌ أكْرَمَ على اللَّهِ تَعالى مِنَ الدُّعاءِ"
.(3)
4/997 وروينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة قال:قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ سَرَّهُ أنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ تَعالى لَهُ عنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعاءَ في الرَّخاءِ".
(4)
5/998 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم،عن أنس رضي اللّه عنه، قال: كان أكثرُ دعاءِ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: "اللَّهُمَّ آتنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ".
زاد مسلم في روايته قال: وكان أنس إذا أرادَ أن يدعوَ بدعوة دعا بها، فإذا أرادَ أن يدعوَ بدعاء دعا بها فيه. (5)
6/999 وروينا في صحيح مسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الهُدَى والتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى".(6)
7/1000 وروينا في صحيح مسلم، عن طارق بن أشيم الأشجعي الصحابي رضي اللّه عنه قال:
كان الرجل إذا أسلم علَّمه النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم الصلاة، ثم أمرَه أن يدعوَ بهذه الكلمات "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاهْدِني وَعافِني وَارْزُقْني" وفي رواية أُخرى لمسلم عن طارق: أنه سمع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وأتاه رجل فقال: يا رسول اللّه! كيف أقول حين أسألُ ربِّي؟ قال: "قُلِ اللَّهُمَّ اغْفرْ لي وَارْحَمْني وَعافني وَارْزُقْني؛ فإنَّ هَؤُلاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْياكَ وآخِرَتَكَ"
.(7)
8/1001 وروينا فيه، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما، قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اللَّهُمَّ يا مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنا على طاعَتِكَ".(8)
9/1002 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنْ جَهْدِ البَلاءِ، وَدَرَكِ الشَّقاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأعْدَاءِ" وفي رواية عن سفيان أنه قال: في الحديث ثلاث، وزدتُ أنا واحدة، لا أدري أيّتهنّ.. وفي رواية قال سفيان: أشكّ أني زدتُ واحدة منها. (9)
10/1003 وروينا في صحيحيهما، عن أنس رضي اللّه عنه،قال: كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِك مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ وَالجُبْنِ وَالهَرَمِ وَالبُخْلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحيَا وَالمَماتِ" وفي رواية "وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرّجالِ".
(10)
قلت: ضَلَع الدين: شدّته وثقلُ حمله. والمحيا والممات: الحياة والموت.
11/1004 وروينا في صحيحيهما، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص،عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنهم؛ أنه قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ علّمني دُعاءً أدعُو به في صَلاتي، قال: "قُلِ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ فاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْني إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ".(11)
قلتُ: روي كثيراً بالمثلثة، وكبيراً بالموحدة، وقد قدّمنا بيانه في أذكار الصلاة، فيستحبّ أن يقول الداعي كثيراً كبيراً، يجمع بينهما، وهذا الدعاء وإن كان ورد في الصلاة فهو حسن نفيس صحيح فيُستحبّ في كل موطن، وقد جاء في رواية "وفي بيتي".
12/1005 وروينا في صحيحيهما، عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وَجَهْلي وَإسْرَافِي في أمْرِي، ومَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي؛ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي جَدّي وَهَزْلي وَخَطَئي وَعَمْدي وَكُلُّ ذلكَ عِنْدِي؛ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ ومَا أخَّرْتُ وَمَا أسْرَرْتُ وَما أعْلَنْتُ وَما أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ وأنْتَ على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".(12)
13/1006 وروينا في صحيح مسلم، عن عائشة رضي اللّه عنها؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في دعائه: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ ما عَمِلْتُ وَمِنْ شَرّ مَا لَمْ أعْمَلْ".(13)
14/1007 وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال:كان دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عافيتك وَفَجْأةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سُخْطِكَ".(14)
15/1008 وروينا في صحيح مسلم، عن زيد بن أرقم رضي اللّه عنه قال:لا أقول لكم إلا كما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول، كان يقول: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ وَالهَمِّ وَعَذَابِ القَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاها، وَزَكِّها أنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاها، أنْتَ وَلِيُّها وَمَوْلاها، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا".(15)
16/1009 وروينا في صحيح مسلم، عن عليّ رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "قُلِ اللَّهُمَّ اهْدِني وَسَدّدْنِي" وفي رواية: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الهُدَى وَالسَّدادَ".(16)
17/1010 وروينا في صحيح مسلم، عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال:جاء أعرابيٌّ إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللّه! علِّمني كلاماً أقوله، قال: "قُلْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُ أكْبَرُ كَبِيراً، وَالحَمْدُ لِلَّه كَثِيراً، سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَزِيزِ الحَكيمِ، قال: فهؤلاء لربي فما لي؟ قال: قُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْني وَاهْدني وَارْزُقْنِي وَعافني" شكَّ الراوي في "وعافني".(17)
18/1011 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال:كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ أصْلِحْ لي دِيني الَّذي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِي، وَأصْلِحْ لي دُنْيايَ الَّتِي فيها مَعاشِي، وأصْلِحْ لي آخِرَتِي الَّتي فيها مَعادي، وَاجْعَلِ الحَياةَ زيادَةً لي في كُلّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ راحَةً لي مِنْ كُلّ شَرٍّ".(18)
19/1012 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: "اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خاصَمْتُ؛ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوْذُ بِعِزَّتِكَ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ أنْ تُضِلَّني، أنْتَ الحَيُّ الَّذي لاَ يَموتُ وَالجِنُّ والإِنْسُ يَمُوتُونَ".(19)
20/1013 وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن بُريدةَ رضي اللّه عنه؛
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللَّهمّ إني أسألك بأني أشهدُ أنك أنتَ اللّه لا إِلهَ إِلاّ أنتَ الأحدُ الصمدُ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. فقال: "لَقَدْ سألْتَ اللَّهَ تَعالى بالاسْمِ الَّذي إذَا سُئِلَ بِهِ أعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ أجابَ" وفي رواية "لَقَدْ سألْتَ اللَّهَ باسْمهِ الأعْظَمِ"
قال الترمذي: حديث حسن. (20)
21/1014 وروينا في سنن أبي داود والنسائي، عن أنس رضي اللّه عنه؛أنه كان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالساً ورجل يُصلّي ثم دعا: اللَّهمّ إني أسألك بأنَّ لكَ الحمدُ لا إِله إِلاَّ أنتَ المنّانُ بديعُ السَّماواتِ والأرض، يا ذا الجلال والإِكرام يا حيُّ يا قيّوم. فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: "لَقَدْ دَعا اللَّهَ تَعالى باسْمهِ العَظيمِ الَّذي إذَا دُعيَ بهِ أجابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أعْطَى".(21)
22/1015 وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، بالأسانيد الصحيحة، عن عائشة رضي اللّه عنها؛
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كانَ يدعو بهؤلاء الكلماتِ: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمنْ شَرّ الغِنَى وَالفَقْرِ"
هذا لفظ أبي داود، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (22)
23/1016 وروينا في كتاب الترمذي، عن زياد بن عِلاَقَة، عن عَمِّه، وهو قُطْبَةُ بن مالك رضي اللّه عنه قال:
كان النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأخْلاقِ وَالأعْمالِ، وَالأهْوَاءِ"
قال الترمذي: حديث حسن. (23)
24/1017 وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن شَكَل بن حُميد رضي اللّه عنه ـ وهو بفتح الشين المعجمة والكاف ـ قال:
قلتُ: يا رسولَ اللّه! علَّمني دعاء، قال: "قُلِ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ سَمْعِي وَمنْ شَرّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرّ لِساني، وَمِنْ شَرّ قَلْبي وَمنْ شَرّ مَنِيِّي"
قال الترمذي: حديث حسن. (24)
25/1018 وروينا في كتابي أبي داود والنسائي، بإسنادين صحيحين، عن أنس رضي اللّه عنه؛
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ وَالجُنُونِ وَالجُذَامِ، وَسَيِّءِ الأسْقامِ"
.(25)
26/1019 وروينا فيهما، عن أبي اليَسَر الصحابي رضي اللّه عنه ـ وهو بفتح الياء المثناة تحت والسين المهملة
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يدعو "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الغَرَقِ وَالحَرَقِ وَالهَرَمِ، وَأعُوذُ بِكَ أن يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطانُ عِنْدَ المَوْتِ؛ وأعُوذُ بِكَ أنْ أمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِراً، وأعُوذُ بِكَ أن أمُوتَ لَديغاً" هذا لفظ أبي داود، وفي رواية له "وَالغَمّ".
(26)
27/1020 وروينا فيهما؛ بالإِسناد الصحيح، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ إني أعوذُ بِكَ منَ الجوع فَإنَّهُ بئْسَ الضَّجِيعُ، وَأعُوذُ بِكَ مِنَ الخِيانَةِ فإنَّها بِئْسَتِ البطانَةُ".(27)
28/1021 وروينا في كتاب الترمذي، عن عليّ رضي اللّه عنه؛أن مُكاتباً جاءه فقال: إني عجزتُ عن كتابتي فأعنِّي، قال: ألا أُعلّمُك كلماتٍ عَلمنيهنّ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم لو كانَ عَليكَ مثلُ جبل صِيْرٍ دَيْناً أدَّاهُ عنك؟ قُلِ: "اللَّهُمَّ اكْفني بِحَلالِكَ عَنْ حَرامِكَ، وَأغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ" قال الترمذي: حديث حسن. (28)
29/1022 وروينا فيه، عن عمران بن الحصين رضي اللّه عنهما؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم علَّمَ أباه حصيناً كلمتين يدعو بهما: "اللَّهُمَّ ألْهِمْنِي رُشْدِي، وَأعِذْنِي مِنْ شَرّ نَفْسِي" قال الترمذي: حديث حسن. (29)
30/1023 وروينا فيهما، بإسناد ضعيف، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقولُ: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بكَ منَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ وَسُوءِ الأخْلاقِ".(30)
31/1024 وروينا في كتاب الترمذي، عن شهر بن حوشب، قال:قلتُ لأُمّ سلمة رضي اللّه عنها: يا أُمّ المؤمنين! ما أكثرَ دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا كان عندكِ؟ قالت: كان أكثرُ دعائه: "يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّت قَلْبي على دِينكَ" قال الترمذي: حديث حسن. (31)
32/1025 وروينا في كتاب الترمذي، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ عافني في جَسَدِي، وَعافني في بَصَرِي، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنِّي، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحانَ اللَّه رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ".(32)
33/1026 وروينا فيه، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "كانَ مِنْ دُعاءِ دَاوُدَ صلى اللّه عليه وسلم: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعَمَلَ الَّذي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أحَبَّ إِليَّ مِنْ نَفْسِي وَأهْلِي وَمنَ المَاءِ البارِدِ" قال الترمذي: حديث حسن. (33)
34/1027 وروينا فيه، عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إذْ دَعا رَبَّهُ وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظالِمِينَ، فإنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجابَ لَهُ" قال (34) أبو عبد اللّه: هذا صحيح الإِسناد.
35/1028 وروينا فيه وفي كتاب ابن ماجه، عن أنس رضي اللّه عنه؛أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللّه! أيّ الدعاء أفضل؟ قال: "سَلْ رَبَّكَ العافِيَةَ وَالمُعافاةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسولَ اللّه! أيّ الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك. ثم أتاه في اليوم الثالث فقال له مثل ذلك، قال: فإذَا أُعْطِيتَ العافِيَةَ في الدُّنْيا وأُعْطِيتَها في الآخرة فَقَدْ أفْلَحْت" قال الترمذي: حديث حسن. (35)
36/1029 وروينا في كتاب الترمذي، عن العباس بن عبد المطلب رضي اللّه عنه قال:قلت: يا رسول اللّه! علّمني شيئاً أسأله اللّه تعالى، قال: "سَلُوا اللّهَ العافِيَةَ" فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول اللّه! علَّمني شيئاً أسأله اللّه تعالى، فقال: "يا عَبَّاسُ، يا عَمَّ رَسُول اللَّهِ، سَلُوا اللَّهَ العافِيَةَ في الدُّنْيا والآخِرَة" قال الترمذي: هذا حديث صحيح. (36)
37/1030 وروينا فيه، عن أبي أمامة رضي اللّه عنه، قال:دعا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئاً، قلت: يا رسول اللّه! دعوتَ بدعاءٍ كثيرٍ لم نحفظ منه شيئاً، فقال: "أَلاَ أدُلُّكُمْ ما يَجْمَعُ ذلكَ كُلَّهُ؟ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنْ خَيْرٍ ما سألَكَ منْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صلى اللّه عليه وسلم، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما اسْتَعاذَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صلى اللّه عليه وسلم، وأنْتَ المُسْتَعانُ وَعَلَيْكَ البَلاغُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ" قال الترمذي: حديث حسن. (37)
38/1031 وروينا فيه، عن أنس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ألِظُّوا بِياذَا الجَلالِ وَالإِكْرامِ".
ورويناه في كتاب النسائي، من رواية ربيعة بن عامر الصحابي رضي اللّه عنه، قال الحاكم: حديث صحيح الإِسناد. (38)
قلتُ: ألِظُّوا بكسر اللام وتشديد الظاء المعجمة، ومعناه: الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها.
39/1032 وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال:
كان النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يدعو ويقول: "رَبّ أعِنِّي وَلا تُعِنْ عَليَّ، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لي وَلا تَمْكُرْ عَليَّ، وَيَسِّرْ هُدَايَ وَانْصُرْنِي على مَنْ بَغَى عَليَّ. رَبّ اجْعَلْنِي لَكَ شاكِراً، لَكَ ذَاكِراً، لَكَ رَاهِباً، لَكَ مِطْوَاعاً، إِلَيْكَ مُجِيباً أوْ مُنيباً، تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدّدْ لِساني، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي" وفي رواية الترمذي "أوَّاهاً مُنِيباً"
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قلتُ: السخيمة بفتح السين المهملة وكسر الخاء المعجمة، وهي الحقد وجمعها سخائم، هذا معنى السخيمة هنا.
وفي حديث آخر "مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ في طَرِيقِ المُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ" (39)
40/1033 وروينا في مسند الإِمام أحمد بن حنبل رحمه اللّه وسنن ابن ماجه، عن عائشة رضي اللّه عنها؛
أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال لها: "قُولي اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ، ما عَلِمْتُ مِنْهُ وَما لَمْ أعْلَمُ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرّ كُلِّهِ عاجله وآجِلهِ، ما عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أعْلَمْ، وأسألُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرّبَ إِلَيْها مِنْ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْها مِنْ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ، وأسألُكَ خَيْرَ ما سألَكَ بِهِ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صلى اللّه عليه وسلم، وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ ما اسْتَعاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صلى اللّه عليه وسلم، وأسألُكَ ما قَضَيْتَ لي مِنْ أمْرٍ أنْ تَجْعَلَ عاقِبَتَهُ رَشَداً"
(40)
42/1035 وفيه، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال:جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: "وَاذُنُوباهُ وَاذُنُوباهُ! مرّتين أو ثلااثاً، فقال له رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "قُلِ اللَّهُمَّ مَغْفِرَتُكَ أوْسَعُ مِنْ ذُنُوبي، وَرَحْمَتُكَ أرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلي، فقالها، ثم قال: عُدْ، فعاد، ثم قال: عُدْ، فعاد، فقال: قُمْ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ".(41). ومعنى مغفرتك أوسع من ذنوبي أي إن ذنوبي وإن عظمت فمغفرتك أعظم منها. وما أحسن قول الإِمام الشافعي:
تعاظمني ذنبي فلما قرنتُه * بعفوكَ ربي كانَ عفوكَ أعظما
43/1036 وفيه، عن أبي أمامة رضي اللّه عنه، قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إنَّ لِلَّهِ تَعالى مَلَكاً مُوَكَّلاً بِمَنْ يَقُولُ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، فَمَنْ قالها ثلاثاً قالَ لَهُ المَلَكُ: إنَّ أرْحَمَ الرَّاحِمينَ قَدْ أقْبَلَ عَلَيْكَ فَسَلْ".(42)
بابٌ في آدابِ الدعاء
اعلم أن المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدّثون وجماهير العلماء من الطوائف كلها من السلف والخلف: أن الدعاء مستحبّ، قال اللّه تعالى: {وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] والآيات في ذلك كثيرة مشهورة.
وأما الأحاديث الصحيحة فهي أشهر من أن تُشهر، وأظهر من أن تُذكر، وقد ذكرنا قريباً في الدعوات ما به أبلغ كفاية، وباللّه التوفيق.
وروينا في رسالة الإِمام أبي القاسم القشيريّ رضي اللّه عنه قال: اختلفَ الناسُ في أن الأفضل الدعاء أم السكوت والرضا؟ فمنهم من قال: الدعاء عبادة للحديث السابق "الدُّعاءُ هُوَ العِبادَة" (43) ولأنَّ الدعاءَ إظهارُ الافتقار إلى اللّه تعالى. وقالت طائفة: السكوت والخمودُ تحت جريان الحكم أتمّ، والرضا بما سبق به القدر أولى. وقال قوم: يكون صاحبُ دعاءٍ بلسانه ورضا بقلبه ليأتيَ بالأمرين جميعاً.
قال القشيري: والأولى أن يُقال: الأوقات مختلفة؛ ففي بعض الأحوال الدعاء أفضل من السكوت وهو الأدب، وفي بعض الأحوال السكوت أفضل من الدعاء وهو الأدب، وإنما يُعرف ذلك بالوقت؛ فإذا وجدَ في قلبه إشارةً إلى الدعاء، فالدعاءُ أولى به؛ وإذا وجد إشارةً إلى السكوت فالسكوتُ أتمّ. قال: ويصحّ أن يُقال ما كان للمسلمين فيه نصيب، أو للّه سبحانه وتعالى فيه حقّ، فالدعاء أولى لكونه عبادة، وإن كان لنفسك فيه حظّ فالسكوت أتمّ. قال: ومن شرائط الدعاء أن يكون مطعمُه حلالاً. وكان يحيى بن معاذ الرازي رضي اللّه عنه يقول: كيف أدعوك وأنا عاصٍ؟ وكيف لا أدعوك وأنت كريم؟.
ومن آدابه: حضور القلب، وسيأتي دليله إن شاء اللّه تعالى. وقال بعضُهم: المراد بالدعاء إظهارُ الفاقة، وإلا فاللّه سبحانه وتعالى يفعلُ ما يشاء.
وقال الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء: آدابُ الدعاء عشرة:
الأول: أن يترصَّدَ الأزمان الشريفة؛ كيوم عَرَفَة وشهر رمضان ويوم الجمعة والثلث الأخير من الليل ووقت الأسحار.
الثاني: أن يغتنمَ الأحوالَ الشريفة؛ كحالة السجود، والتقاء الجيوش، ونزول الغيث، وإقامة الصلاة وبعدَها. قلتُ: وحالة رقّة القلب.
الثالث: استقبالُ القبلة ورفعُ اليدين ويمسحُ بهما وجهه في آخره.
الرابع: خفضُ الصوت بين المخافتة والجهر.
الخامس؛ أن لا يتكلَّف السجعَ وقد فسَّر به الاعتداء في الدعاء، والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة، فما كل أحد يُحسن الدعاءَ فيخاف عليه الاعتداء. وقال بعضهم: ادعُ بلسان الذلّة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق، ويُقال: إن العلماء والأبدال لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات ويشهد له ما ذكره اللّه سبحانه وتعالى في آخر سورة البقرة {رَبَّنا لا تُؤَاخِذْنا} إلى آخرها [البقرة: 286] لم يخبر سبحانه في موضع عن أدعية عباده بأكثر من ذلك. قلتُ: ومثلهُ قول اللّه سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم: {وَإِذْ قالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِناً} إلى آخره [إبراهيم:35]. قلتُ: والمختار الذي عليه جماهير العلماء أنه لا حجرَ في ذلك، ولا تُكرهُ الزيادةُ على السبع، بل يُستحبّ الإِكثارُ من الدعاء مطلقاً.
السادس: التضرّعُ والخشوعُ والرهبة، قال اللّه تعالى: {إنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ في الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وكانُوا لَنا خاشِعِينَ} [الأنبياء:90] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:55].
السابع: أن يجزمَ بالطلب ويُوقن بالإِجابة ويصدقَ رجاءه فيها، ودلائلُه كثيرةٌ مشهورة. قال سفيان بن عُيينة رحمه اللّه: لا يمنعنّ أحدَكم من الدعاء ما يعلمُه من نفسه، فإن اللّه تعالى أجاب شرّ المخلوقين إبليس إذ {قال أنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ إِنَّكَ منَ المُنْظَرِينَ} [الأعراف: 14ـ 15].
الثامن: أن يُلحّ في الدعاء ويكرّره ثلاثاً ولا يستبطىء الإِجابة.
التاسع: أن يفتتح الدعاء بذكر اللّه تعالى. قلتُ: وبالصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد الحمد للّه تعالى والثناء عليه، ويختمه بذلك كله أيضاً.
العاشر: وهو أهمّها والأصل في الإِجابة، وهو التوبةُ وردُّ المظالم والإِقبال على اللّه تعالى.
فصل: قال الغزالي: فإن قيل: فما فائدة الدعاء مع أن القضاءَ لا مَرَدَّ له؟ فاعلم أن من جملة القضاء ردّ البلاء بالدعاء، فالدعاءُ سببٌ لردّ البلاء ووجود الرحمة، كما أن الترسَ سبب لدفع السلاح، والماءُ سببٌ لخروج النبات من الأرض؛ فكما أن الترسَ يدفع السهمَ فيتدافعان، فكذلك الدعاءُ والبلاء، وليس من شرط الاعتراف بالقضاء أن لا يحملَ السلاح، وقد قال اللّه تعالى: {وَلْيَأخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102] فقدَّرَ اللّه تعالى الأمرَ وقدَّرَ سبَبه. وفيه من الفوائد ما ذكرناه، وهو حضور القلب والافتقار، وهما نهاية العبادة والمعرفة، واللّه أعلم.
بابُ دعاءِ الإِنسان وتوسّله بصالحِ عملهِ إلى اللّه تعالى
1/1037 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، حديث أصحاب الغار، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال:
سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "انْطَلَقَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كان قَبْلَكُمْ حتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إلى غارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغارَ، فَقالُوا: إنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إلاَّ أنْ تَدْعُوا اللَّهَ تَعالى بصَالحِ أعْمالِكُمْ. قالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ إنَّهُ كانَ لي أَبوانِ شَيْخانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أُغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلاً وَلا مالاً". وذكر تمام الحديث الطويل فيهم، وأن كلَّ واحد منهم قال في صالح عمله: "اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ قَدْ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ" فانفرج في دعوة كلِّ واحدٍ شيءٌ منها وانفرجتْ كلُّها عقب دعوة الثالث "فخرجوا يمشون"
(44)قلتُ: أُغبق بضم الهمزة وكسر الباء: أي أسقي.
وقد قال القاضي حسين من أصحابنا وغيره في صلاة الاستسقاء كلاماً معناه: أنه يُستحبّ لمن وقعَ في شدّة أن يدعوَ بصالح عمله، واستدلوا بهذا الحديث، وقد يُقال في هذا شيء: لأن فيه نوعاً من ترك الافتقار المطلق إلى اللّه تعالى، ومطلوبُ الدعاء الافتقار، ولكن ذكرَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم هذا الحديث ثناءً عليهم، فهو دليلٌ على تصويبه صلى اللّه عليه وسلم، وباللّه التوفيق.
فصل: ومن أحسن ما جاءَ عن السلف في الدعاء؛ ما حُكي عن الأوزاعيّ رحمه اللّه تعالى قال: خرج الناسُ يستسقون، فقام فيهم بلالُ بن سعد، فحمدَ اللّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: يا معشر مَن حضر! ألستم مقرِّين بالإِساءة؟ قالوا: بلى، فقال: اللَّهمّ إنّا سمعناك تقول: {ما عَلى المحْسِنِين مِنْ سَبيلٍ} [التوبة:91] وقد أقررنا بالإِساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟ اللَّهمّ اغفرْ لنا وارحمنا واسقنا، فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسُقوا. وفي معنى هذا أنشدوا:
أنا المُذْنبُ الخَطَّاءُ والعفوُ واسعٌ * ولو لم يكنْ ذنبٌ لما وقعَ العَفْوُ
بابُ رَفعِ اليدين في الدعاءِ ثم مَسْحِ الوَجْهِ بهما
1/1038 روينا في كتاب الترمذي، عن عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه قال:كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطَّهما حتى يمسحَ بهما وجهَه.
2/1039 وروينا في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي اللّه عنهما،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم نحوه، وفي إسناد كل واحد ضعفٌ. وأما قول الحافظ عبد الحق رحمه اللّه تعالى: إن الترمذي قال في الحديث الأوّل: إنه حديث صحيح، فليس في النسخ المعتمدة من الترمذي أنه صحيح، بل قال: حديث غريب.(45)
باب استحبابِ تَكريرِ الدُّعاء
1/1040 روينا في سنن أبي داود، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه:أنَّ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يُعجبُه أن يدعوَ ثلاثاً، ويستغفرَ ثلاثاً. (46)
بابُ الحثّ على حُضور القلب في الدُّعاء
اعلم أن مقصود الدعاء هو حضور القلب كما سبق بيانه، والدلائل عليه أكثر من أن تُحصر، والعلم به أوضح من أن يذكر، لكن نتبرّك بذكر حديث فيه.
1/1041 روينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه، قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ادْعُوا اللَّهَ وَأنْتُمْ مُوقِنُونَ بالإِجابَةِ، وَاعْلَمُوا أنَّ اللَّه تَعالى لا يَسْتَجِيبُ دُعاءً مِنْ قَلْبٍ غافِلٍ لاهٍ" إسنادُه فيه ضعف. (47)
بابُ فضلِ الدعاء بظهر الغيب
قال اللّه تعالى: {والَّذِينَ جاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُون: رَبَّنا اغْفِرْ لَنَا ولإِخْوانِنا الَّذين سَبَقُونا بالإِيمَانِ} [الحشر:10] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك وللمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ} [محمد:19] وقال تعالى إخباراً عن إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم: {رَبَّنا اغْفِرْ لي وَلِوَالِدَيَّ ولِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسابُ} [إبراهيم:41] وقال تعالى: إخباراً عن نوح صلى اللّه عليه وسلم: {رَبّ اغْفِرْ لي ولِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَللْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ} [نوح:28].
1/1042 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي الدرداء رضي اللّه تعالى عنه؛أنه سمعَ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلمٍ يَدْعُو لأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ إِلاَّ قَالَ المَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ" وفي رواية أخرى في صحيح مسلم عن أبي الدرداء أنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: "دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأخِيهِ بِظَهْرِ بالغَيْبِ مُسْتَجابَةٌ، عِنْدَ رأسهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّما دَعا لأخِيهِ بِخَيْرٍ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلِهِ" (48)
2/1043 وروينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أسْرَعُ الدُّعاءِ إجابَةً دَعْوَةُ غائِبٍ لِغائبٍ" ضعّفه الترمذي.(49)
بابُ استحباب الدعاءِ لمن أَحْسَنَ إليه، وصفة دُعائِه
هذا الباب فيه أشياء كثيرة تقدمت في مواضعها. ومن أحسنها:
1/1044 ما روينا في الترمذي، عن أُسامة بن زيد رضي اللّه تعالى عنهما، قال:قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَن صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقالَ لِفاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً، فَقَدْ أبْلَغَ في الثَّناءِ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقد قدّمنا قريباً في كتاب حفظ اللسان في الحديث الصحيح قوله صلى اللّه عليه وسلم: "وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكافِئُوهُ، فإنْ لَمْ تَجدُوا ما تُكافِئُونَهُ فادْعُوا لَهُ حتَّى تَرَوْا أنَّكُمْ قَدْ كافأْتُمُوهُ".(50)
باب استحباب طلب الدعاءِ من أهل الفضلِ وإن كان الطالبُ أفضل من المطلوبِ منه، والدعاء في المواضعِ الشريفة
اعلم أن الأحاديث في هذا الباب أكثرُ من أن تُحصر، وهو مجمعٌ عليه، ومن أدلّ ما يستدلّ به:
1/1045 ما روينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه قال:
استأذنتُ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في العمرة، فأذنَ وقال: "لا تَنْسَنا يا أُخَيَّ مِنْ دُعائِكَ" فقال كلمة ما يسرُّني أن لي بها الدنيا. وفي رواية قال: "أشْرِكَنا يا أُخَيُّ في دُعائِكَ"
قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقد ذكرناه في أذكار المسافر(51)
بابُ نهي المكلّفِ عن دعائه على نفسه وولده وخادمه وماله ونحوها
1/1046 روينا في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن جابر رضي اللّه تعالى عنه قال:قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا تَدْعُوا على أنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا على أوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا على خَدَمِكمْ، ولا تَدْعُوا على أمْوَالِكُمْ، لا تُوافِقُوا مِنَ اللَّهِ ساعَةً نِيْلَ فيها عَطاءٌ فَيُسْتَجابَ مِنْكُمْ".
قلتُ: نيل بكسر النون وإسكان الياء، ومعناه: ساعة إجابة يَنالُ الطالبُ فيها ويُعطى مطلوبَه.
وروى مسلم هذا الحديث في آخر صحيحه وقال فيه: "لا تَدْعُوا على أنْفُسِكُمْ وَلا تَدْعُوا على أوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا على أمْوَالِكُمْ، لا تُوافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَعَالى ساعَةً يُسألُ فيها عَطاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ".
(52)
بابُ الدليل على أنَّ دعاء المسلم يُجاب بمطلوبه أو غيره وأنه لا يستعجلُ الإِجابة
قال اللّه تعالى: {وَإِذَا سألَكَ عِبادِي عَنِّي فإني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعانِ} [البقرة:186] وقال تعالى: {ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].
1/1047 وروينا في كتاب الترمذي، عن عُبادة بن الصامت رضي اللّه تعالى عنه:أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "ما على وَجْهِ الأرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ تَعالى بِدَعْوَةٍ إلاَّ آتاهُ اللَّهُ إيَّاها، أوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَها ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ" فقال رجل من القوم: إذا نكثر، قال: "اللّه أكْثَرُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه الحاكم أبو عبد اللّه في المستدرك على الصحيحين من رواية أبي سعيد الخدري، وزاد فيه "أوْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَها".(53)
2/1048 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "يُسْتَجَابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولَ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لي".(54)