الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
51 - أهمّ آثار القبض في العقود هو انتقال ضمان المقبوض إلى القابض، وتسلّطه على التّصرّف فيه، ووجوب بذل عوضه للمقبوض منه، وذلك على التّفصيل التّالي: 52 - المراد بالضّمان الّذي ينتقل إلى القابض: هو تحمّله لتبعة الهلاك أو النّقصان أو التّعييب الّذي يطرأ على المقبوض في أحد عقود الضّمان، وهي هنا: البيع والإجارة والعاريّة والرّهن والنّكاح فيما يخصّ الصّداق. أوّلاً: ضمان المبيع في العقد الصّحيح اللازم: 53 - اختلف الفقهاء فيمن يكون عليه ضمان المبيع قبل القبض وبعده، وهل يكون في ضمان البائع قبل أن يقبضه المشتري، بحيث لا ينتقل ضمانه إلى المشتري إلاّ بالقبض، أم أنّه يدخل في ضمانه بالعقد، سواء قبضه أم لم يقبضه ؟ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ المبيع يكون في ضمان البائع قبل أن يقبضه المشتري، فإذا قبضه انتقل الضّمان إليه بالقبض، لأنّ موجب العقد انتقال ملكيّة المبيع إلى المشتري، وذلك يقتضي إلزام البائع بتسليم المبيع إلى المشتري وفاءً بالعقد، لأنّ الملك لا يثبت لعينه، وإنّما يثبت وسيلةً إلى الانتفاع بالمملوك، ولا يتهيّأ الانتفاع به إلاّ بالتّسليم، فكان إيجاب الملك في المبيع للمشتري إيجاباً لتسليمه له ضرورةً. وفرّق المالكيّة بين ما يكون فيه حقّ توفية من المبيعات من كيل أو وزن أو ذرع أو عدّ، وبين ما لا يكون فيه، بحيث وافقوا الحنفيّة والشّافعيّة في اعتبار المبيع في ضمان البائع قبل القبض، ودخوله في ضمان المشتري بالقبض إذا كان فيه حقّ توفية. واختلفوا في التّفصيلات والتّفريعات في حالة هلاك المبيع، ذلك أنّ المبيع إمّا أن يكون أصلاً، وإمّا أن يكون تبعاً، وهو الزّوائد المتولّدة عن المبيع، فإن كان أصلاً، فلا يخلو: إمّا أن يهلك كلّه وإمّا أن يهلك بعضه، وكلّ ذلك لا يخلو: إمّا أن يهلك قبل القبض، وإمّا أن يهلك بعده، والهلاك في هذه الحالات إمّا أن يكون بآفة سماويّة، أو بفعل البائع، أو بفعل المشتري، أو بفعل المبيع، أو بفعل أجنبيّ. والتّفصيل في مصطلح: (ضمان ف 31 وما بعدها). ثانياً: ضمان المؤجّر: أ - الضّمان في إجارة الأعيان: 54 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ العين المؤجّرة وكذا منافعها المعقود عليها تكون قبل القبض في ضمان المؤجّر، كما أنّه لا خلاف بينهم في أنّ ضمان العين لا ينتقل إلى المستأجر بعد القبض، وأنّها تكون أمانةً في يده، فإن تلفت من غير تعدّيه أو تفريطه، فلا ضمان عليه، وذلك لأنّه قبض مأذون فيه، فلا يكون موجباً للضّمان، كالوديعة، ولأنّ المستأجر قبض العين لاستيفاء منفعة يستحقّها منها، فلا يضمنها، كما إذا قبض النّخلة الّتي اشترى ثمرتها، نصّ على ذلك الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة، قال ابن قدامة: ولا نعلم في هذا خلافاً. ب - الضّمان في إجارة الأعمال: ذكر الفقهاء أنّ الأجير في الإجارة الواردة على العمل قسمان: خاصّ ومشترك ضمان الأجير الخاصّ: 55 - اتّفق الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة على أنّ الأجير الخاصّ لا يضمن ما بيده من مال المؤجّر، بل يكون ما في يده أمانةً لا يضمنه إن تلف إلاّ بالتّعدّي أو التّفريط، لأنّه نائب عن المالك في صرف منافعه إلى ما يأمره به، فلم يضمن من غير تعدّ أو تقصير، كالوكيل والمضارب. ضمان الأجير المشترك: 56 - اختلف الفقهاء في كون الأجير المشترك ضامناً لما يكون تحت يده من أعيان المستأجر على أربعة أقوال: الأوّل: وهو التّفريق بين ما تلف بفعل الأجير المشترك وبين ما تلف بغير فعله، بحيث إذا كان التّلف بفعله فإنّه يكون ضامناً له، سواء أكان متعدّياً أم غير متعدّ، قاصداً أم مخطئاً. أمّا ما تلف بغير فعله، فلا يضمنه إن لم يكن منه تعدّ أو تفريط، وهذا هو رأي الحنابلة على الصّحيح في المذهب، وقول أبي حنيفة. وقد خالفه في ذلك الصّاحبان أبو يوسف ومحمّد، وذهبا إلى تضمين الأجير المشترك بالقبض مطلقاً، إلاّ إذا وقع التّلف بسبب لا يمكنه الاحتراز عنه. والثّاني: للمالكيّة، وهو أنّ الأصل في يد الأجير المشترك أنّها يد أمانة، ولكنّ لمّا فسد النّاس وظهرت خيانة الأجراء ضمن الصّنّاع وكلّ من تقتضي المصلحة العامّة تضمينه من الأجراء المشتركين حيث تقوم به التّهمة. والثّالث: للشّافعيّة في الأظهر، وهو أنّ يد الأجير المشترك يد أمانة. والرّابع: قول لبعض الشّافعيّة، وهو أنّ العين تدخل في ضمان الأجير المشترك بالقبض، فإن هلكت عنده وهو منفرد باليد، ضمن هلاكها ولو لم يتعدّ أو يفرّط، وذلك لفساد النّاس وخيانة الأجراء، أمّا إذا لم يكن الأجير منفرداً باليد فلا ضمان عليه عندئذ، لأنّ المال غير مسلّم إليه حقيقةً. والتّفصيل في: (إجارة ف 103 وما بعدها، 133، 134). ومصطلح: (ضمان ف 60 - 61). ثالثاً: ضمان العاريّة: 57 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ العاريّة مضمونة على مالكها ما دامت في يده، فإن هلكت كان هلاكها من ماله، أمّا إذا قبضها المستعير، ففي انتقال ضمانها إليه بالقبض تفصيل ينظر في مصطلح: (ضمان ف 12). ومصطلح: (إعارة ف 15). رابعاً: ضمان المرهون: 58 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المرهون يكون في ضمان الرّاهن قبل أن يقبضه المرتهن منه، لأنّه ملكه وتحت يده، أمّا إذا قبضه المرتهن، ففي انتقال ضمانه إليه تفصيل ينظر في مصطلح: (رهن ف 8، 18). ومصطلح: (ضمان ف 62 وما بعدها). خامساً: ضمان المهر المعيّن: 59 - اختلف الفقهاء في اعتبار قبض الزّوجة لمهرها بعد تعيينه ناقلاً لضمانه من الزّوج إليها على قولين: أحدهما: للمالكيّة والحنابلة، وهو أنّ ضمان المهر المعيّن كالعبد والدّار والماشية وما شابه ذلك إذا كان محدّداً بذاته في عقد النّكاح الصّحيح يكون على الزّوجة قبل أن تقبضه من الزّوج وبعده، فلو هلك بغير تعدّيه أو تفريطه، كان هلاكه عليها بمجرّد العقد، وليس للقبض أي أثر في ذلك، لأنّ الضّمان من توابع الملك، وقد ملكته بالعقد. والثّاني: للحنفيّة والشّافعيّة، وهو أنّ ضمان المهر المعيّن يكون على الزّوج قبل أن يسلّمه لزوجته، فإذا قبضته انتقل الضّمان إليها. والتّفصيل في مصطلح: (ضمان ف 147). ومصطلح: (مهر).
60 - اتّفق الفقهاء على جواز التّصرّف في الأعيان المملوكة بعد قبضها، لكنّهم اختلفوا في مشروعيّة التّصرّف فيها قبل قبضها، سواء ملكت ببيع أو بغيره من الأسباب الموجبة للملك، وقد فرّقوا في ذلك بين التّصرّف فيها بالبيع وبين التّصرّف فيها بغيره من ضروب التّصرّفات، وحاصل كلامهم في هذه القضيّة ينحصر في ثلاث مسائل: المسألة الأولى: بيع الأعيان المشتراة قبل قبضها: 61 - اختلف الفقهاء في حكم بيع الأعيان المشتراة قبل قبضها على ستّة أقوال: أحدها: لا يجوز بيع المشترى قبل قبضه مطلقاً، مطعوماً كان أو غير مطعوم، عقاراً كان أو منقولاً، سواء بيع مقدّراً أو جزافاً، وبهذا قال جمهور الفقهاء من الشّافعيّة وبعض الحنابلة والثّوريّ ومحمّد بن الحسن الشّيبانيّ وغيرهم. والقول الثّاني: لا يجوز بيع المشترى قبل قبضه، مطعوماً كان أو غير مطعوم، وسواء بيع مقدّراً أم جزافاً، إلاّ العقار الّذي لا يخشى هلاكه، فيجوز بيعه قبل قبضه، فإن تصوّر هلاكه، بأن كان علوّاً أو على شطّ نهر ونحو ذلك، لم يصحّ بيعه كسائر المنقولات، وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف، وهو المفتى به عند الحنفيّة. القول الثّالث: يجوز بيع المشترى قبل قبضه إن لم يكن مطعوماً، فإن كان مطعوماً فلا يجوز بيعه قبل قبضه إذا كان فيه حقّ توفية - من كيل أو وزن أو ذرع أو عدّ - سواء أكان الطّعام ربويّاً أم غير ربويّ، أمّا ما اشتراه جزافاً - أي من غير معرفة قدره على التّحديد - فيجوز بيعه قبل قبضه، ولكن بشرط تعجيل الثّمن، كي لا يؤدّي إلى بيع الدّين بالدّين، وهذا هو القول المشهور في مذهب المالكيّة. القول الرّابع: يجوز بيع غير المطعوم قبل قبضه، أمّا المطعوم فلا يجوز بيعه قبل قبضه مطلقاً، سواء اشتري جزافاً أو مقدّراً بكيل أو وزن أو ذرع أو عدّ، وهو رواية عن مالك، وبه أخذ بعض المالكيّة. القول الخامس: لا يجوز بيع ما اشتراه مقدّراً بكيل أو وزن أو ذرع أو عدّ قبل قبضه، سواء كان مطعوماً أو غير مطعوم، فإن اشتري بغير تقدير جاز بيعه قبل قبضه، وهذا هو القول المشهور عن أحمد والمعتمد في مذهب الحنابلة. القول السّادس: جواز البيع قبل القبض مطلقاً سواء أكان المبيع عقاراً أم منقولاً، وسواء أكان مطعوماً أو غير مطعوم، وسواء أكان فيه حقّ توفية أم لم يكن، وبهذا قال عثمان البتّيّ. قال ابن عبد البرّ: هذا قول مردود بالسّنّة والحجّة المجمعة على الطّعام، وأظنّه لم يبلغه هذا الحديث، ومثل هذا لا يلتفت إليه. والتّفصيل في مصطلح: (بيع منهيّ عنه ف 42 إلى ف 52). المسألة الثّانية: بيع الأعيان المملوكة بغير الشّراء قبل قبضها: 62 - اختلف الفقهاء في حكم بيع ما ملك بغير الشّراء قبل قبضه على أقوال: الأوّل: للحنفيّة، وهو أنّ كلّ عوض ملك بعقد ينفسخ العقد بهلاكه قبل القبض لا يجوز بيعه قبل قبضه، كالأجرة وبدل الصّلح إذا كان منقولاً معيّناً، وكلّ عوض ملك بعقد لا ينفسخ العقد بهلاكه قبل القبض يجوز بيعه قبل قبضه، كالمهر وبدل الخلع وبدل العتق وبدل الصّلح عن دم العمد. والثّاني: للمالكيّة، وهو أنّ العقود على ضربين: معاوضة، وغير معاوضة. فما ملك بعقد ليس فيه معاوضة كالقرض يجوز بيعه قبل قبضه مطلقاً، وما ملك بعقد معاوضة، فإن ملك بما يختصّ بالمغابنة والمكايسة، كالبيع ونحوه لا يجوز بيعه قبل قبضه إن كان طعاماً فيه حقّ توفية، كي لا يفضي إلى بيع العينة، وإن ملك بعقد يتردّد بين قصد الرّفق والمغابنة، فإن وقع على وجه الرّفق، يجوز بيعه قبل قبضه، وإن وقع على وجه المغابنة، كان حكمه حكم ما يختصّ بقصد المغابنة. والثّالث: للشّافعيّة، وهو أنّ الأعيان المستحقّة للإنسان عند غيره ضربان: أمانة ومضمونة، فالأمانة يجوز للمالك بيعها قبل قبضها، لأنّ ملكه فيها تامّ. والمضمون نوعان: الأوّل: المضمون بالقيمة، ويسمّى ضمان اليد، فيصحّ بيعه قبل قبضه لتمام الملك فيه. والثّاني: المضمون بعوض في عقد معاوضة، ويسمّى ضمان العقد، فلا يصحّ بيعه قبل قبضه. والرّابع: للحنابلة، وهو أنّ كلّ عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض - كأجرة معيّنة في إجارة، وعوض معيّن في صلح ونحو ذلك - لا يجوز بيعه قبل قبضه إذا كان فيه حقّ توفية من كيل أو وزن أو ذرع أو عدّ، وكذا ما لا ينفسخ العقد بهلاكه - كعوض خلع وعتق وكمهر ومصالح به عن دم عمد وأرش جناية وقيمة متلَف - فإنّه لا يجوز بيعه قبل قبضه إذا احتاج لتوفية، وأمّا ما ليس فيه حقّ توفية فيجوز بيعه قبل القبض، وكذا كلّ ما ملك بإرث أو وصيّة أو غنيمة وتعيّن ملكه فيه، فإنّه يجوز بيعه قبل قبضه، لأنّه غير مضمون بعقد معاوضة، فملكه غير تامّ، ولا يتوهّم غرر الفسخ فيه، وأمّا ما كان قبضه شرطاً لصحّة عقده، كرأس مال السّلم والبدلين في الصّرف فلا يصحّ بيعه ممّن صار إليه قبل قبضه، لأنّه لم يتمّ الملك فيه، فأشبه التّصرّف في ملك غيره. المسألة الثّالثة: التّصرّف بغير البيع في الأعيان المشتراة قبل قبضها: 63 - اختلف الفقهاء في حكم التّصرّف بغير البيع في الأعيان المشتراة قبل قبضها على أربعة أقوال: الأوّل: للحنفيّة وهو أنّه يجوز التّصرّف في المبيع قبل قبضه بالهبة والصّدقة والإقراض والرّهن والإعارة والوصيّة والعتق والتّدبير والاستيلاد والتّزويج، أمّا إجارته فلا تجوز مطلقاً. والثّاني: للمالكيّة، وهو أنّه يجوز التّصرّف في المبيع قبل قبضه بسائر التّصرّفات إن لم يكن مطعوماً، أو كان مطعوماً ولكن ليس فيه حقّ توفية من كيل أو وزن أو عدّ، أمّا الطّعام الّذي يكون فيه حقّ توفية، فلا يجوز التّصرّف فيه بأيّ عقد من عقود المعاوضة قبل قبضه، أمّا بغير المعاوضة، كهبة وصدقة وقرض وشركة وتولية، فيجوز التّصرّف فيه قبل أن يقبض. والثّالث: للشّافعيّة، وهو أنّه لا يجوز التّصرّف في المبيع قبل قبضه بأيّ نوع من أنواع التّصرّفات، كالإجارة والكتابة والهبة والرّهن والإقراض، أو جعله صداقاً أو أجرةً أو عوضاً في صلح أو رأس مال سلم ونحوها، وذلك لضعف الملك، إلاّ العتق والتّدبير والاستيلاد والتّزويج والقسمة والوقف، فيجوز ذلك قبل القبض. والرّابع: للحنابلة، وهو أنّ ما اشتري من المقدّرات بكيل أو وزن أو ذرع أو عدّ لا يجوز التّصرّف فيه قبل قبضه بإجارة ولا هبة ولا رهن ولا حوالة، قياساً على بيعه، لأنّه من ضمان بائعه، فلا يجوز فيه شيء من ذلك، ولكن يصحّ عتقه وجعله مهراً وبدل خلع وكذا الوصيّة به قبل أن يقبض، وذلك لاغتفار الغرر في هذه التّصرّفات. أمّا ما اشتري جزافاً من غير تقدير، فيجوز التّصرّف فيه قبل قبضه مطلقاً بأيّ ضرب من ضروب التّصرّفات، وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدّنانير وآخذ الدّراهم، وبالعكس، فسألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شيء»، إلاّ ما بيع بصفة أو رؤية متقدّمة، فلا يجوز التّصرّف فيه قبل قبضه، قال البهوتيّ: لأنّه تعلّق به حقّ توفية، فأشبه المبيع بكيل ونحوه.
64 - من الآثار الهامّة لقبض أحد البدلين في عقود المعاوضات وجوب بذل العوض المقابل معجّلاً من قبل القابض، حتّى تترتّب على العقد ثمراته، وتتحقّق مقاصده وغاياته، ما لم يكن هناك اتّفاق بين العاقدين على تأخيره، فعندئذ لا يلزمه تعجيله، لرضا مستحقّه بالتّأجيل، وبيان ذلك فيما يأتي: أوّلاً: في البيع: 65 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ كلّ واحد من العاقدين في البيع إذا قبض البدل الّذي استحقّه بالعقد، يجب عليه بذل عوضه للطّرف الثّاني دون تأخير، تنفيذاً للعقد ووفاءً بالالتزام، وحتّى يتمكّن كلّ واحد من المتبايعين من الانتفاع بما ملكه بالعقد، إذ الملك لم يثبت لذاته، وإنّما ثبت وسيلةً إلى الانتفاع بالمملوك، ولا يتهيّأ الانتفاع به إلاّ بقبضه، تحقيقاً للمعادلة والمساواة الّتي يقتضيها العقد وينبني عليها، وذلك ما لم يكن هناك اتّفاق بين العاقدين على تأجيل البدل الآخر، فعندئذ لا يجب على قابض البدل المعجّل تسليم عوضه حتّى يحلّ أجله، لرضا الطّرف الآخر بالتّأجيل وتنزّله عن حقّه بالتّعجيل. والتّفصيل في مصطلح: (بيع ف 61 - 64). 66 - ويستثنى من ذلك عقد الصّرف وبيع الأموال الرّبويّة الّتي تجمعها علّة ربويّة واحدة ببعضها، فإنّه لا يجوز للقابض تأخير تسليم عوض ما قبضه، ولو رضي مستحقّه بتأخيره، لوجوب التّقابض بين البدلين في مجلس العقد لحقّ الشّرع، إذ يترتّب على تأخير أحدهما ولو بالتّراضي ربا النَّساء. ثانياً: في الإجارة: 67 - ذهب الفقهاء على اختلاف مذاهبهم إلى وجوب بذل العوض في عقد الإجارة إذا قبض العاقد بدله، ما لم يكن هناك اتّفاق بين العاقدين على تأجيل العوض، فيتّبع الشّرط ويراعى الاتّفاق عنده، وإن كانت كيفيّة التّسليم مختلفةً بحسب نوع المنفعة المعقود عليها - إجارة أعيان أو إجارة أعمال -، وبما يتناسب مع طبيعة المنافع من كونها أعراضاً تحدث شيئاً فشيئاً، وآناً فآناً على حدوث الأزمان. والتّفصيل في مصطلح: (إجارة ف 45 وما بعدها). ثالثاً: في الصّداق: 68 - اتّفق الفقهاء على أنّ الرّجل إذا سلّم زوجته مهرها المعجّل، فإنّه يجب عليها أن تمكّنه من نفسها إذا طلب ذلك منها. أمّا إذا لم يدفع إليها مهرها المعجّل، فهل يكون للزّوجة الحقّ في الامتناع عن تمكين الزّوج من نفسها حتّى تقبضه ؟ لقد فرّق الفقهاء في هذه الصّورة بين حقّها في ذلك قبل الدّخول بها، وبين حقّها فيه بعده، وبيان ذلك في مصطلح: (مهر).
انظر: فرج.
1 - القبلة في اللّغة: الجهة، يقال: أين قبلتك ؟ والّتي يصلّى إليها، والحالة الّتي عليها الإنسان من الاستقبال، يقال: ما لكلامه قبلة، ثمّ صارت حقيقةً شرعيّةً في الكعبة المشرّفة لا يفهم منها غيرها. أ - الشّطر: 2 - شطر كلّ شيء نصفه، والشّطر القصد والجهة، قال تعالى: { وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره } أي قصده وجهته. والشّطر أعمّ من القبلة. ب - النّحو: 3 - النّحو القصد، تقول: نحوت نحو الشّيء - من باب قتل - إذا قصدته. وهو أعمّ من القبلة.
4 - كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي بضعة عشر شهراً إلى بيت المقدس بعد قدومه المدينة، ففرحت اليهود بذلك، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يحبّ قبلة إبراهيم عليه السلام، وكان يدعو اللّه، وينظر إلى السّماء، رجاء أن ينزل جبريل عليه السلام بالّذي سأل، فأنزل اللّه: { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } أي حوّل وجهك نحو الكعبة، فارتاب اليهود، فأنشأوا يقولون: قد اشتاق الرّجل إلى بيت أبيه، وما لهم حتّى تركوا قبلتهم، يصلّون مرّةً وجهاً ومرّةً وجهاً آخر ؟ وفرح المشركون، وقالوا: إنّ محمّداً قد التبس عليه أمره، ويوشك أن يكون على دينكم، وقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلة زماناً، ثمّ تركوها، وتوجّهوا إلى غيرها، وقال المشركون من أهل مكّة: تحيّر على محمّد دينه فتوجّه بقبلته إليكم، وعلم أنّكم أهدى منه، ويوشك أن يدخل في دينكم، فأنزل اللّه الآيات: { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا } والآيات بعدها.
5 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ التّوجّه نحو الكعبة في الصّلاة شرط من شروط صحّتها للقادر عليه لقوله تعالى: { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ }. والاستقبال لا يجب في غير الصّلاة فتعيّن أن يكون فيها، وقد ورد أنّه صلى الله عليه وسلم: «ركع ركعتين قبل الكعبة وقال: هذه القبلة» مع حديث: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» فلا تصحّ صلاة قادر على استقبالها بدونه بإجماع المسلمين. واحترز بالقادر عن العاجز كمريض عجز عمّن يوجّهه ومربوط على خشبة، وغريق على لوح يخاف من استقباله الغرق، ومن خاف من نزوله عن دابّته على نفسه أو ماله، أو انقطاعاً عن الرّفقة، فإنّه يصلّي على حسب حاله. وعند اشتداد الخوف، بحيث لا يتمكّن من الصّلاة إلى القبلة، لالتحام الجيش، والحاجة إلى الكرّ والفرّ، والطّعن والضّرب والمطاردة، فله أن يصلّي على حسب حاله راجلاً وراكباً إلى القبلة إن أمكن، وإلى غيرها إن لم يمكن. والتّفصيل في: (استقبال ف 9، وصلاة الخوف ف 9). واستثني أيضاً من وجوب استقبال القبلة: صلاة المتطوّع في السّفر على الرّاحلة. والتّفصيل في: (استقبال ف 9).
6 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ من قدر على رؤية الكعبة يجب عليه أن يتوجّه إلى عين الكعبة، ولا يجوز له الاجتهاد، واختلفوا فيمن غاب عن الكعبة ولا يقدر على رؤيتها لبعدها عنه، هل فرضه إصابة عين الكعبة أو الجهة ؟ فذهب قوم إلى أنّ الفرض هو العين، وذهب آخرون إلى أنّه الجهة. والتّفصيل في مصطلح: (استقبال ف 12 - 19).
انظر: تقبيل.
1 - القبول في اللّغة من قَبِل الشّيء قَبولاً وقُبولاً: أخذه عن طيب خاطر، يقال: قبل الهديّة ونحوها. وقبِلت الخبر: صدّقته، وقبِلت الشّيء قبولاً: إذا رضيته، وقبِل العمل: رضيه. والقبول: الرّضا بالشّيء وميل النّفس إليه، وقبِل اللّه الدّعاء: استجابه. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ، فيجعله الفقهاء علامةً على الرّضا بالشّيء في العقود، كالبيع والإجارة ونحو ذلك، وبمعنى تصديق الكلام، وذلك كما في الشّهادة، وبمعنى الأخذ، وذلك كما في البيع بالتّعاطي، وكما في قبض الهبة والهديّة.
الإيجاب: 2 - الإيجاب لغةً: الإلزام، يقال: أوجب الأمر على النّاس إيجاباً: أي ألزمهم إلزاماً، ويقال: وجب البيع، أي: لزم وثبت. ومن معانيه اصطلاحاً: اللّفظ الّذي يصدر من أحد المتعاقدين يوجب به أمراً على نفسه. وهو بهذا المعنى يكون شطر الصّيغة في العقود، ويكون القبول هو الشّطر الآخر المتمّم للصّيغة. وعرّفه الحنفيّة بأنّه: ما يذكر أوّلاً من كلام أحد المتعاقدين، والقبول ما يذكر ثانياً من الآخر، سواء كان: بعت أو اشتريت.
3 - القبول قد يكون باللّفظ كقول المشتري - بعد إيجاب البائع - قبلت، أو رضيت. وقد يكون بالفعل كما في البيع بالتّعاطي. وقد يعتبر السّكوت قبولاً دلالةً، جاء في الدّرّ المختار: القبول من المودع صريحاً كقبلت، أو دلالةً كما لو سكت عند وضعه، فإنّه قبول دلالةً. وقد يكون القبول بالإشارة، فإنّ إشارة الأخرس المفهومة تقوم مقام نطقه. وقد يكون بالكتابة، فالكتابة بالقبول ينعقد بها التّصرّف لأنّها قبول.
4 - القبول قد يكون واجباً كمن تعيّن للقضاء بأن لم يصلح غيره، فيجب عليه القبول، فإن امتنع عصى، وللإمام إجباره على القبول. وقد يكون القبول مستحبّاً، كقبول الهبة والهديّة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إليّ ذراع أو كراع لقبلت» وقبل النّبيّ صلى الله عليه وسلم هديّة النّجاشيّ وتصرّف فيها وهاداه أيضاً. وقد يكون القبول حراماً، كقبول الرّشوة، وخاصّةً ما يبذل للحاكم ليحكم بغير الحقّ لقول عبد اللّه بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: «لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الرّاشي والمرتشي». وقد يكون القبول مباحاً، كالقبول في العقود. وقد ذكر الشّيخ عليش في الوديعة ما يجعل قبولها واجباً أو حراماً أو مكروهاً أو مباحاً ومثل ذلك في حاشية ابن عابدين. تقدّم القبول على الإيجاب: 5 - القبول عند جمهور الفقهاء هو ما يصدر ممّن يتملّك المبيع أو القرض، أو ممّن ينتفع به كالمستأجر والمستعير، أو ممّن يلتزم بعمل كالمضارب والمودع، أو ممّن يملك الاستمتاع بالبضع كالزّوج، وسواء صدر القبول أوّلاً أو آخراً، والإيجاب عندهم هو ما يصدر من البائع والمؤجّر ووليّ الزّوجة وهكذا، وسواء صدر الإيجاب أوّلاً أو آخراً، وعلى ذلك فإنّه يجوز أن يتقدّم القبول على الإيجاب أو يتأخّر عنه، وذلك لتحديد القابل والموجب. إلاّ أنّ الحنابلة يخالفون المالكيّة والشّافعيّة في عقد النّكاح، فلا يجوز عندهم تقدّم الإيجاب على القبول فيه قالوا: لأنّ القبول إنّما يكون للإيجاب، فمتى وجد قبله لم يكن قبولاً لعدم معناه، بخلاف البيع، لأنّ البيع يصحّ بالمعاطاة، ولأنّه لا يتعيّن فيه لفظ، بل يصحّ بأيّ لفظ كان ممّا يؤدّي المعنى. أمّا الحنفيّة فالقبول عندهم هو ما يذكره الطّرف الثّاني في العقد دالاً على رضاه بما أوجبه الطّرف الأوّل. فهم يعتبرون الكلام الّذي يصدر أوّلاً إيجاباً والكلام الّذي يصدر ثانياً قبولاً، وسواء كان القابل بائعاً أو مشترياً، مستأجراً أو مؤجّراً، الزّوج أو الزّوجة أو وليّها، يقول الكمال بن الهمام: الإيجاب: هو إثبات الفعل الدّالّ على الرّضا الواقع أوّلاً سواء وقع من البائع كبعت، أو من المشتري كأن يبتدئ المشتري فيقول: اشتريت منك هذا بألف، والقبول: الفعل الثّاني، وإلاّ فكلّ منهما إيجاب أي إثبات، فسمّي الإثبات الثّاني بالقبول تمييزاً له عن الإثبات الأوّل، ولأنّه يقع قبولاً ورضاً بفعل الأوّل.
6 - القبول قد يكون من اللّه سبحانه وتعالى، وقد يكون من العباد بعضهم من بعض، وبيان ذلك فيما يأتي:
7 - القبول من اللّه سبحانه وتعالى يأتي بمعنيين: الأوّل: بمعنى الصّفح والسّتر والغفران، وذلك في قبول توبة العبد، وهو المراد من قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ }. وينظر تفصيل ذلك في مصطلح: (توبة ف 12). الثّاني: يكون القبول من اللّه سبحانه وتعالى بمعنى الإثابة على العمل، لكن هل هناك تلازم بين صحّة العمل وإجزائه وبين قبوله عند اللّه سبحانه وتعالى، أم لا تلازم بينهما ؟ يقول القرافيّ: هنا قاعدة، وهي أنّ القبول غير الإجزاء وغير الفعل الصّحيح، فالمجزئ من الأفعال وهو الصّحيح: ما اجتمعت شرائطه وأركانه، وانتفت موانعه، فهذا يبرئ الذّمّة بغير خلاف ويكون فاعله مطيعاً بريء الذّمّة، فهذا أمر لازم مجمع عليه، أمّا الثّواب عليه فالمحقّقون على عدم لزومه، وأنّ اللّه تعالى قد يبرئ الذّمّة بالفعل ولا يثيب عليه في بعض الصّور، وهذا هو معنى القبول. ويدلّ على ذلك أمور: أحدها: قوله تعالى حكاية عن ابني آدم: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } لمّا قرّبا قرباناً فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر، مع أنّ قربانه كان على وفق الأمر، ويدلّ عليه أنّ أخاه علّل عدم القبول بعدم التّقوى، ولو أنّ الفعل مختلّ في نفسه لقال له إنّما يتقبّل اللّه العمل الصّحيح الصّالح، لأنّ هذا هو السّبب القريب لعدم القبول، فحيث عدل عنه دلّ ذلك على أنّ الفعل كان صحيحاً مجزئاً، وإنّما انتفى القبول لأجل انتفاء التّقوى، فدلّ ذلك على أنّ العمل المجزئ قد لا يقبل وإن برئت الذّمّة به وصحّ في نفسه. وثانيها: قوله تعالى حكاية عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } فسؤالهما القبول في فعلهما مع أنّهما صلوات اللّه عليهما وسلامه لا يفعلان إلاّ فعلاً صحيحاً يدلّ على أنّ القبول غير لازم للفعل الصّحيح ولذلك دعوا به لأنفسهما. وثالثها: الحديث الصّحيح وهو قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام أوخذ بالأوّل والآخر» فاشترط في الجزاء الّذي هو الثّواب أن يحسن في الإسلام والإحسان في الإسلام هو التّقوى. ورابعها: قوله عليه الصلاة والسلام في الأضحيّة لمّا ذبحها: «اللّهمّ تقبّل من محمّد وآل محمّد»، فسأل عليه الصلاة والسلام القبول مع أنّ فعله في الأضحيّة كان على وفق الشّريعة، فدلّ ذلك على أنّ القبول وراء براءة الذّمّة والإجزاء، وإلاّ لما سأله عليه الصلاة والسلام، فإنّ سؤال تحصيل الحاصل لا يجوز. وخامسها: أنّ صلحاء الأمّة وخيارها لا يزالون يسألون اللّه تعالى القبول في العمل، ولو كان ذلك طلباً للصّحّة والإجزاء لكان هذا الدّعاء إنّما يحسن قبل الشّروع في العمل، فيسأل اللّه تعالى تيسير الأركان والشّرائط وانتفاء الموانع، أمّا بعد الجزم بوقوعها فلا يحسن ذلك. فدلّت هذه الوجوه على أنّ القبول غير الإجزاء وغير الصّحّة وأنّه الثّواب. وساق القرافيّ أدلّةً أخرى غير ما سبق، ثمّ قال: إذا تقرّر هذا الفرق، فالظّاهر أنّ وصف التّقوى شرط في القبول بعد الإجزاء، والتّقوى هاهنا ليست محمولةً على المعنى اللّغويّ وهو مجرّد الاتّقاء للمكروه من حيث الجملة، ولكنّها اجتناب المحرّمات وفعل الواجبات حتّى يكون ذلك الغالب على الشّخص.
8 - قبول العباد بعضهم من بعض يكون في التّصرّفات الّتي تتمّ بينهم. ومن هذه التّصرّفات ما يشترط فيه القبول، وهي العقود الّتي تتمّ بإرادتين كالبيع والإجارة والعاريّة الوديعة والقراض والصّلح والنّكاح وغيرها، فهذه العقود يتوقّف تمامها على القبول، إذ هو مقابل الإيجاب، والعقد لا يتمّ إلاّ بالإيجاب والقبول، لأنّهما يكوّنان الصّيغة الّتي هي ركن العقد. ومن هذه التّصرّفات ما لا يشترط فيه القبول، وهي الّتي تتمّ بإرادة واحدة، من ذلك: الوقف على غير معيّن كالوقف على المساجد وعلى الفقراء والمساكين وكذا الوصيّة لمثل ذلك، ومنها الإسقاطات المحضة كالطّلاق والعتاق إذا كانا بغير عوض، فهذه التّصرّفات لا يشترط فيها قبول ويكفي لتمامها الإيجاب فقط. ومن هذه التّصرّفات ما اختلف في اشتراط القبول فيه، كالإبراء بناءً على الاختلاف في أنّه إسقاط أو تمليك. وينظر تفصيل ذلك في مصطلح: (عقد). 9- وممّا يتّصل بالقبول ما هو خارج عن دائرة العقود كقبول شهادة الشّاهد، وقبول الدّعوة للولائم على ما سيأتي بيانه. للقبول في العقود شروط منها: أ - أن يكون القبول على وفق الإيجاب: 10 - وهذا شرط في جميع العقود، ففي البيع مثلاً يشترط أن يقبل المشتري ما أوجبه البائع، فإن خالفه بأن قبل غير ما أوجبه أو بعض ما أوجبه لم ينعقد العقد، فلو قال البائع: بعتك بعشرة فقال المشتري: قبلته بثمانية لم ينعقد البيع. وينظر تفصيل ذلك في مصطلح: (بيع ف 20). ب - أن يكون القبول في مجلس الإيجاب: 11 - هذا الشّرط يعبّر عنه الحنفيّة بـ " اتّحاد المجلس " والمراد بهذا: ألا يتفرّق العاقدان قبل القبول، وألاّ يشتغل القابل أو الموجب بعمل غير ما عقد له المجلس، لأنّ حالة المجلس كحالة العقد، فإن تفرّقا، أو تشاغلا بما يقطع المجلس عرفاً فلا ينعقد العقد، لأنّ ذلك إعراض عنه، وهذا باتّفاق الفقهاء. ولا يضرّ تراخي القبول عن الإيجاب ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفاً، وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة. أمّا الشّافعيّة فإنّهم يقولون: كلّ ما يشترط فيه القبول من العقود فعلى الفور أي أن يكون عقب الإيجاب، ولا يضرّ عندهم الفصل اليسير. ج - عدم لزوم القبول: 12 - إذا صدر الإيجاب من أحد المتعاقدين فالعاقد الآخر بالخيار: إن شاء قبل في المجلس، وإن شاء ردّ، وهو ما يعبّر عنه الحنفيّة بـ " خيار القبول " قالوا: لأنّه لو لم يثبت له خيار القبول يلزمه حكم البيع من غير رضاه، ويمتدّ خيار القبول إلى انفضاض المجلس، فما دام المجلس قائماً فله أن يقبل أو يدع ما لم يرجع الموجب عن إيجابه قبل انقضاء المجلس. ويوافق الحنفيّة في ذلك الشّافعيّة والحنابلة، لأنّهم يأخذون بخيار المجلس عملاً بالحديث الّذي رواه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إذا تبايع الرّجلان فكلّ واحد منهما بالخيار ما لم يتفرّقا». أمّا المالكيّة فلا يجوز الرّجوع عندهم لمن تقدّم كلامه أوّلاً ولو قبل رضا الآخر، إلاّ في حالة ما إذا كان كلام المتقدّم بصيغة المضارع ثمّ يدّعي أنّه ما أراد البيع، إنّما أراد به الوعد أو الهزل، فإنّه حينئذ يحلف ويصدّق. وإذا صدر القبول بعد الإيجاب موافقاً له أصبح التّصرّف لازماً لا يجوز الرّجوع عنه إن كان من التّصرّفات اللازمة كالبيع والإجارة. وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة، وعند الشّافعيّة والحنابلة لا يلزم التّصرّف إلاّ بانفضاض المجلس أو الإلزام. ويستدلّ ابن قدامة بما روى ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إذا تبايع الرّجلان فكلّ واحد منهما بالخيار ما لم يتفرّقا، وكانا جميعاً، أو يخيّر أحدهما الآخر، فإن خيّر أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرّقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع». وينظر تفصيل ذلك في مصطلح: (خيار المجلس ف 2 وما بعدها). د - أن يكون القابل أهلاً للتّصرّفات: 13 - وهو أن يكون بالغاً عاقلاً، وذلك شرط في المعاوضات الماليّة، فلا يصحّ القبول من صبيّ أو مجنون، وإنّما يقوم مقامهما الأب أو الوصيّ أو القاضي. أمّا في عقود التّبرّعات كالوصيّة والهبة فيصحّ القبول منهما لما في ذلك من الغبطة لهما، ولا يتوقّف القبول على إجازة الوليّ أو الوصيّ، وهذا في الجملة. وينظر تفصيل ذلك في مصطلح: (أهليّة ف 21، 27).
14 - المقصود بقبول الشّهادة: تصديق القاضي فيما يشهد به الشّاهد ليرتّب الحكم على شهادته، إذ الشّهادة حجّة شرعيّة تظهر الحقّ وتوجب على الحاكم أن يحكم بمقتضاها، لأنّها إذا استوفت شروطها كانت مظهرةً للحقّ والقاضي مأمور بالقضاء بالحقّ. ونظراً لما يترتّب عليها فقد وضع الفقهاء شروطاً لقبول الشّهادة من حيث الشّاهد ككونه بالغاً عاقلاً عدلاً غير متّهم... إلخ. ومن حيث المشهود به ككونه معلوماً، ومن حيث عدد الشّهود... وهكذا. وينظر تفصيل ذلك في مصطلح: (شهادة ف 9 وما بعدها).
|