الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)
.فصل في حكم الحوز: ذكر خليل وغيره مسألة الحيازة آخر الشهادات لأنها مبينة لصاحبها على تصديق دعواه وتقدم عند قوله: والمدعي فيه له شرطان إلخ... أن الدعوى في مسألة الحيازة تسمع ويكلف المطلوب بجوابها لعله يقر أو ينكر فيحلف، وقولهم: لا تسمع دعواه ولا بينته إلخ... معناه لا تسمع سماعاً يوجب قبول بينة لا أنه لا يؤمر بالجواب بل يؤمر به كما مرَّ. وتقدم أيضاً أن الدعاوى التي كلها توجب اليمين بدون خلطة على المعمول به، ولا يستثنى من ذلك إلا الدعاوى التي فيها معرة كدعوى السرقة والغصب على من لا يليق به ذلك فيؤدب المدعي ولا يمين على المطلوب واعلم أن الحيازة على قسمين حيازة مع جهل أصل الملك لمن هو، وحيازة مع علم أصل الملك لمن هو فالأولى يكفي فيها عشرة أشهر فأكثر كان المحوز عقاراً أو غيره، والثانية لابد فيها من عشر سنين فأكثر في العقار، أو عامين فأكثر في الدواب والعبيد والثياب كما يأتي، وكل من الحيازتين لابد في الشهادة به من ذكر اليد وتصرف الحائز تصرف المالك في ملكه والنسبة وعدم المنازع، وطول المدة عشرة أشهر في الأولى وعشر سنين في الثانية وعدم التفويت في علمهم فلا تقبل الشهادة مع فقد هذه الأمور أو واحد منها على المعمول به إلا إن كان من أهل العلم كما بيناه في حاشية اللامية، وهل يشترط زيادة مال من أمواله.ابن عرفة: وفي لغو شهادة الشاهد في دار بأنها ملك فلان حتى يقول ومال من أمواله وقبولها مطلقاً: ثالثها: إن كان الشهود لهم نباهة ويقظة الأول لابن سهل عن مالك قائلاً: شاهدت القضاء به. اهـ. وكيفية وثيقة ذلك أن تقول: يشهد الواضع شكله إثره بمعرفته لفلان ومعها يشهد بأنه كان بيده وعلى ملكه مالاً من أمواله وملكاً خالصاً من جملة أملاكه جميع كذا المحدود بكذا يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه وينسبه لنفسه، والناس إليه من غير علم منازع ولا معارض مدة من عشرة أشهر أو عشر سنين، ولا يعلمون أنها خرجت عن ملكه إلى الآن أو إلى أن تعدى عليها فلان أو إلى أن غاب أو إلى أن توفي وتركها لمن أحاط بميراثه إلخ... فإذا أثبتت هذه الوثيقة هكذا وأعذر فيها للمقوم عليه فلم يجد مطعناً فلا إشكال أنها تدل دلالة ظنية على أن الملك لهذا القائم ولا تفيد القطع لأن الشهادات من حيث هي إنما تفيد غلبة الظن فقط، وهو معنى قولهم: إنما تعمل فيما جهل أصل ملكه لأن أصل الملك لمن هو مجهول عندنا حتى شهدت به البينة لهذا القائم، وحينئذ فيقضى له به حيث لا مطعن بعد أن يسأل الحائز أولاً هل لك حجة، ولعله يقر بأن الملك للقائم وأنه دخل بكراء أو عارية فإن قال: حوزي وملكي وبيدي وأثبت حيازة ذلك عنه عشر سنين في الأصول أو عامين في غيرها بالقيود المذكورة أيضاً من اليد والنسبة ودعوى الملك والتصرف وعدم المنازع إلخ... والحال أن القائم حاضر ساكت بلا مانع إلخ... فقد سقط حق القائم وتبقى الأملاك بيد حائزها ولا يكلف ببيان وجه تملكه ولا غير ذلك كما يأتي، وبالجملة فمهما ثبتت الحيازة عشرة أشهر فأكثر بالقيود المذكورة أولاً لا تقطعها الحيازة الواقعة بعدها إلا أن تكون عشر سنين فأكثر بالقيود المذكورة أيضاً، وهو معنى قولهم: حيازة عشرة أعوام مع علم أصل الملك لمن هو عامله أي لأنها قطعت حجة القائم مع علم أصل ملكه ومحل قطعها لذلك إذا لم يعلم أصل مدخله أما إذا علم ككونه دخل بكراء من القائم أو إسكان أو مساقاة ونحو ذلك فإنها لا تقطعها ولو طالت، وهذه الثانية هي مقصود الناظم في هذا الفصل، وأما الأولى فلم يتكلم عليها وتكلم عليهما معاً (خ) فقال في الأولى: وصحة الملك بالتصرف وعدم منازع وحوز طال كعشرة أشهر وأنها لم تخرج عن ملكه في علمهم إلخ. وقال في الثانية: وإن حاز أجنبي غير شريك وتصرف ثم ادعى حاضر ساكت بلا مانع عشر سنين لم تسمع بينته إلا بإسكان ونحوه، وقد علمت من هذا أن أصل الملك وأصل المدخل شيئان متغايران وهما وإن كان كل منهما يشترط جهله لكن الأول شرط في قبول بينة القائم إذ هي لا تقبل إلا إذا لم يعلم أن أصل ذلك الملك لغيره. والثاني شرط في إعمال حيازة المقوم عليه إذ لا يعمل بحيازته إلا إذا جهل أصل مدخله، أما إذا علم بإسكان ونحوه فإنها لا تنقطع حجة الأول بل هي حينئذ كالعدم، وانظر الكلام على القيود المذكورة من اليد والنسبة وغيرهما في حاشيتنا على اللامية. واعلم أيضاً أن الناظم قدم الكلام أولاً على الحيازة القاطعة لحجة القائم ثم فرع عليها مسائل:الأولى: أن يثبت القائم أصل مدخل الحائز من إسكان ونحوه.الثانية: أن يدعي الحائزان القائم تبرع عليه بذلك المحوز أو اشتراء منه.الثالثة: أن يثبت القائم الشراء من الحائز فيدعي الحائز الإقالة ثم الحائز إما أجنبي من القائم أو قريب جداً كالأب مع ابنه ولم يتكلم عليه الناظم، وسيأتي عن (خ) أن الحيازة بينهما إنما تكون في المدة الطويلة التي ينقطع فيها العلم أو تهلك فيها البينات وإما قريب لا جداً كالإخوة والأعمام والأصهار والموالي وهو ما يأتي في قوله: والأقربون حوزهم مختلف إلخ... وفي كل إما أن يكون بين القائم والمقوم عليه شركة أم لا فأشار إلى القسم الأول بقوله:(والأجنبي) شريك أو غيره (إن يحز أصلاً) كأرض ودار ونحوهما يتصرف فيه وينسبه لنفسه من غير منازع إلخ. والقائم حاضر عالم بالغ رشيد لم يمنعه من القيام مانع، وسواء كان تصرفه بالازدراع والسكنى والاستغلال في جميع العشر أو في أول جزء منها، أو كان يبور الأرض سنة ويزرعها أخرى، وأحرى تصرفه بالهدم والبناء الغرس، وهذا في غير الشريك، وأما الأجنبي الشريك فلابد أن يكون تصرفه بالهدم والبناء أو الغرس وإلاَّ لم يعتبر. (خ) كشريك أجنبي حاز فيها إن هدم وبنى (بحق) أي بوجه شرعي احترازاً مما إذا حازه بغصب أو تعد أو كان معروفاً بذلك فإن حيازته كالعدم، وإن سكت القائم بعد زوال سلطة الغاصب وقهره فإن سكوته لا يضره إلا أن يفوته الغاصب ببيع أو غيره بعد زوال سلطنته، أو يموت فيقسم ورثته المال بحضرته فلا شيء له كما في المعين والمقصد المحمود وغيرهما، ويدخل في الشرعي ما إذا قال: اشتريت منه أو من أبيه أو وهبه لي على ما يأتي أو ورثته أو اشتريته من فلان ولا أدري بأي وجه صار إلى الذي ورثته عنه أو اشتريته منه، وما إذا لم يقل شيئاً من ذلك كله كما هو ظاهره إذ الحائز لا يكلف ببيان وجه ملكه وبأي سبب صار له لأنه يقول: ملكته بأمر لا أريد إظهاره كما اقتصر عليه ابن يونس، وكما لابن أبي زمنين وغيره خلافاً لما جزم به ابن رشد من أنه لابد من بيان سبب ملكه من شراء أو إرث قال: وأما مجرد دعوى الملك دون أن يدعي شيئاً من هذا فلا ينتفع به مع الحيازة إذا ثبت أصل الملك لغيره. اهـ. وهو وإن اقتصر عليه (ت) هاهنا فإنه خلاف الراجح المعمول به كما يأتي، اللهم إن كان معروفاً بالغصب والاستطالة فلابد أن يبين بأي وجه صار إليه ولا ينفعه قوله: اشتريته من القائم أو غيره أو ورثته بل لابد من إثباته ذلك فإن لم يثبته فعليه الكراء في جميع المدة التي كان بيده بما يقوله أهل المعرفة قاله في الوثائق المجموعة. وقال أيضاً: إن عرف أن دخوله كان بباطل لم ينفعه طول الحيازة وإن ادعى شراءه إلا أن يطول ذلك نحو الخمسين سنة ونحوها والقائم حاضر لا يغير ولا يدعي شيئاً.تنبيهان:الأول: لما قال ابن رشد مجرد الحيازة لا ينقل الملك اتفاقاً ولكن يدل عليه كالعفاص والوكاء في اللقطة قال ابن رحال في شرحه عقبه: هو عندي غير صحيح بل ينقل الملك ونقل على ذلك أنقالاً ثم قال: وإن أراد ابن رشد أن الملك لا يقطع بنقله كما قاله ابن عرفة وغيره فلا خصوصية للحيازة بل كذلك الإرث والشهادة الصريحة وغير ذلك. اهـ. باختصار.قلت: ولكن مراد ابن رشد هو ما قاله ثانياً من أنه لا يقطع بنقله بدليل قوله: ولكن يدل عليه كما نبينه إن شاء الله عند قوله: أو يدعي حصوله تبرعاً إلخ... وحينئذ فلا وجه لاعتراض الشيخ الرهوني على ابن رحال لأن ابن رحال إنما أجال الأمر والنظر بين أن يقول أراد لا ينقله فلا يصح وبين أن يريد لا يقطع بنقله فهو صحيح ولكن لا خصوصية لها.الثاني: تقدم أن الشريك الأجنبي لا يعتبر تصرفه إلا بالهدم أو البناء والغرس، وأما الأجنبي الذي ليس بشريك فهل الهدم والبناء والغرس حوز في حقه من حينه ووقته وإن لم تمض العشر سنين ولا ما دونها أو لا يكون حوزاً إلا بمضي العشر؟ قولان لابن الماجشون وابن القاسم. والأول هو الذي اعتمده شراح الرسالة كابن عمر وابن ناجي، وكذا أبو محمد صالح عليها قائلاً هذا إذا لم يحدث في العشر سنين بناء ولا غرساً أو هدماً، وإن أحدث فيها شيئاً من ذلك فإن ذلك يسقط كلام المدعي بنفس الفعل يعني إن لم ينكر بمجرد علمه إلخ... ونحوه في ابن يونس قال ابن رحال: وكونه حوزاً من حينه ووقته هو الذي يظهر لا غير. اهـ.قلت: بل هو الذي يجب اعتماده لكثرة المشاحة وعدم المسامحة في البناء والغرس في هذا الزمان، وإن كان مذهب ابن القاسم أنه لابد من العشر وهذا إذا هدم صحيحاً له قدر وبال ليتوسع فيه أو يبني غيره مكانه أو ليزيده مسكناً آخر لا أن هدمه لخوف سقوط أو لأجل إصلاح حق فإن ذلك لا يسقط حق القائم ولو مضت العشر أو أكثر لأن رب الدار يأمر المكتري بأن يصلح من كرائها.(عشر سنين) ظرف لقوله إن يحز، وظاهره أنه لابد منها ولا يكفي ما دونها من ثمان أو تسع وهو كذلك على المعمول به، ابن عرفة عن ابن القاسم: وما قارب العشر هو مثلها. ابن رشد: يريد بما قارب الشهر والشهرين وما هو ثلث العام فأقل. اهـ. (فالتملك) مبتدأ (استحق) خبره وضميره للحائز عشر سنين والجملة خبراً لأجنبي. (وانقطعت حجة مدعيه) الذي أثبت أنه كان يملكه قبل هذا عشرة أشهر فأكثر ولو مائة سنة فلا تقبل دعواه ولا بينته وإن سلمت من الطعن (مع الحضور) ظرف ليحز أيضاً أي مع حضور القائم في جميع العشر فإن حضر خمساً أو ثمانياً وغاب الباقي فهو على حقه كما يفيده كلام ابن مرزوق وغيره، فإن تكرر قدومه وسفره فلا حق له انظر ابن سلمون. فقوله: مع الحضور أو ومع علمه بأنه ملكه وبأنه يتصرف فيه وينسبه لنفسه ملكاً كما في القلشاني وأبي الحسن، واستغنى الناظم بالحضور عن العلم بما ذكر لأنه إذا لم يعلم بذلك فكأنه غير حاضر (عن خصام) يتعلق بمحذوف حال أي حال كونه ساكتاً عن خصام (فيه) ولا مانع يمنعه منه لأنه إذا كان هناك مانع فهو غير ساكت حكماً إذ لا يشترط الشيء إلا مع إمكان وجوده فقوله: إن يحز إلخ. حذف متعلقه أي إن يحز بتصرف مع نسبته إليه كما قررنا، وكما فسر به ربيعة قوله عليه الصلاة السلام (من حاز شيئاً عشر سنين فهو له) قال ربيعة: معنى ذلك إذا كان الحائز ينسب ذلك لنفسه بحضرة المدعي أي ولو مرة واحدة فصار تقدير كلام الناظم هكذا: والأجنبي إن يحز أصلاً بتصرفه فيه ونسبته إليه مع حضور القائم وعلمه بأنه ملكه وبأنه يتصرف فيه حال كونه ساكتاً عن خصام فيه ولا مانع يمنعه عشر سنين فالتملك استحق إلخ. وقوله أصلاً احترز به من غير الأصل فإنه سيأتي الكلام عليه في قوله: وفي سوى الأصل حوز الناس إلخ.وقوله: بحق احترز به من الحوز بغصب أو تعد كما مرّ. وقوله: مع الحضور احترز به عما إذا كان غائباً على أربعة أيام فما فوقها إلخ. كما يأتي في قوله: وقائم ذو غيبة بعيدة إلخ. فإنه لا يسقط حقه ولو كان عالماً بالحيازة ويصدق في دعواه أنه كان عاجزاً عن القدوم والتوكيل وإن لم يعرف إلا من قوله على المذهب، وتقدم في الشفعة أن المرأة والرجل الضعيف في معنى الغائب، وكذا السفيه وغير العالم بأنه ملكه أو بأنه يتصرف فيه فإن الحيازة لا تعمل عليها إلا بعد أن يرشد السفيه أو يعلم غيره وتحاز عليهما الأملاك عشرة أعوام من يوم الرشد والعلم وهما ساكتان بلا مانع، وأما الغيبة القريبة كاليومين فهو كالحاضر. ابن رشد: وهو محمول على عدم العلم بالحيازة حيث يثبت علمه وكذلك الحاضر في البلد فإنه محمول على عدم العلم أيضاً قال (ح) عن ابن ناجي ونحوه تقدم في الشفعة. وقوله: عن خصام فيه احترز به عما إذا خاصم فإن حقه لا يسقط كما يأتي في قوله: والمدعي إن أثبت النزاع مع إلخ.وظاهره كظاهر (خ) ولو مرة في أي وقت من العشر سنين وهو ظاهر الوثائق المجموعة والفشتالي وغيرهما حيث قالوا: لا يعلمونه نازعه في ذلك طول المدة المذكورة وهو الذي يجب اعتماده لأن ماهية النزاع تحصل بالمرة الواحدة وبها يختل السكوت المشترط في قطع حجة القائم وبوجود المنازعة مرة تنخرم ماهية الحيازة خلافاً لما في القلشاني وابن سلمون عن سحنون من أنه لا تنفعه في المنازعة مرة أو مرتين، بل حتى يتكرر ذلك منه مراراً فإنه لا يعول عليه كما لابن رحال في شرحه وحاشيته، واعتراض الشيخ الرهوني عليه بما لسحنون خلاف ما أطبق عليه أهل التوثيق إذ لو كان يشترط التكرار لقالوا: لا يعلمون تكرار نزاع فيه، ولقال الناظم: وغيره ساكت عن تكرر خصام فيه، وهكذا مع أنهم لم يقولوه فدل ذلك على عدم اشتراطه، نعم إذا سكت عشر سنين بعد المنازعة فإنه يسقط حقه وظاهر كلامهم أيضاً أن مجرد النزاع كاف ولو لم يكن عند القاضي وهو كذلك خلافاً لما في ابن عمر من أن المنازعة إذا لم تكن عند القاضي لم ينتفع بها فإنه لا يعول عليه أيضاً، وإن زعم الشيخ الرهوني أيضاً أنه الراجح إذ لا دليل له على رجحانه. وظاهر كلام الرسالة وغيرها خلافه، وعليه اقتصر الزرقاني وغيره ومن تتبع كلامهم وجدهم أطلقوا ولم يقيدوا بكونها عند القاضي أو عند غيره وإطلاقهم حجة، واحترز به أيضاً مما إذا كان هناك مانع منعه من الخصام كصغر أو سفه وللحائز عليه دين أو كون الحائز ذا سطوة أو استناد لذي سطوة كما مرَّ أو كانت الحيازة في محل لا تناله الأحكام أو كان المحوز عليه امرأة ذات زوج غيور عليها شديد الضبط لها مانع لها من الخروج كما في المتيطية، فإنه مع وجود واحد من هذه الأمور غير ساكت ولا يسقط حقه إلا أن يقيم الحائز بينة بالسماع أنه اشتراها من القائم أو أبيه وقد حازها عشر سنين، فإنه يسقط حق القائم ولو مع العذر المذكور كما مر في شهادات السماع.وأما إن قال: جهلت أن الحيازة تلك المدة تقطع البينة فإنه لا يعذر بذلك لأن العرف يكذبه كما قاله الجزولي والعبدوسي فإن قال: إنما تركت القيام لاشتغالي بالخدمة غدواً ورواحاً فقال ابن زرب: إذا ثبت أنه كان يشهد الشهود أنه غير تارك لحقه فله القيام قاله في نوازل الضرر من المعيار، وظاهره ولو كان يشهدهم بغير حضرة الحائز وأنه لا يحتاج إلى إثبات التقية من سطوة الحائز ونحو ذلك وفيه دليل لما تقدم من أن المنازعة عند غير القاضي كافية لأن هذا انتفع بإشهاد الشهود على عدم تركه لحقه فكيف لا ينتفع بالمنازعة عند غير القاضي من جماعة المسلمين أو محتسب أو قائد إذ لا أقل أن يكون هؤلاء بمنزلة الشهود الذين يشهدهم على عدم ترك حقه، وأما إن قال: كنت عالماً بأنه ملكي وبتصرف الحائز ولكن سكت لغيبة شهودي أو لعدم وجود رسمي، والآن وجدت ذلك فأردت القيام فالذي نقله العلمي عن الوانشريسي في شرحه لابن الحاجب أن الصواب قبول عذره.قال: وبه الحكم والقضاء. اهـ. وكذا قال ابن رحال في شرحه الحق أنه يقبل قوله مع يمينه قال: وتصويب ابن ناجي عدم القبول غير ظاهر. اهـ. وسيأتي أول الاستحقاق أن الإنسان إذا اشترى شيئاً وهو يرى أنه لا بينة له ثم وجدها أن له القيام ويأخذ الثمن من البائع، وقد أطال الشيخ الرهوني في الانتصار لقبول عذره في باب الفلس عند قول (خ): وإن ظهر دين إلخ. وكلام الوانشريسي الذي صرح فيه بأنه به الحكم كاف في ذلك وإن كان هو أعني الوانشريسي بحث في الكراس الثالث من معاوضات معياره مع ابن الحاج الذي جعل غيبة الرسم عذراً قائلاً: إنما يكون عذراً إذا لم يعلم بأنه ملكه حتى وجد الرسم وإلاَّ فلا يكون عذراً. اهـ. باختصار، ولكن المعول عليه أنه عذر كما ترى وبه يبطل قول (ت) هاهنا. ولا جهالة بدين في الأصح إلخ. بل مغيب الشاهد والرسم كلاهما عذر كما ترى وكذا الجهالة بهما يعني هل له رسم على ذلك أم لا؟ وهل يجد من يشهد له أنه ملكه أم لا؟ والعجب منه كيف اقتصر عند قوله: وإن يكن مدعياً إقالة إلخ. على كلام ابن الحاج وقال: إنه صحيح مع أن ابن الحاج يقول: إن غيبة الشاهد والرسم عذر. وقوله: ليس من المانع جهل الحكم إلخ. يعني: جهل كون الحيازة قاطعة لحجته كما تقدم عن الجزولي وغيره. وأما جهل كونه ملكاً له فإنه عذر بعد يمينه على المشهور كما مرَّ، وانظر ما قدمته آخر بيع الفضولي ولا بد. واعلم أن مدة الحيازة تلفق بين الوارث والموروث، فإذا تصرف الموروث خمساً بالقيود المذكورة ومات ثم تصرف وارثه خمساً أيضاً فإن ذلك قاطع لحجة القائم كما لابن رشد وغيره وما في المعيار من أنها لا تلفق لا يعول عليه ولا يلتفت إليه، وكما تلفق الحيازة من وارث وموروث كذلك يلفق السكوت من وارث وموروث أيضاً كما في الدر النثير عن أبي الحسن قائلاً: إن الحيازة التي تشهد بنقل الملك لمن ادعاه كما يحكم بها على ساكت واحد كذلك يحكم بها ملفقة من سكوت وارث وموروث. اهـ. ثم أشار الناظم إلى المسألة الأولى من المسائل التي فرعها على الحيازة القاطعة فقال مستثنياً من قوله: فالتملك استحق. وانقطعت حجة مدعيه إلخ. (إلا إذا أثبت) القائم (حوزاً بالكرا) أي أثبت بالبينة أو الإقرار أن ابتداء حوز الحائز إنما كان بسبب الكراء منه أو من أبيه (أو ما يضاهيه) أي الكراء كالإسكان مجاناً والمساقاة والعمرى والعارية والغصب ونحو ذلك (ف) بإن حوز الحائز عشر سنين فأكثر بالقيود المتقدمة (لن يعتبرا) لأنه قد علم حينئذ أن أصل مدخله الكراء ونحوه فلا تنفعه حيازته، وهو معنى قولهم: إذا أثبت أصل المدخل ببينة أو إقرار فلا حيازة، وتارة يقولون: إنما تنفع الحيازة إذا جهل أصل المدخل هل بكراء ونحوه أو بشراء ونحوه، أما إذا علم فإن كان بكراء ونحوه لم ينتفع به حتى يأتي بأمر محقق من شراء أو هبة أو صدقة من القائم أو أبيه، وظاهره أنه لا تنفعه الحيازة مع علم أصل المدخل ولو طالت كالخمسين سنة وليس كذلك، بل صرح ابن فرحون وصاحب الوثائق المجموعة بأنها إن طالت الخمسين سنة ونحوها والقائم حاضر لا يغير ولا يدعي شيئاً فإنها تنفعه وإن لم يثبت ابتياعاً ولا صدقة ونحوه لابن رشد كما في حاشية الشيخ بناني. ثم أشار إلى المسألة الثانية من المسائل المفرعة عاطفاً على الاستثناء فقال: (أو يدعي) الحائز عشر سنين فأكثر (حصوله) أي الشيء المحوز بيده (تبرعا) بهبة أو صدقة. (من قائم) أو موروثه (فليثبتن) الحائز (ما ادعا) ه من التبرع ويتم ملكه. (أو يحلف القائم) إن لم يثبت ذلك ويأخذ شيئه بخلاف ما لو ادعى الحائز الشراء من القائم أو موروثه فإنه لا يكلف إثباته ويصدق في أنه اشتراه مع يمينه كما قال: (واليمين له) أي للقائم على الحائز (إن ادعى) الحائز (الشراء منه) أي من القائم (معمله) هذا وكأن الناظم يقول الحائز عشر سنين إن أقر بما لا ينقل الملك كالإسكان ونحوه لم ينتفع بحيازته، وإن أقر بما ينقله كالهبة والشراء ففيه تفصيل فينتفع بالحيازة والشراء دون الهبة، ولكن ما ذكره من التفرقة والتفصيل بين الهبة والشراء خلاف المعتمد كما مرَّ عن ابن رشد ونحوه لابن يونس قائلاً: الصواب لا فرق بين البيع والهبة ونحوه في التوضيح، وما ذاك إلا لكون الحيازة عشر سنين كقيام البينة على انتقال الملك إلى الحائز بشراء ونحوه سواء كان الحائز هو البائع أو غيره كما هو ظاهر النظم وغيره، ولهذا كان لا يكلف الحائز ببيان وجه ملكه للشيء المحوز على الراجح المعمول به كما مرَّ، لكن إن وقع ونزل وبين وجهه فإن بينه بما لا ينقل الملك أو قامت بينة به فهو قوله: إلا إذا أثبت حوزاً بالكراء وإن بينه بما ينقله من صدقة أو شراء ونحوهما فقوله مقبول بيمينه كما لابن رشد وغيره، وسواء قال: اشتريته منك أو من وكيلك ولا يكلف بإثبات الوكالة خلافاً لما في ابن سلمون وأقضية المعيار، لأن الحيازة دليل على نقل الملك إليه بالوجه الشرعي كما مر، وعليه فكان حق الناظم أن يحذف قوله: أو يدعي حصوله تبرعاً. البيتين. لأنه إنما يتمشى على قول من يقول إنه يكلف ببيان وجه ملكه، اللهم إلا أن يقال إنه تبرع بالبيان من غير تكلف كما قررنا.تنبيه:ما تقدم من أنه لا يكلف ببيان وجه ملكه هو الذي اقتصر عليه ابن سلمون وغيره في وثيقة الاعتمار ونحوه في نوازل العلمي قائلاً: لا يسأل الحائز عن شيء وارثاً كان أو غيره. قال ابن رحال في شرحه: وهو الذي به العمل.قلت: ولا زال العمل عليه إلى الآن، وعليه فلا يلتفت إلى ما قاله الشيخ الرهوني من أن الراجح هو تكليفه ببيان وجه ملكه إذ هو مخالف للمعمول به، وقول ابن رشد مجرد الحيازة لا ينقل الملك إلخ. يعني في نفس الأمر وفيما بينه وبين الله بدليل قوله متصلاً به، ولكن يدل على الملك كإرخاء الستر ومعرفة العفاص والوكاء في اللقطة، وقول ابن رحال في شرحه وحاشيته هاهنا: بل ينقل الملك للحائز عند وجود الشروط إلخ. يعني يقضى له بذلك في الظاهر، وهو معنى قول ابن رشد ولكن يدل على الملك إلخ. وإذا كانت تدل على نقل الملك وتوجب القضاء به في الظاهر فلا وجه لتكليفه ببيان وجه ملكه، وإنما يحسن تكليفه بالبيان على القول الذي يفصل بين الهبة والشراء لأنه حينئذ إذا ادعى الهبة يكلف بإثباتها، وقد علمت أنه خلاف المعتمد، وبعد كتبي هذا وقفت على أن أبا الحسن قال بعد ذكره الخلاف في تكليفه بالبيان ما نصه: ولعل القائل بالتفصيل بين البيع والهبة هو الذي يقول يكشف عن وجه ملكه، وأما القائل بأن البيع والهبة سواء فلا فائدة في كشفه. اهـ. وقال ابن رحال أيضاً: ظاهر قول (خ): لم تسمع ولا بينة إلخ. ادعى الحائز أن الحوز حصل له من القائم ببيع أو هبة أو لم يدع ذلك وهو كذلك كما رأيته من تصويب ابن يونس. اهـ. وهذا كله إذا ادعى الحائز أنه ملكه، وأما إن ادعى أنه حوزه فقط فلا إشكال أنه لا ينفعه ذلك. (و) إذا قبل قول الحائز في الشراء بيمينه فلابد أن (يثبت الدفع) للثمن فيبرأ منه (وإلا) يثبته ف (الطالب له) أي عليه (اليمين) ما قبضه ولا شيئاً منه (والتقضي) أي قضاء الثمن ودفعه للطالب (لازب) أي لازم للحائز ويدفع من الثمن ما أشبه أن يكون ثمناً وإلاَّ فالقيمة ولا يسقط عنه إلا أن يطول إلى الأمد الذي لا يتابع الناس إلى مثله قاله المشاور، وفيه دليل على أن الشهادة بالشراء دون تسمية قدر الثمن صحيحة تامة كما مر عند قوله: ومن لطالب بحق شهدا إلخ. وبيانه أن البينة هناك شهدت بأصل الشراء لا بالثمن والحيازة هنا دلت على الشراء لا على قدر الثمن، فكما قالوا هنا يصح البيع ويدفع ما أشبه من الثمن أو القيمة، فكذلك ينبغي أن يقال هناك كما مر. ثمَّ لا يقال كيف يمكن القائم من الثمن وهو لا يدعيه، لأنا نقول إنما يمكن إذا رجع إلى تصديق المشتري المدعي للحيازة كما في (ح) عن ابن رشد. قلت: وأيضاً فإن المتبايعين إذا اختلفا في عقد البيع وأثبته المشتري أو حلف ونكل البائع فإنه يأخذ الثمن وإن كان لا يدعيه.تنبيه:ما ذكره الناظم من أنه يثبت الدفع للثمن إنما يتمشى على قول ابن القاسم القائل: يصدق البائع في عدم قبضه إلى عشرين سنة لا على قول غيره الذي تقدم صدر البيوع أنه المعتمد وعرف الناس اليوم عليه لأن مضي العام والعامين يدل على دفعه فكيف يمضي العشر ما لم يكتب الثمن في كتاب، وإِلاَّ فيجري على حيازة الدين المتقدمة هناك أيضاً كما لأبي الحسن وغيره. ثم أشار إلى المسألة الثالثة المفرعة على قطع حجة القائم فقال: (وإن يكن) الحائز (مدعياً إقالة) من القائم الذي أثبت الشراء من الحائز (فمع يمينه) أي الحائز (له المقالة) فهو كقول ابن سلمون عن ابن الحاج: لو قال الحائز أقلتني فيها بعد أن بعتها منك لكان القول قوله مع يمينه وتبقى الأملاك بيده. اهـ. وقال قبل ذلك: ولو قال القائم إني اشتريتها ثم أعرتك إياها أو أكريتها منك ولذلك لم أقم بها عليك لكان أبين في أن يحلف إذا استظهر بوثيقة الشراء ويأخذها. اهـ. فظاهره أنه يأخذها وإن لم يدع غيبة الوثيقة وليس كذلك كما يأتي قريباً فيجب حمله على ما إذا ادعى مع ذلك غيبتها، وقد علمت أن الإقالة بيع فهذا حينئذ داخل في البيت الذي قبله يليه فلو حذفه ما ضره، ثم لا مفهوم لقوله مدعياً إقالة بل كذلك إذا لم يدع شراء ولا غيره، وإنما قال: هو حوزي وملكي أو ورثته من أبي وهذه مدة الحيازة على عينك وأنت حاضر عالم إلخ. كما مر قريباً من أنه لا يكلف ببيان وجه ملكه، وكما يأتي أيضاً ويحمل الأمر على أنها رجعت للحائز بهبة أو شراء أو إقالة كما صرح بذلك ابن جزي في تكملته، ونقله ابن رحال وشارح نظم العمل عند قوله: لا يوجب الملك عقود الأشرية إلخ. قال: ويوافقه كلام ابن الحاج لأنه إنما جعل القيام للمشتري على البائع بعد مدة الحيازة وهو بيد البائع إذا قال: إنما سكت لكوني لم أجد وثيقة الشراء أما لو لم يعتذر بذلك لم يقض له بأخذ الأملاك من يد البائع. اهـ. وما نقل عن العبدوسي مما يخالفه لا يعول عليه لأن ظاهره ولو ادعى البائع إقالة أو شراء أو نحوهما فإن المشتري يأخذه من يده وهو مخالف لما للناظم وغيره الذي تلقى غير واحد بالقبول وسلموا له هذا الفرع، وما للعبدوسي لعله مبني على ما يأتي عن ابن رشد في حيازة الأقارب، وسيأتي ما فيه بل لو لم يدع شيئاً لم يضره كما مرَّ وفي دعاوى المعيار عن ابن لب قال في أثناء جواب له ما نصه: ولأن العادة تقضي أن المشتري لا يدفع الثمن ويبقى الشيء المشترى بيد البائع السنتين والثلاث، إذ من المعلوم في ذلك الاستهلاك والتغيير وذهاب الغلة. اهـ. وإذا كان هذا في السنتين والثلاث فكيف بمن بقي بيده مدة الحيازة؟ وقال ابن يونس مستدلاً على أن الحيازة تنقل الملك ما نصه: ولما كان الإنسان في أغلب الأحوال لا يحاز عنه شيئه ويرى الحائز يتصرف فيه تصرف المالك دل ذلك على أنه خرج عن ملكه فإذا قام يطالبه ويقيم البينة أن ذلك له صار مدعياً لغير العرف فلم يقبل قوله. اهـ. فلم يفرق بين كون الحائز هو البائع أو غيره ولا بين كونه ادعى بيعاً ونحوه أو لم يدع شيئاً والأنقال في مثل هذا كثيرة.تنبيه:علم مما مر أن قولهم عقود الأشرية لا تفيد الملك ولا ينتزع بها من يد حائز محله إذا لم يكن الحائز هو البائع وإلا فينتزع بها من يده إذا لم تطل مدة الحيازة العشر سنتين فأكثر، وإلاَّ فلا ينتزع بها من يد البائع كما مر فشدّ يدك عليه لأن الموافق للنقل في النظم وغيره، ولا تلتفت إلى ما سواه ولا يتجه اعتراض الوانشريسي على ابن الحاج لأن ابن الحاج إنما جعل له القيام مع الاعتذار بعدم وجود الوثيقة، فجعل عدم وجودها من موانع القيام كالصغر والسفه كما تقدم والله أعلم. وإنما قلنا لأنه الموافق للنقل لما مرّ لأن صاحب المعيار بنفسه قال في أثناء جوابه ما نصه: وأما مجرد الحيازة من غير تعرض لضميمه دعوى الملك في المحوز بوجه من وجوه النقل من شراء أو هبة أو صدقة فلا تنقل الملك عن المحوز عنه إلى الحائز. اهـ. وهو تابع في ذلك لابن رشد القائل: إن الحائز يكلف ببيان وجه ملكه كما يأتي، وتقدم أن العمل على خلافه وأنه إنما يحسن البيان إذا كان هنا فرق بين الهبة وغيرها ولم يفرق ابن رشد ولا غيره في دعوى الإقالة والشراء بين كونهما من بائع أو غيره، وإذا كان كذلك فالبائع إذا ادعى الشراء أو الإقالة فقوله مقبول كما ترى في النظم وغيره، بل وكذا إن ادعى الهبة كما ترى أيضاً في كلام ابن رشد وغيره، وإنما يبقى الكلام إذا لم يدع الجائز ولو بائعاً شيئاً، وتقدم أن العمل على عدم كشفه والله أعلم. والعجب منهم كيف جعلوا كلام ابن الحاج مفيداً لكون عقود الأشرية تفيد الملك وصاروا يتكلمون معه من هذه الحيثية، فمنهم من يقول: إن كلامه صحيح لأنها تفيد الملك إذا كان البائع هو الحائز لا غيره، ومنهم من يقول كالوانشريسي: أنها تفيد الملك مع أن ابن الحاج إنما جعل القيام للمشتري على البائع الحائز بسبب دعواه عدم وجود الوثيقة كما مر، وأيضاً فإن ما في النظم من دعوى الإقالة هو لابن الحاج أيضاً، فلو كانت عقود الأشرية عنده تفيد الملك وينتزع بها من يد البائع ما صدقه في دعوى الإقالة. ولما قدم أن العشر سنين لابد منها للحديث المتقدم ذكر أن ما قاربها من تسع سنين أو ثمانية بعطى حكمها فقال: (والتسع) سنين (كالعشر) المتقدم ذكرها (لدى) عند (ابن القاسم أو الثمان) كذلك عنده (في انقطاع) حق (القائم). ولكن المعمول هو العشر كما مر. (والمدعي إن أثبت النزاع مع خصيمه في مدة الحوز) التي هي العشر سنين (انتفع) بذلك وظاهره ولو نازعه مرة واحدة ولو عند غير القاضي وهو كذلك ما مرّ وكما هو ظاهر (خ) حيث جعل عشر سنين ظرفاً لحاضر ساكت بلا مانع إلخ. فتتنازعه العوامل الثلاثة. (وقائم ذو غيبة بعيدة) عن محل الحوز (حجته باقية مفيدة) وظاهره ولو غاب بعد الحيازة عليه ست سنين أو ثمان سنين لأنه يصدق عليه أنه لم تجز عليه عشر سنين إذ ما بعد الغيبة لا يحسب عليه وهو كذلك كما يفيده ابن مرزوق وكما يفيده جعل (ح) عشر سنين ظرفاً لحاضر وهذا ما لم يتكرر قدومه وسفره كما مرّ. (والبعد كالسبع) مراحل (وكالثمان) وظاهر بلغه العلم بالحيازة عليه أم لا كانت الحيازة عليه بالهدم والبناء أو بالاستغلال والسكنى ثبت عجزه عن القدوم والتوكيل أم لا، وهو كذلك اتفاقاً (وفي) انقطاع حجته في الغيبة (التي توسطت) كالثلاثة والأربعة فما فوقها إلى السبع (قولان) أولهما لابن حبيب وابن القاسم أنه يسقط حقه إذا لم يثبت عجزه عن القدوم أو التوكيل، وثانيهما لابن القاسم أيضاً لأنه لا يسقط حقه ولو لم يثبت عجزه ويصدق فيما يدعيه من العجز عن القدوم والتوكيل لأنه قد يكون معذوراً كمن لم يتبين عذره وهو المعتمد، قال المشاور: وبه العمل. ابن رشد: وهذا الخلاف إنما هو إذا علم بالحيازة عليه. (وكالحضور) في عدم سماع دعواه وبينته (اليوم واليومان) مع الأمن لا مع الخوف والقدرة على القدوم أو التوكيل لا مع ثبوت العجز عنهما والعلم بالحيازة عليه لا مع عم علمه. ابن رشد: وهو محمول على عدم العلم حتى يثبت علمه، وتقدم أن الحاضر كذلك، وهذا (بنسبة الرجال لا النسوان) فلا ينقطع حقهن ولو على مسافة يوم أو أقل على ما تقدم في الشفعة ولو علمن بالحيازة عليهن وهن محمولات على العجز عن القدوم وعدم القدرة على التوكيل لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا مع ذي محرم) إلخ. ولا مفهوم لليوم والليلة. وأما التوكيل فقد لا يجدن من يحسن الخصام ومن يثقن به، ومفهوم اليوم واليومان أن ما فوقهما لا يقطع حقه وهو كذلك على المعمول به كما مرّ. ثم أشار إلى مفهوم قوله: والأجنبي إن يجز أصلاً إلخ. فقال: (والأقربون) غير الأب وابنه من الإخوة والأعمام وأبنائهم والأخوال وأبنائهم، وفي معناهم الأصهار والموالي كانوا شركاء أم لا. (حوزهم) أي أمد حوزهم (مختلف بحسب اعتمارهم) أي تصرفهم في الشيء المحوز (يختلف) فتارة يكون اعتمارهم وتصرفهم أقوى الأشياء كالهدم والبناء والغرس وسيأتي، وتارة يكون بغير ذلك وهو قوله: للحوانيت بأخذ أكريتها والاستغلال للثمار في الأشجار. (فهو) أي أمد الحيازة القاطع للحجة فيما بينهم (بما يجوز الأربعين) عاماً فإذا حازها أحدهم المدة المذكورة فأكثر فلا حق للمحوز عنه على ما جرى به عمل أهل الوثائق قال ابن لب: وهذا إذا لم يكن بينهم تشاجر ولا عداوة أو أشكل أمرهم، وأما من عرف التشاح بينهم فهم كالأجانب كما قال: (وذو تشاجر) منهم (كالأبعدين) فيكتفي فيهم بعشر سنين، ومراده بالتشاجر التشاح وعدم المسامحة كما في النقل عن ابن يونس والمواق وغيرهما وما في الدر النثير من أن عشرين سنة إلى ثلاثين غاية المدة في حيازة الأقارب لكثرة التشاح في أهل هذا الزمان إلخ. لا يعول عليه بل العشر سنين كافية كما للناظم وغيره. (ومثله) أي اعتمار صاحب التشاجر (ما حيز بالعتاق) كيف (ما كان) ناجزاً أو مؤجلاً أو كتابة أو تدبيراً (أو) ما تصرف فيه (بالبيع) فتنقطع فيه حجة القائم بمضي عشر سنين وهو لا ينكر ولا يغير (باتفاق) وفيه نظر فإن العتق والبيع يسقطان حق البائع بمجرد علمه وسكوته وإن لم تمض مدة الحيازة من غير فرق بين أجنبي أو قريب كما مرّ في فصل بيع الفضولي حيث قال: وحاضر بيع عليه ماله إلخ. ثم أشار إلى حوزهم بأقوى الأشياء فقال: (وفيه) أي وفي مقدار أمد حوز الأقربين (بالهدم) لما لا يخشى سقوطه بل ليتوسع فيه أو ليبني غيره مكانه كما مر (وبالبنيان) الغير الخفيف (والغرس) كذلك (أو عقد الكرا) ء في الدار ونحوها وقبضه باسم نفسه بمحضر غيره من الأقارب (قولان) أحدهما أن العشر سنين كافية كالشريك الأجنبي، وثانيهما أنها لا تكفي بل بما يجاوز الأربعين كالحيازة بالسكنى والازدراع، وهو المذهب ما لم يكن بينهم تشاح فالعشر كافية كما مر (خ): وفي الشريك الغريب معهما أي الهدم والبناء قولان. لا بين أب وابنه إلا أن يطول معهما ما تهلك فيه البينات وينقطع العلم.تنبيهات:الأول: فإن حاز الوارث الشريك مثل سهمه أربعين سنة فهو له ولا شيء له في الباقي، وإن ادعى أن ما حازه خاص به وأن حقه ثابت فيما بقي لم يكن له ذلك إذا ادعى إشراكه إنما تركوه ليكون له سهمه وسهامهم فيما بقي وحلفوا على ذلك، وإن حاز أقل من سهمه كمل له بقية سهمه مما بقي، وإن حاز أكثر من سهمه فهو له كله قدر سهمه بسهمه ما زاد على سهمه بالحيازة قاله مطرف في الواضحة. قال الرجراجي: وهو المذهب ونحوه في ابن يونس وغيره، قال الرجراجي: فإن حاز كل من الورثة طائفة من الأرض يحرث ويعمر حتى يموت بعضهم فيكون ولده كذلك فيما تركوا وقد اقتسم ورثته أو لم يقتسموا ثم طلب ورثه الجد القسم، فإن طال الزمان فيما يندرس فيه علم المقاسمة فذلك باق على حاله ولا يقبل قول من طلب القسم ثانياً إلا أن يكون عنده بينة ولو بسماع أن ذلك كان منهم على التجاوز والمسامحة دون المقاسمة، فليستأنف القسم فمن وقع حقه فيما بني أو غرس فهو له، ومن وقع بناؤه في حق غيره فليحلف ما بني إلا بمقاسمة ثم يخير صاحبه بين أن يعطيه قيمة البناء والغرس قائماً وبين أن يعطيه الباني قيمة أرضه، وإن أبيا كانا شريكين إلا أن تقوم بينة قاطعة أنه حازه بغير مقاسمة، أو ينكل عن اليمين ويحلف الآخر فإنه يعطيه قيمته منقوضاً أو يأمر بقلعه فإن لم يكن له بينة قاطعة أو نكلاً أعطاه قيمته قائماً على ما ذكرنا. اهـ. وانظر ما تقدم في المغارسة.الثاني: ذكر (ح) آخر الحيازة مستدلاً بحيازة الدين عن سماع يحيى أن الإنسان إذا أصدق لزوجة ابنه أحقالاً وبقيت بيده سنين حتى مات فأرادت أخذ ذلك فقال لها الورثة: قد عاينته زماناً وهي بيده ولا ندري ولعله أرضاك من حقك أترى للمرأة في ذلك حقاً؟. قال: نعم ولا يضرها طول ما تركت ذلك بيد أب زوجها لأن الصداق ليس من الأثمان وليس هو صدقة حتى يحتاج للحوز. قال ابن رشد: وهذه المسألة صحيحة لا إشكال فيها ولا اختلاف لأن حقها تركته في يد حميها فلا يضرها ذلك طال الزمان أم قصر، وليس هذا من وجه الحيازة التي ينتفع بها الحائز ويفرق فيها بين القرابة والأصهار إذ قد عرف وجه كون الأحقال بيد الحم فهي على ذلك محمولة حتى يعرف تصييرها إليه بوجه صحيح لأن الحائز لا ينتفع بحيازته إلا إذا جهل أصل مدخله فيها، وهذا أصل في الحكم بالحيازة. اهـ. فقوله لأن الحائز لا ينتفع بحيازته إلخ. يقتضي أن البائع الحائز المدة المعتبرة بين الأقارب والأصهار أو بين الأجانب وادعى أنه رجع إليه بإقالة أو شراء لا يقبل منه لأنه قد عرف أصل مدخله، وهو كونها كانت بيده وقت العقد أو المسامحة ونحوها، ومثله تقدم عن العبدوسي. وبكلام ابن رشد هذا استدل الشيخ الرهوني على أن حيازة البائع لا يعمل بها على المشتري منه ولو طالت وادعى الإقالة ونحوها وهو مخالف لقوله: وإن يكن مدعياً إقالة إلخ. الذي تلقاه غير واحد بالقبول ومخالف لما مرّ عن الرجراجي قريباً من أن من ادعى القسمة مع طول المدة يصدق والقسمة بيع وقد عرف وجه دخوله وهو المسامحة ونحوها. وما كان يخفى على أولئك الشيوخ كلام ابن رشد هذا لأن ما قاله مبني على مذهبه من أن الحائز لا ينتفع بحيازته إذا لم يدع ابتياعاً أو هبة كما مر عنه، والورثة إنما قالوا في هذه المسألة: لا ندري، ولعله أرضاك من حقك فلم يجزموا بالخروج من يدها بالبيع ونحوه، ولو جزموا بذلك ما جعل له القيام كما مر عنه. قال أبو الحسن على قولها: حوز عشر سنين يقطع دعوى الحاضر ما نصه: وهذا إذا ادعى الانتقال بالبيع ونحوه، وأما لو لم يدع إلا مجرد الحيازة فقال ابن رشد: لا خلاف أنه لا ينفعه لأنه مقر بالملك لغيره مكذب لشاهد العرف الذي هو الحيازة. اهـ. ولكن تقدم أن العمل على خلافه وأن الاتفاق الذي حكاه غير مسلم. قال الرجراجي: واختلف هل يكلف الحائز من أي صار له؟ على قولين أحدهما إنه يكلف أنه كان بشراء أو هبة، والثاني أنه لا يكلف إذا ادعى أمراً لا يريد إظهاره أو لم يدع شيئاً إلا مجرد الحيازة وهو قول مطرف، وهو ظاهر المدونة في الذي قامت الدار بيده سنين يحوزها ويكري ويهدم، ثم أقام رجل البينة أن الدار داره أو أنها لأبيه حيث قال: فإن كان هذا المدعي حاضراً يراه فلا حجة له وذلك يقطع دعواه، ولم يقل إنه يسأل من أين صارت إليه. اهـ. بلفظه. وقد تقرر عندهم أن ظاهر المدونة كالنص، ولهذا أفتى ابن أبي زمنين وغيره، واقتصر عليه ابن يونس كما مرّ، وتقدم أن العمل عليه وأنه إنما يكلف بالبيان على القول الذي يفرق بين البيع والهبة وإلاَّ فلا فائدة فيه، وإذا علمت هذا فالوجه اعتماد ما تقدم تحريره عند قوله: وإن يكن مدعياً إقالة إلخ. وإنما أطلنا في هذه المسألة وكررنا الكلام فيها مراراً لمسيس الحاجة إليها ولاعتماد الكثير من طلبة الزمان على كلام ابن رشد والله أعلم.الثالث: حيازة الديون تقدم الكلام عليها صدر البيوع ومنها الوصي يقوم عليه اليتيم بعد طول الزمان وينكر قبض ماله من الوصي، فإن كانت مدة يهلك في مثلها شهود الوصي فلا شيء عليه وإلاَّ فعليه البينة بالدفع. اهـ. نقله (ح) قبيل ما مر عنه.الرابع: تقدم في الحبس أن الحبس لا يحاز عليه، وتقدم ما فيه حيث جرى العمل بأنه يباع. واعلم أن عدم المنازع ونحوه كعدم التفويت في علمهم وكونه مالاً من أمواله إنما شرطوه في الشهادة بالملك لا في الشهادة بالحبس، وإنما شرطوا في الشهادة به أنها تحرم بحرمة الأحباس كما في ابن سلمون وغيره، وإن كان النص بذلك إنما هو في شهادة السماع فالشهادة بالقطع كذلك بل أولى لأنها أقوى منها، ويصح قطعهم بذلك إن كان السماع مفيداً للقطع، فإذا سمع ممن لا يحصى أن هذا حبس على مسجد كذا فإنه يعتمد الشاهد على ذلك ويقطع بأنه يحترم بحرمة الأحباس ولا يسند ذلك إلى السماع، ولاسيما إن رأى نائب المسجد المذكور يتصرف له طول المدة وينسب ذلك إليه، ثم إذا وكل أهل المسجد واحداً منهم يخاصم وشهد باقيهم لذلك المسجد بما ذكر فإن شهادتهم جائزة كما في (ح) عن ابن عات في باب الشهادات ولا تتوجه يمين الاستحقاق على الحبس ولا يمين القضاء، وإن شهد للمسجد شاهد واحد فيجري على قول (خ) في الشهادات وإن تعذر يمين بعض إلخ. وكيفية وثيقة ذلك أن تقول: يعرف شهوده المحل الفلاني المحدود بكذا ومعها يشهدون بأنه حبس على مسجد كذا، وأنه يحاز بما تحاز به الأحباس ويحترم بحرمتها إلى الآن أو إلى وقت كذا، فإن كانت شهادة سماع قلت ومعها يشهدون بأنهم لم يزالوا يسمعون سماعاً فاشياً من أهل العدل وغيرهم أنه حبس على بني فلان أو على مسجد كذا ويعرفونه يحاز بما تحاز به الأحباس ويحترم بحرمتها إلى الآن أو إلى وقت كذا انظر ابن سلمون وغيره. وإذا ثبتت الشهادة بالقطع فلا إشكال أنه ينزع بها من يد الحائز، وكذا بالسماع على ظاهر ابن عرفة كما تقدم عند قوله في شهادة السماع: وحبس حاز من السنين إلخ. ثم أشار الناظم إلى مفهوم قوله: إن يحز أصلاً فقال: (وفي سوى الأصول) من العروض والحيوان وغيرهما (حوز الناس) الأجانب يكون (بالعام والعامين في اللباس) فحوز الناس مبتدأ وفي سوى الأصول يتعلق به وبالعام والعامين خبره، وفي اللباس بدل من قوله في سوى الأصول بدل بعض من كل. (وما) كان (كمركوب) من الدواب اسم شرط (ففيه لزما) جوابه (حوز بعامين) فاعل (فما فوقهما) عطف عليه. (وفي العبيد بثلاثة) من الأعوام (فما زاد) عليها (حصول الحوز فيما استخدما) فحصول الحوز مبتدأ وفي العبيد يتعلق به وبثلاثة خبره وفيما استخدما بدل من قوله في العبيد بدل بعض من كل أيضاً، ومعنى الأبيات ظاهر، وما ذكره من أن الأصول تفارق غيرها في حيازة الأجانب أصله لأصبغ كما في المفيد وغيره، وعليه درج (خ) حيث قال: وإنما تفترق الدار من غيرها في الأجنبي، ففي الدابة وأمة الخدمة السنتان ويزاد في عبد وعرض إلخ. إلا أنه اعترض عليه بحسب مفهومه لأن مفهوم قوله: في الأجنبي أن العقار وغيره سواء في حيازة الأقارب فلابد فيه من الأربعين سنة، وهذا لا يقوله أصبغ بل هو كما فرق بين الأجانب في الأصول فرق في غيرها من الأقارب، فجعل الحيازة بينهم في غيرها فوق العشرة أعوام ودون الأربعين بالاجتهاد كما في ابن سلمون، وأما ابن القاسم فسوى بين الأصول وغيرها في الأجنبي كما سوى بينهما في الأقارب، ففي المدونة قال ابن القاسم: من حاز على حاضر عروضاً أو حيواناً أو رقيقاً فذلك كالحيازة في الربع. اهـ. وعليه فمفهوم قوله في الأجنبي لا يتمشى على قول أصبغ كما ترى ولا على قول ابن القاسم لأن الحكم لا يختلف عنده في الأصول وغيرها، فالأجانب بالعشرة فيهما والأقارب بما يزيد على الأربعين فيهما فتوجه عليه الاعتراض، وأما الناظم فكلامه خاص بالأجانب كما قررنا، وأما حوز الأقارب لغير الأصول فلم يتكلم عليه وتكون الحيازة بينهم فيه بما فوق العشرة ودون الأربعين على قول أصبغ الذي درج عليه فلا اعتراض عليه، ولكن مستند (خ) فيما ذكره هو قول ابن رشد ما نصه: ولا فرق في مدة حيازة الوارث على وارثه بين الرباع والأصول والثياب والعروض والحيوان، وإنما يفترق ذلك في حيازة الأجنبي مال الأجنبي. اهـ. قال طفي: ولم أر التفصيل الذي سلكه ابن رشد من التفريق في الأجنبي فقط إلا أنه رجل حافظ ولعله فقه له. اهـ. (والوطء للإماء باتفاق مع علمه) أي القائم وسكوته بلا مانع (حوز على الإطلاق) طالت المدة أم لا. فقوله: باتفاق يتعلق بقوله حوز، ومع علمه يتعلق بالوطء، وهذا البيت تكرار مع قوله في فصل بيع الفضولي: (و) إذا غرس قوم غروساً أو زرعوا زروعاً على ماء مباح غير مملوك كماء الأمطار أو ماء الأنهار ف (الماء للأعلين) الذين يجري عليهم أولاً (فيما قدما) بضم الدال أي تقدم غرساً أو زرعاً وكذا لو تساووا بأن غرسوا أو زرعوا دفعة واحدة أو شك من المتقدم والمتأخر فإن الأعلين يقدمون في السقي في ذلك كله، فإن غرس الأسفلون أولاً أو زرعوا كذلك تحقيقاً فهو قوله: (والأسفل الأقدم) غرساً أو زرعاً (فيه) أي الماء (قُدِّما) بضم القاف وتشديد الدال المكسورة مبنياً للمفعول وكل من قضى بتقديمة فإنما يمسك الماء للكعب ثم يرسل جميعه للآخر على المذهب خلافاً لابن رشد حيث استظهر مذهب الأخوين أنه يرسل ما زاد على الكعبين لا جميع الماء. والحاصل أن الماء الذي تحقق عدم ملكه فإن الأعلى يقدم فيه سواء تقدم في الغرس والزرع أو ساوى، وسواء تحقق تقدمه أو مساواته أو شك في ذلك، وأن الأسفل المتقدم في الغرس والزراعة يقدم على الأعلى مطلقاً خيف على زرعه الهلاك أم لا. والأصل في هذا ما قضى به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مهزور بتقديم الزاي على الراء ومذينب وهما واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر، ومحل تقديم الأقدم إذا لم يكن الأقدم رحى أو حماماً والأقدم سقي الجنان ونحوها عليهما، ولو تقدمت في الأحياء وكانت أقرب للماء كما لابن رشد لأن ماء الجنان يصرف إذا بلغ إلى الكعب للرحى ولا يصرف ماء الرحى ونحوها له، ولأن تأخير سقي الجنان قد يؤدي لتلف ما في الحائط وتأخير الماء عن الرحى لا يؤدي لتلفها بل لتعطيلها فقط قاله الأجهوري.واعلم أن ماء الأنهار والخارج من العناصر والعيون من جبل ثم يجري لأراضٍ تحته إما أن يكون أصله مملوكاً ببينة عدلة أم لا، فإن كان مملوكاً فربه أحق به وله منعه وبيعه وله صرفه حيث شاء، ولو غرس عليه غيره بعارية وانقضت أو بغير إذن وربه ساكت عالم إلخ. فإن ذلك لا يضر لأن الماء المعلوم ملكيته بالبينة لا يحاز بالانتفاع به دون استحقاق أصله لاحتمال أن سكوت المالك طول الزمان إنما هو لعدم الاحتياج إليه، وإن لم تقم بينة بملكيته لأحد بل جهل أمره ولم يدر السابق من اللاحق ولا المالك من غيره لتقادم الأعصار وهلاك البينات القديمة فإنه يبقى كل واحد على انتفاعه كما كان ولو كان الآن ينبع في أرض مملوكة إذ لا يدري أصله كيف كان والأصل بقاء الأشياء على ما كانت عليه حتى يدل دليل على خلافه لاحتمال أن يكون أصله مملوكاً للجميع أو يكون مملوكاً للأسفل. وهذا محصل ما للفقيه النوازلي سيدي إبراهيم الجلالي، ونقله في نوازل العلمي واستدل على ذلك بنقول ووجهه ظاهر والله أعلم. وبهذا كنت حكمت في عناصر وادراس لما تحاكم إلي أهل المنزل مع من فوقهم وكان لأهل المنزل سواقي قديمة مبنية فأراد الأعلون أن يقطعوا ذلك الماء عنهم، فحكمت بقسمته بينهم على ما كانوا عليه إذ لا يدرى السابق من اللاحق ولا المالك من غيره، ووافق على ذلك المعاصرون من الفقهاء والله حسيب من بدل أو غير.تنبيه:إذا مال الوادي عن مجراه القديم وصار الموضع الذي كان يمر عليه يابساً فقيل موضعه لمن ألقاه النهر إليه وحازه له وهو قول عيسى بن دينار وابن الماجشون، وبه أفتى ابن حمديس وابن الحاج. قال سيدي يحيى السراج: وهو الراجح حسبما في نوازل الزياتي، وقيل هو بمنزلة الموات. قال أبو الحسن علي بن يحيى الأندلسي في آخر وثائقه: وهذا الخلاف إذا تغير عن جريه المعروف وبقي موضعه يابساً، وأما ما اقتطعه النهر من أرض الغير فالصواب بقاء ما غيره النهر واقتطعه على ملك ربه ويقال: وكذلك لو انحرف النهر عن مجراه وجرى في أرض رجل ثم عاد إلى موضعه أو يبس لعادت أرضه إلى ملك ربها. اهـ. (وما رمى البحر به من عنبر) وصدف بالدال المهملة (ولؤلؤ) غير مثقوب وإلا فهو لقطة (واجده) مبتدأ ثان (به حري) خبره والجملة خبر الموصول (خ): وما لفظه البحر من كعنبر فلواجده بلا تخميس إلخ. وأحرى الحوت الذي يصطاد من البحر فليس للإمام ولا لغيره أن يأخذ الصيادين فيه خمسه أو عشره أو نحو ذلك، ويحكى أنه كانت بحيرة في تونس يخرج منها حوت كثير فكان يعيش به خلق كثير حتى وضع عليه الإمام مكساً فذهب بالكلية ولم يخرج منها شيء.
|