الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال أبو السعود: .قال الفخر: واعلم أن هذا الكلام من أدل الدلائل على كونه تعالى عالمًا بجميع الجزئيات الزمانية وذلك لأنه لما ثبت أنه تعالى مبدأ لكل ما سواه وجب كونه مبدأ لهذه الجزئيات بالأثر. فوجب كونه تعالى عالمًا بهذه التغيرات والزمانيات من حيث إنها متغيرة وزمانية وذلك هو المطلوب. اهـ. قال الفخر: قوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} يدل على كونه تعالى منزهًا عن الضد والند وتقريره: أن قوله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب} يفيد الحصر، أي عنده لا عند غيره. ولو حصل موجود آخر واجب الوجود لكان مفاتح الغيب حاصلة أيضًا عند ذلك الآخر، وحينئذ يبطل الحصر. وأيضًا فكما أن لفظ الآية يدل على هذا التوحيد، فكذلك البرهان العقلي يساعد عليه. وتقريره: أن المبدأ لحصول العلم بالآثار والنتائج والصنائع هو العلم بالمؤثر والمؤثر الأول في كل الممكنات هو الحق سبحانه. فالمفتح الأول للعلم بجميع المعلومات هو العلم به سبحانه لكن العلم به ليس إلا له لأن ما سواه أثر والعلم بالأثر لا يفيد العلم بالمؤثر. فظهر بهذا البرهان أن مفاتح الغيب ليست إلا عند الحق سبحانه. والله أعلم. اهـ. قال الفخر: قرئ {ولا حبة وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ} بالرفع وفيه وجهان: الأول: أن يكون عطفًا على محل من ورقة وأن يكون رفعًا على الابتداء وخبره {إِلاَّ في كتاب مُّبِينٍ} كقولك: لا رجل منهم ولا امرأة إلا في الدار. اهـ. .قال أبو السعود: وقولُه تعالى: {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا} بيانٌ لتعلُّقه بأحوالها المتغيَّرةِ بعد بيانِ تعلقِه بذواتها، فإن تخصيصَ حالِ السقوطِ بالذكر ليس إلا بطريق الاكتفاءِ بذكرها عن ذكر سائر الأحوال، كما أن ذكرَ حالِ الورقةِ وما عُطفَ عليها خاصةً دون أحوالِ سائرِ ما فيهما من فنونِ الموجودات الفائتة للحصر باعتبارِ أنها أُنموذَجٌ لأحوال سائرِها. وقولُه تعالى: {وَلاَ حَبَّةٍ} عطفٌ على {ورقةٍ} وقولُه تعالى: {فِى ظلمات الأرض} متعلِّقٌ بمحذوفٍ هو صفةٌ لحبة مفيدةٌ لكمال نفوذِ علمِه تعالى أي ولا حبةٍ كائنةٍ في بطونِ الأرض إلا يعلمها، وكذا قولُه تعالى: {وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ} معطوفان عليها داخلان في حُكمها. اهـ. .قال الفخر: وهذا هو الصواب. والثاني: قال الزجاج: يجوز أن يكون الله جل ثناؤه أثبت كيفية المعلومات في كتاب من قبل أن يخلق الخلق كما قال عز وجل: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ في الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ إِلاَّ في كتاب مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} [الحديد: 22] وفائدة هذا الكتاب أمور: أحدها: أنه تعالى إنما كتب هذه الأحوال في اللوح المحفوظ لتقف الملائكة على نفاذ علم الله تعالى في المعلومات وأنه لا يغيب عنه مما في السموات والأرض شيء. فيكون في ذلك عبرة تامة كاملة للملائكة الموكلين باللوح المحفوظ لأنهم يقابلون به ما يحدث في صحيفة هذا العالم فيجدونه موافقًا له. وثانيها: يجوز أن يقال إنه تعالى ذكر ما ذكر من الورقة والحبة تنبيهًا للمكلفين على أمر الحساب وإعلامًا بأنه لا يفوته من كل ما يصنعون في الدنيا شيء: لأنه إذا كان لا يهمل الأحوال التي ليس فيها ثواب ولا عقاب ولا تكليف فبأن لا يهمل الأحول المشتملة على الثواب والعقاب أولى. وثالثها: أنه تعالى علم أحوال جميع الموجودات فيمتنع تغييرها عن مقتضى ذلك العلم، وإلا لزم الجهل. فإذا كتب أحوال جميع الموجودات في ذلك الكتاب على التفصيل التام امتنع أيضًا تغييرها وإلا لزم الكذب فتصير كتبة جملة الأحوال في ذلك الكتاب موجبًا تامًا وسببًا كاملًا في أنه يمتنع تقدم ما تأخر وتأخر ما تقدم كما قال صلوات الله عليه: «جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة» والله أعلم. اهـ. .قال أبو السعود: .من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في الآية: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ}: المفتاح ما به يرتفع الغَلْقُ، والذي يحصل مقصود كلِّ أحد، وهو قدرة الحق- سبحانه؛ فإنَّ التأثير لها في الإيجاد، والموصوفُ بقدرةِ الإيجاد هو الله. ويقال أراد بهذا شمول علمه، أي هو المتفرِّد بالإحاطة بكل معلوم، وقطعًا لا يُسأَل عن شيء، ولا يخفى عليه شيء. ويقال عندك مفاتح الغيب وعنده مفاتح الغيب فإنْ آمنتَ بغيبه مدَّ الشمس على غيبك. اهـ. .من فوائد السمرقندي في الآية: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب} يعني: يعلم ما يهلك في البر والبحر. ويقال: يعلم ما في البر من النبات والحب والنوى وما في البحر من الدواب وقوت ما فيها {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ} من الشجر {إِلاَّ يَعْلَمُهَا} يعلم من وقت سقوطه، وموضع مسقطه. وروى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ليس أحد من خلق الله تعالى أكثر من الملائكة، وليس من شجرة تخرج إلا وملك موكل بها. ويقال: إن الإنسان كالشجرة، وأعضاءه كالأغصان، والحركات منه كالأوراق، فهو يعلم حركة بني آدم. ثم قال تعالى: {وَلاَ حَبَّةٍ في ظلمات الأرض} يعني: تحت الصخرة التي هي أسفل الأرضين السابعة. ويقال: الحبة التي تحت الأرض التي يخرج منها النبات. ثم قال: {وَلاَ رَطْبٍ} يعني: الماء {وَلاَ يَابِسٍ} يعني: الحجر ويقال: ولا رطب: يعني العمران والأمصار والقرى {وَلاَ يَابِسٍ} يعني: الخراب والبادية {إِلاَّ في كتاب مُّبِينٍ} يعني في اللوح المحفوظ. ويقال: {وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ} يعني: لا قليل ولا كثير {إِلاَّ في كتاب مُّبِينٍ} يعني: في اللوح المحفوظ. ويقال: القرآن قد بيّن فيه كل شيء، بعضه مفسر، وبعضه يعرف بالاستدلال والاستنباط. وقرأ بعضهم: {وَلاَ حَبَّةٍ} {وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ} كل ذلك بالضم على معنى الابتداء. وهي قراءة شاذة والقراءة المعروفة بالكسر لأجل: {مِنْ}. اهـ.
|