الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
1 - الفُرقة - بضمّ الفاء - اسم من المفارقة، ومعناها في اللّغة: المباينة، وأصلها من الفرق بمعنى الفصل، يقال: فرق بين الشّيئين فرقاً وفرقاناً: فصل بينهما، وافترق القوم فرقةً: ضدّ اجتمعوا. والفِرقة - بالكسر - جماعة منفردة من النّاس. وفي الاصطلاح: يذكر الفقهاء هذه الكلمة ويريدون بها انحلال رابطة الزّواج، والفصل والمباينة بين الزّوجين، سواء أكانت بطلاق أم بغيره.
أ - الطّلاق: 2 - الطّلاق لغةً: الحلّ ورفع القيد، يقال: طلقت المرأة وأطلقت: سرّحت. وفي الاصطلاح: هو رفع قيد النّكاح في الحال أو في المآل بألفاظ مخصوصة أو ما يقوم مقامها. والعلاقة بين الطّلاق والفرقة هي أنّ الطّلاق من أنواع الفرقة، والفرقة أعمّ من الطّلاق لأنّها قد تكون فسخاً. ب - الخلع: 3 - الخلع - بالفتح - مصدر، وبالضّمّ اسم، ومعناه في اللّغة: النّزع والإزالة. وفي الاصطلاح: الخُلع بالضّمّ: فرقة بعوض مقصود لجهة الزّوج بلفظ طلاق أو خلع. والعلاقة بين الخلع وبين الفرقة هي أنّ الخلع نوع من أنواع الفرقة، والفرقة أعمّ من الخلع. ج - الفسخ: 4 - الفسخ لغةً: النّقض والإزالة. وفي الاصطلاح حلّ رابطة العقد، وبه تنهدم آثار العقد وأحكامه الّتي نشأت عنه. والعلاقة بين الفرقة والفسخ العموم والخصوص من وجه، فيجتمعان في فسخ عقد النّكاح، والفرقة أعمّ من الفسخ في بعض صورها كما في الفرقة بالطّلاق، وهو أعمّ من الفرقة في بعض الصّور، كالفسخ في عقود البيع والإجارة ونحوهما.
أ - الفرقة بسبب الشّقاق بين الزّوجين: 5 - الشّقاق هو النّزاع بين الزّوجين، فإذا وقع وتعذّر الإصلاح بينها يبعث حكم من أهل كلّ واحد منهما للعمل في الإصلاح بينهما بحكمة ورويّة، مطابقاً لقوله تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا }. فإن نجحا في الإصلاح، وإلاّ جاز لهما التّفريق بين الزّوجين إمّا بشرط التّوكيل والتّفويض لهما على ذلك كما ذهب إليه الحنفيّة والحنابلة في قول، أو دون حاجة إلى التّوكيل والتّفويض بل بموجب التّحكيم، كما قال به المالكيّة والحنابلة في قول آخر، وعلى تفصيل عند الشّافعيّة. والتّفصيل في مصطلح: (طلاق ف 73 - 76). ب - الفرقة بسبب العيب: 6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التّفريق بسبب العيب في الرّجل أو المرأة على سواء، وخصّ الحنفيّة جواز الفرقة بينهما بعيوب في الزّوج، وهي: الجبّ والعنّة والخصاء فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وزاد عليها محمّد: الجنون. واختلف الجمهور في أنواع العيوب الّتي تجوز بسببها الفرقة بين الزّوجين بين موسّع ومضيّق. والتّفصيل في مصطلح: (طلاق ف 93 - 106). ج - الفرقة بسبب الغيبة: 7 - اختلف الفقهاء في حكم الفرقة بين الزّوجين بسبب الغيبة بناءً على اختلافهم في حكم استدامة الوطء، هل حقّ للزّوجة كالزّوج، أو لا ؟ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة وهو قول القاضي من الحنابلة إلى أنّ حقّ المرأة في الوطء قضاء ينتهي بالوطء مرّةً واحدةً، فإذا غاب الزّوج عنها بعد ذلك وترك لها ما تنفقه على نفسها لم يكن لها حقّ طلب الفرقة. وذهب المالكيّة إلى أنّ هذا الحقّ ثابت للزّوجة مطلقاً، وعلى ذلك فلها طلب التّفريق منه بسبب الغيبة، سواء أكان سفره لعذر أم لغير عذر. وذهب الحنابلة - فيما عدا القاضي - إلى أنّ استدامة الوطء حقّ للزّوجة ما لم يكن في الزّوج عذر مانع، كالمرض ونحوه، فإذا غاب الزّوج عن زوجته بغير عذر كان لها طلب التّفريق. والتّفصيل في مصطلح: (طلاق ف 87، 88، غيبة). د - الفرقة بسبب الإعسار: 8 - الإعسار إمّا أن يكون بالصّداق، أو يكون بالنّفقة. أمّا الإعسار بالصّداق فاختلف الفقهاء في حكمه كالتّالي: ذهب الحنفيّة إلى عدم جواز الفرقة بالإعسار بالمهر أو غيره، لكنّهم قالوا: للزّوجة قبل الدّخول منع تسليم نفسها للزّوج حتّى تستوفي معجّل صداقها. وأجاز المالكيّة الفرقة بين الزّوجين بسبب إعسار الزّوج عن معجّل الصّداق إذا ثبت عسره، ولا يرجى زواله. أمّا الشّافعيّة والحنابلة فلهم في المسألة تفصيل تختلف أحكامه حسب اختلاف الأحوال. والتّفصيل في مصطلح: (إعسار ف 14، وطلاق ف 79). أمّا الإعسار بنفقة الزّوجة فإذا ثبت بشروطه وطلبت الزّوجة التّفريق بينهما بسبب ذلك يفرّق بينهما عند جمهور الفقهاء، خلافاً للحنفيّة الّذين قالوا بالاستدانة عليه، ويؤمر بالأداء من تجب عليه نفقتها لولا الزّوج. وللتّفصيل ينظر مصطلح: (إعسار ف 19، وطلاق ف 82). هـ - الفرقة بسبب الإيلاء: 9 - إذا حصل الإيلاء من الزّوج كأن حلف باللّه تعالى أن لا يقرب زوجته أربعة أشهر أو أكثر، أو علّق على قربانها أمراً فيه مشقّة على نفسه كأن يقول: إن قربتك فللّه عليّ صيام شهر، أو نحو ذلك، وتحقّقت شروط الإيلاء، وأصرّ الزّوج على عدم قربان زوجته، كان ذلك داعياً إلى الفرقة بينه وبين زوجته، لأنّ في هذا الامتناع إضراراً بالزّوجة، فكان لها الحقّ في مطالبته بالعودة إلى معاشرتها، وإلاّ فللزّوجة أن ترفع الأمر إلى القاضي فيأمر الزّوج بالرّجوع عن موجب يمينه، فإن أبى أمره بتطليقها، فإن لم يطلّق طلّقها عليه القاضي، وهذا عند الجمهور. وقال الحنفيّة: إنّ الطّلاق يقع بمجرّد مضيّ أربعة أشهر إذا لم يقربها، ولا يتوقّف على الرّفع إلى القضاء. والتّفصيل في مصطلح: (إيلاء ف 1، 17). و - الفرقة بسبب الرّدّة: 10 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الرّدّة سبب للفرقة بين الزّوجين فوراً، واختلفوا في كيفيّة الفرقة، فقال الحنفيّة: إذا ارتدّ أحد الزّوجين المسلمين بانت منه امرأته مسلمةً كانت أو كتابيّةً، دخل بها أو لم يدخل، ويكون ذلك فسخاً عاجلاً لا يتوقّف على قضاء. واستثنى المالكيّة حالة ما إذا قصدت المرأة بردّتها فسخ النّكاح، فلا تفسخ الرّدّة في هذه الحالة النّكاح، معاملةً لها بنقيض قصدها. وعند الشّافعيّة لا تقع الفرقة بينهما فوراً حتّى تمضي عدّة الزّوجة قبل أن يتوب ويرجع إلى الإسلام، فإذا انقضت العدّة وقعت الفرقة، وإن عاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدّة فهي امرأته. وذهب الحنابلة إلى أنّ الرّدّة إن كانت قبل الدّخول يفرّق بين الزّوجين فوراً، وإن كانت بعد الدّخول ففي رواية تنجز الفرقة، وفي رواية أخرى تتوقّف على انقضاء العدّة. والتّفصيل في مصطلح: (ردّة ف 44). ز - الفرقة بسبب اختلاف الدّار: 11 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ مجرّد اختلاف الدّار لا يعتبر سبباً للفرقة بين الزّوجين ما لم يحصل بينهما اختلاف في الدّين. وقال الحنفيّة: إنّ اختلاف داري الزّوجين حقيقةً وحكماً موجب للفرقة بينهما، فلو دخل حربيّ دار الإسلام وعقد الذّمّة وترك زوجته في دار الحرب انفسخ نكاحهما، وكذا العكس والتّفصيل في مصطلح: (اختلاف الدّارين ف 5). ح - الفرقة بسبب اللّعان: 12 - ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا قذف الرّجل زوجته قذفاً موجباً للحدّ، أو نفى حملها وولدها منه، فإنّه يلاعن بينهما، لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ }. وإذا حصلت الملاعنة بين الزّوجين يفرّق بينهما لقوله صلى الله عليه وسلم: «المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان». ولا تحتاج هذه الفرقة إلى حكم القاضي عند المالكيّة وهو رواية عند الحنابلة، لأنّ سبب الفرقة قد وجد فتقع. وذهب الحنفيّة - وهو ظاهر مذهب الحنابلة - إلى أنّه لا تتمّ الفرقة بين المتلاعنين إلاّ بحكم القاضي لما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرّق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين وقال: حسابكما على اللّه»، لكن يحرم الاستمتاع بينهما بعد التّلاعن ولو قبل الفرقة. وقال الشّافعيّة: يتعلّق بلعان الزّوج فرقة مؤبّدة، وإن لم تلاعن الزّوجة أو كان كاذباً. والتّفصيل في مصطلح: (لعان). ط - الفرقة بسبب الظّهار: 13 - إذا ظاهر الرّجل من امرأته بأن قال لها: أنت كظهر أمّي: وتوافرت شروط الظّهار، تحرم المعاشرة الزّوجيّة قبل التّكفير عن الظّهار، وهذه الحرمة تشمل حرمة الوطء اتّفاقاً، وحرمة دواعي الوطء عند جمهور الفقهاء. وذهب الشّافعيّة في الأظهر وبعض المالكيّة وأحمد في رواية إلى إباحة دواعي الوطء. فإن امتنع الزّوج عن التّكفير كان للزّوجة أن ترفع الأمر إلى القاضي ليجبره على التّكفير أو الطّلاق. والتّفصيل في مصطلح: (ظهار ف 22 - 24).
14 - الفرقة طلاق أو فسخ أو انفساخ، حسب اختلاف الأسباب والأحوال، وتختلف أحكام الطّلاق عن أحكام الفسخ والانفساخ كما يختلف الحكم على الفرقة بأنّها طلاق أو فسخ حسب اختلاف أسباب الفرقة، وإجمال ذلك في الآتي: الفرقة بسبب الشّقاق بين الزّوجين حكم الحكمين طلاق بائن عند الجمهور، ولا يرى الحنفيّة الفرقة في هذه الحالة إلاّ بالتّوكيل. والفرقة بالعيب طلاق بائن عند الحنفيّة والمالكيّة، وفسخ عند الشّافعيّة والحنابلة. والفرقة بسبب غيبة الزّوج طلاق عند المالكيّة، وفسخ عند الحنابلة في رواية، وهي تحتاج إلى حكم القاضي، ولا يرى الحنفيّة والشّافعيّة والقاضي من الحنابلة الفرقة بسبب الغيبة أصلاً. والفرقة بسبب الإعسار بالمهر فسخ عند الشّافعيّة، طلاق عند المالكيّة. والفرقة بسبب الخلع طلاق بائن اتّفاقاً إذا وقع بلفظ الطّلاق أو نوى به الطّلاق، وإلاّ فهي طلاق عند الجمهور، وفسخ عند الحنابلة في المشهور. والفرقة بسبب الرّدّة فسخ عند الجمهور، وطلقة بائنة عند المالكيّة في المشهور. والفرقة بسبب اللّعان طلاق عند الحنفيّة، وفرقة مؤبّدة عند الشّافعيّة، وفسخ عند المالكيّة والحنابلة. وتفصيل ذلك في مصطلحات هذه المسائل.
أ - من حيث عدد الطّلقات: 15 - من المقرّر عند الفقهاء أنّ الزّوج له على زوجته ثلاث طلقات، لا تحلّ له بعدها حتّى تنكح زوجاً غيره، لقوله تعالى: { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }، وقولـه سبحانه وتعالى: { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ }. وعلى ذلك، فإذا اعتبرت الفرقة طلاقاً رجعيّاً أو بائناً ينقص بذلك عدد الطّلقات المستحقّة للزّوج على زوجته، بخلاف ما إذا اعتبرت الفرقة فسخاً، حيث يبقى العدد المستحقّ بعد الفرقة كما كان قبلها. ب - من حيث العدّة: 16 - لا يختلف الطّلاق عن الفسخ في أصل وجوب العدّة عند الفقهاء، لكن يختلف حكم المعتدّة من الطّلاق عن المعتدّة من الفسخ في الجملة، وذلك لأنّ المعتدّة من الطّلاق الرّجعيّ أو البائن بينونةً صغرى تعتبر صالحةً لوقوع الطّلاق الآخر، بخلاف المعتدّة من الفسخ، فلا يقع عليها الطّلاق إلاّ في حالات خاصّة، كالفسخ بسبب ردّة أحد الزّوجين، أو إباء الزّوجة غير الكتابيّة عن الإسلام. تفصيل ذلك ينظر في مصطلح: (عدّة ف 49). ج - من حيث ثبوت النّفقة أثناء العدّة: 17 - اتّفق الفقهاء على وجوب النّفقة للمعتدّة من طلاق رجعيّ، كما اتّفقوا على وجوبها للمعتدّة من طلاق بائن إذا كانت حاملاً، وفي غير الحامل عندهم خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح: (نفقة). واختلفوا في المعتدّة من الفسخ، فقال الحنفيّة: إذا كان الفسخ من قبل الزّوج، أو كان من قبل الزّوجة في غير معصية، فلها النّفقة، وإن كان من قبل الزّوجة بسبب المعصية كالرّدّة، فلها السّكنى فقط دون النّفقة، وذهب الحنابلة إلى عدم وجوب النّفقة للمعتدّة عن الفسخ إذا لم تكن حاملاً. وعند المالكيّة والشّافعيّة في المسألة تفصيل، ينظر في مصطلحي: (عدّة 63، وحامل ف 8 ونفقة). د - من حيث وجوب الإحداد: 18 - اتّفق الفقهاء على عدم الإحداد على المطلّقة طلاقاً رجعيّاً وزوجها غير متوفّىً. وأمّا المعتدّة من طلاق بائن بينونةً صغرى أو كبرى فقد اختلف فيه الفقهاء على اتّجاهين: الأوّل: أنّ عليها الإحداد، والثّاني: أنّه لا إحداد عليها. وأمّا المفسوخ زواجها، فذهب الجمهور إلى أنّه لا إحداد عليها. وتفصيل ذلك في مصطلح: (إحداد ف 3 - 6).
1 - الفروسيّة في اللّغة: الحذق بركوب الخيل وأمرها وركضها، يقال: رجل فارس بيّن الفروسيّة. ثمّ توسّع فيه فأطلق على الحذق في أمر من الأمور، وأطلق على الشّجاعة فروسيّة. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ.
أ - السّباق: 2 - السّباق مصدر سابق، ومصدر الثّلاثي منه سبق، وهو في اللّغة: التّقدّم في الجري، وفي كلّ شيء، يقال: سبقت الخيل، وسابقت بينها: إذا أرسلت عليها فرسانها لتنظر أيّها تسبق، والسّبق - بالتّحريك - الخطر الّذي يوضع في النّضال، والرّهان في الخيل. والسّباق مظهر من مظاهر الفروسيّة. ب - الشّجاعة: 3 - الشّجاعة في اللّغة قوّة القلب والاستهانة بالحروب جراءةً وإقداماً. واصطلاحاً هي: هيئة حاصلة للقوّة الغضبيّة بين التّهوّر والجبن، بها يقدم على أمور ينبغي أن يقدم عليها. والشّجاعة ترادف الفروسيّة في أحد معانيها.
4 - الفروسيّة بمعنى الحذق بركوب الخيل مأمور بها شرعاً، وقد ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل الّتي أضمرت من الحفياء وأمدها ثنيّة الوادع، وسابق بين الخيل الّتي لم تضمر من الثّنيّة إلى مسجد بني زريق. قال القرطبيّ: تعلّم الفروسيّة واستعمال الأسلحة فرض كفاية وقد يتعيّن.
5 - من أهمّ ما تكون فيه الفروسيّة اثنان: هما: أ - القتال في سبيل إعلاء كلمة اللّه تعالى، والدّفاع عن بيضة الإسلام. ب - الدّفاع عن الدّين بالحجّة والبيان والبرهان. وتظهر الفروسيّة في القتال في أشياء: أ - ركوب الخيل والمسابقة عليها والتّمرّن بذلك. ب - رمي النّشّاب واللّعب بالرّمح، وهي بنود كثيرة ومبناه التّبطيل، والنّقل، والتّسريج، والنّشل، والطّعن، والدّخول، والخروج، ومداره على أصلين: الطّعن، والتّبطيل. فالفروسيّة الحقّة: أن لا يطعن الفارس في موطن التّبطيل، ولا يبطل في موضع الطّعن، بل يعطي كلّ حال ما يليق به، وأن يعرف حكم ملازقة القِرن، ومفارقته، ومضايقته، وهزلـه وجدّه، وكرّه وفرّه، وطلوعه، ونزوله، ومواضع الطّعن والضّرب، والإقدام، والإحجام، واستعمال الطّعن الكاذب في موضعه، والصّادق في موضعه، والاستدارة عند المجاولة يميناً، وشمالاً. ولمّا كان الجلاد بالسّيف والسّنان، والجدال بالحجّة والبرهان لازمين للدّفاع عن الدّين، كانت أحكام كلّ منهما شبيهةً بأحكام الآخر، وكان أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في الفروسيّتين، ففتحوا القلوب بالحجّة، والبلدان بالسّيف والسّنان، وما النّاس إلاّ هؤلاء الفريقان، ومن عداهما، فإن لم يكن ردءاً وعوناً لهما فهو كَلٌّ على نوع الإنسان، وقد أمر اللّه سبحانه وتعالى رسوله بجدال الكفّار، والمنافقين، كما أمره بجلادة أعدائه المشاقّين والمحاربين. وقد عدّ الفقهاء القيام بإقامة الحجج العلميّة، وحلّ المشكلات في الدّين، ودفع الشّبه الّتي يثيرها الكفّار والمنافقون، من فروض الكفاية، إذا قام بعض المسلمين بها يسقط الحرج عن الباقين، وإن تركوها أثموا جميعاً كالجهاد بالسّيف والسّنان تماماً، لأنّ الحجّة تسلّط صاحبها على خصمه فصاحب الحجّة له سلطان وقدرة على خصمه، وإن كان عاجزاً عنه بيده، وهي أحد أقسام النّصرة الّتي نصر اللّه بها رسله والمؤمنين في الدّنيا. قال تعالى: { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ }.
انظر: قذف.
انظر: ريح.
1 - الفساد في اللّغة: نقيض الصّلاح، وخروج الشّيء عن الاعتدال، قليلاً كان الخروج أو كثيراً، يقال: فسد اللّحم: أنتن، وفسدت الأمور: اضطربت، وفسد العقد: بطل. وفي الاصطلاح: عرّف جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة الفساد بأنّه: مخالفة الفعل الشّرع بحيث لا تترتّب عليه الآثار، ولا يسقط القضاء في العبادات. وعرّف الحنفيّة الفاسد بأنّه ما شرع بأصله دون وصفه.
الصّحّة: 2 - الصّحّة في اللّغة ضدّ السّقم والمرض، وقد استعيرت الصّحّة للمعاني، يقال: صحّت الصّلاة إذا سقط بها وجوب القضاء، ويقال: صحّ العقد إذا ترتّب عليه أثره. ولا يختلف المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ، فالصّحّة والفساد متباينان.
3 - فساد التّصرّف يحرّمه ويؤثّم فاعله إذا علم بفساده، سواء أكان ذلك في العبادات، كالصّلاة بدون طهارة، والأكل في نهار رمضان، أم كان ذلك في المعاملات، كبيع الميتة والدّم، والاستئجار على الغناء المحرّم والنّوح، وكرهن الخمر عند المسلم ولو كانت لذمّيّ وما شابه ذلك، أم كان في النّكاح، كنكاح معتدّة الغير. وفساد البيع عند الحنفيّة وإن كان يفيد الملك بالقبض إلاّ أنّ الإقدام عليه حرام، ويجب فسخه حقّاً للّه تعالى، لأنّ فعله معصية، فعلى العاقد التّوبة منه بفسخه.
4 - تفسد العبادة بأمور منها: أ - ترك شرط من شروط صحّة العبادة، كترك ستر العورة، أو الطّهارة، أو استقبال القبلة في الصّلاة. وتفصيل ذلك في مصطلح: (صلاة ف 115 وما بعدها). وكترك الطّهارة من الحدث والخبث في الطّواف. وتفصيل ذلك في مصطلح: (طواف ف 22). ب - ترك ركن من أركان العبادة، وذلك كترك النّيّة، أو تكبيرة الإحرام في الصّلاة عند الجمهور، أو القيام في الفرض للقادر عليه. وتفصيل ذلك في مصطلح: (صلاة ف 16 - 18). وكترك الإمساك عن المفطرات في الصّوم. وتفصيل ذلك في مصطلح: (صوم ف 24). ج - ارتكاب فعل من الأفعال الّتي تفسد العبادة، وذلك كالأكل والشّرب في الصّلاة. وتفصيل ذلك في مصطلح: (صلاة ف 107 - 114). وكالأكل والشّرب عمداً في الصّوم. وتفصيل ذلك في مصطلح: (صوم ف 32 - 39). ومثل ذلك الجماع في الاعتكاف. وتفصيل ذلك في مصطلح: (اعتكاف ف 27). د - رفض نيّة العبادة في أثناء القيام بها، ومن ذلك: رفض نيّة الصّلاة في أثنائها بأن قطع النّيّة أو عزم على قطعها. وتفصيل ذلك في مصطلح (رفض ف 6). هـ - مخالفة النّهي الوارد على ذات الفعل أو على الوصف الملازم للفعل، لأنّه يدلّ على الفساد في الجملة، كالنّهي عن صوم يوم العيد. أمّا النّهي الوارد على الوصف المجاور للفعل، كالنّهي عن الصّلاة في الدّار المغصوبة، فلا يفيد الفساد عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة، ولكنّه يفيد الفساد عند الحنابلة. وتفصيل ذلك في مصطلح: (نهي) والملحق الأصوليّ.
5 - فساد العبادة يترتّب عليه عدّة آثار، منها: أ - بقاء انشغال الذّمّة بالعبادة إلى أن تؤدّى، إن كانت العبادة ليس لها وقت محدّد كالزّكاة، وعبّر بعض الفقهاء فيها بالإعادة. أو تقضى إن كانت العبادة لا يتّسع وقتها لمثلها كرمضان، أو تعاد إن كان وقتها يتّسع لغيرها معها كالصّلاة، فإن خرج الوقت كانت قضاءً، أو يؤتى بالبدل كالظّهر لمن فسدت جمعته. ب - العقوبة الدّنيويّة في بعض العبادات، كالكفّارة على من تعمّد الإفطار بالجماع في نهار رمضان. ج - عدم المضيّ في الفاسد إلاّ في الصّيام والحجّ، إذ يجب الإمساك في الصّوم، والمضيّ في الحجّ الفاسد، مع القضاء فيهما. د - قد يترتّب على فساد العبادة فساد عبادة أخرى، كالوضوء يفسد بفساد الصّلاة بالقهقهة عند الحنفيّة. هـ - حقّ استرداد الزّكاة إذا أعطيت لغير مستحقّ لها في بعض الأحوال. وتفصيل كلّ ذلك في مصطلحاته.
6 - لا يفرّق جمهور الفقهاء بين الفساد والبطلان، سواء أكان ذلك في العبادات كالصّلاة بدون طهارة، أم في النّكاح كنكاح المحارم، أم في عقود المعاملات كبيع الميتة والدّم والبيع بالخمر، ذلك أنّ كلاً من الفساد والبطلان يدلان على أنّ الفعل وقع على خلاف ما طلبه الشّارع، ولذلك لم يعتبره ولم يرتّب عليه الأثر الّذي رتّبه على الفعل الصّحيح، وهذا في الجملة. وأسباب الفساد عند الجمهور هي أسباب البطلان، وهي ترجع إلى الخلل الواقع في ركن من أركان الفعل، أو في شرط من شروط الصّحّة، أو لورود النّهي عن الوصف الملازم للفعل، أو عن الوصف المجاور عند الحنابلة. يقول ابن رشد في كتاب البيوع: أسباب الفساد العامّة في البيع أربعة: أحدها: تحريم عين المبيع، والثّاني: الرّبا، والثّالث: الغرر، والرّابع: الشّروط الّتي تؤول إلى أحد هذين أو لمجموعهما. ويفرّق الحنفيّة بين الفساد والبطلان في المعاملات، على أساس التّمييز بين أصل العقد ووصفه. وأسباب البطلان عند الحنفيّة هي حدوث خلل في أصل العقد، بأن تخلّف ركن من أركانه أو شرط من شرائط انعقاده. أمّا أسباب الفساد، فهي حدوث خلل في وصف العقد مع سلامة الماهيّة، فإذا اختلّ الوصف: بأن دخل المحلّ شرط فاسد، فالعقد فاسد لا باطل. والتّفصيل في مصطلح: (عقد) وفي الملحق الأصوليّ. التّصرّفات الّتي فرّق فيها الجمهور بين الفساد والبطلان: 7 - الأصل عند جمهور الفقهاء عدم التّفرقة بين الفساد والبطلان، ومع ذلك فإنّهم فرّقوا بينهما في بعض المسائل: فالمالكيّة فرّقوا بين الفساد والبطلان في عقد القراض والمساقاة. والشّافعيّة فرّقوا بينهما في عقود ذكرها الزّركشيّ فقال: الفاسد والباطل سواء في الحكم عندنا، واستثنى النّوويّ: الحجّ والخلع والكتابة والعاريّة. وعند الحنابلة يأتي التّفريق بين الفساد والبطلان في الوكالة والإجارة والشّركة والمضاربة والحجّ وغير ذلك. قال ابن اللّحّام الحنبليّ: البطلان والفساد عندنا مترادفان... ثمّ قال: إذا تقرّر هذا فذكر أصحابنا مسائل فرّقوا فيها بين الفاسد والباطل ثمّ ذكر أمثلةً كثيرةً للمسائل الّتي فرّقوا فيها بين الباطل والفاسد. والتّفصيل في الملحق الأصوليّ.
8 - يتعلّق بالفساد أحكام أوردها الفقهاء في صورة قواعد فقهيّة أو أحكام للمسائل الفقهيّة، منها:
9 - هذه القاعدة من القواعد الّتي ذكرها الحنفيّة في كتبهم، وعبّر عنها ابن نجيم بلفظ آخر هو: " المبنيّ على الفاسد فاسد " ووضّحوا هذه القاعدة فقالوا: يجوز بيع الثّمرة قبل بدوّ صلاحها، ويجب قطعها للحال، فإن استأجر الشّجر إلى وقت الإدراك بطلت الإجارة، لأنّه لا تعامل في إجارة الأشجار المجرّدة، فلا يجوز، وطابت له الزّيادة - وهي ما زاد في ذات المبيع - وذلك لبقاء الإذن. ولو استأجر الأرض إلى أن يدرك الزّرع - أي إلى وقت إدراكه - فسدت الإجارة لجهالة المدّة، ولم تطب الزّيادة لفساد الإذن بفساد الإجارة، وفساد المتضمِّن يوجب فساد المتضمَّن، بخلاف الباطل، فإنّه معدوم شرعاً أصلاً ووصفاً فلا يتضمّن شيئاً، فكانت مباشرته عبارةً عن الإذن. وحاصل الفرق أنّ الفاسد له وجود، لأنّه فائت الوصف دون الأصل، فكان الإذن ثابتاً في ضمنه، فيفسد، أمّا الباطل فلا وجود له أصلاً، فلم يوجد إلاّ الإذن. وفي حاشية الشّلبيّ على الزّيلعيّ: الفرق بين الإذن الثّابت في ضمن الإجارة الباطلة وبينه في ضمن الإجارة الفاسدة: أنّ الإذن في الإجارة الباطلة صار أصلاً مقصوداً بنفسه، لأنّ الباطل لا وجود له، والمعدوم لا يصلح أن يكون متضمّناً، وليس كذلك الإجارة الفاسدة، لأنّ الفاسد ليس معدوماً بأصله، صحّ أن يكون متضمّناً، فإذا فسد المتضمِّن فسد المتضمَّن. والحكم عند جمهور الفقهاء يظهر في العقود الّتي يفرّقون فيها بين الباطل والفاسد، كالعقود المتضمّنة للإذن، مثل الشّركة، والمضاربة، والوكالة، فهذه العقود لا يمنع فسادها صحّة تصرّف المأذون لبقاء الإذن. ففي كتب الشّافعيّة: الفاسد من العقود المتضمّنة للإذن إذا صدرت من المأذون صحّت، كما في الوكالة المعلّقة إذا أفسدناها فتصرّف الوكيل، صحّ لوجود الإذن، وطرده الإمام في سائر صور الفساد. وفي القواعد لابن رجب الحنبليّ: العقود الجائزة كالشّركة والمضاربة والوكالة لا يمنع فسادها نفوذ التّصرّف فيها بالإذن. ويقول ابن قدامة: إذا تصرّف العامل في المضاربة الفاسدة نفذ تصرّفه لأنّه أذن له فيه، فإذا بطل العقد بقي الإذن، فملك به التّصرّف. وقواعد المالكيّة لا تأبى ذلك.
10 - التّصرّف الفاسد لا يفيد الملك قبل القبض باتّفاق الفقهاء. أمّا بعد القبض، فلا يفيد الملك كذلك عند الشّافعيّة والحنابلة. يقول الزّركشيّ: الفاسد لا يملك فيه شيء، ويلزمه الرّدّ ومؤنته، وليس له حبسه لقبض البدل، ولا يرجع بما أنفق إن علم الفساد، وكذا إن جهل في الأصحّ. ويستثنى صورتان: إحداهما: الكتابة الفاسدة فإنّ المكاتب يملك فيها أكسابه. الثّانية: إذا صالحنا كافراً بمال على دخول الحرم، فدخل وأقام، فإنّا نملك المال المأخوذ منه. ويقول ابن قدامة: إن حكمنا بفساد العقد لم يحصل به ملك، سواء اتّصل به القبض أو لم يتّصل، ولا ينفذ تصرّف المشتري فيه ببيع ولا هبة ولا عتق ولا غيره. أمّا الحنفيّة فإنّ التّصرّف الفاسد يفيد الملك عندهم بالقبض المأذون فيه، ويملك القابض التّصرّف فيه ببيع أو هبة أو صدقة أو غير ذلك. ومع ذلك فهو ملك غير لازم، لأنّه مستحقّ للفسخ رفعاً للفساد، ولذلك فهو مضمون. وفي جامع الفصولين: الأصل في العقد الفاسد أنّ كلّ ما يملك ببيع جائز يملك بفاسد، فلو شرى قنّاً بخمر - وهما مسلمان - ملك القنّ مشتريه بقبضه بإذن، ولا يملك البائع الخمر. والهبة الفاسدة تفيد الملك بالقبض، وبه يفتى، وهي مضمونة. والمقبوض بالقسمة الفاسدة يثبت الملك فيه وينفذ التّصرّف، كالمقبوض بالشّراء الفاسد. وعند المالكيّة يتقرّر الملك في المقبوض بعقد فاسد بالفوات. يقول ابن رشد: البيوع الفاسدة عند مالك تنقسم إلى محرّمة وإلى مكروهة، فأمّا المحرّمة فإنّها إذا فاتت مضت بالقيمة، وأمّا المكروهة فإنّها إذا فاتت صحّت عنده، وربّما صحّ عنده بعض البيوع الفاسدة بالقبض، لخفّة الكراهة عنده في ذلك.
11 - يرى جمهور الفقهاء أنّ التّصرّفات الفاسدة تردّ إلى حكم صحيحها بالنّسبة للضّمان وعدمه، فإن اقتضى التّصرّف الصّحيح الضّمان ففاسده كذلك، وإن اقتضى عدم الضّمان ففاسده كذلك. وللحنفيّة قاعدة شبيهة بما عند جمهور الفقهاء، وهي: الأصل أنّ كلّ ما قبض بجهة التّملّك ضمن، وكلّ ما قبض لا بجهة التّملّك لم يضمن. والتّفصيل في مصطلح: (ضمان ف 35، وما بعدها).
12 - الواجب في التّصرّفات الصّحيحة الّتي يكون فيها تسمية نحو الأجر أو الرّبح أو المهر، هو المسمّى، فإذا فسدت هذه التّصرّفات، فإنّ المسمّى يسقط، ويختلف الفقهاء فيما يجب إذا سقط المسمّى، ومن ذلك: أ - الإجارة: 13 - إذا فسدت الإجارة واستوفى المستأجر المنفعة، فعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة يجب أجر المثل بالغاً ما بلغ، أي ولو زاد على المسمّى. وعند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد يجب أجر المثل، بشرط أن لا يزيد عن المسمّى إذا كان في العقد تسمية، فإذا لم يكن في العقد تسمية وجب أجر المثل بالغاً ما بلغ. والتّفصيل في: (إجارة ف 43 - 44). ب - المضاربة: 14 - الواجب في المضاربة الصّحيحة هو الرّبح المسمّى للمضارب، فإذا فسدت المضاربة فلا يستحقّ المضارب الرّبح المسمّى، لأنّها تسمية لم تصحّ، وإنّما يكون له أجرة مثل عمله إذا عمل، ويكون الرّبح جميعه لربّ المال، لأنّه نماء ملكه. والمضارب يستحقّ أجرة المثل بالغةً ما بلغت، سواء أربحت المضاربة أم لم تربح، لأنّه عمل طامعاً في المسمّى، فإذا فات، وجب ردّ عمله عليه وهو متعذّر، فتجب قيمته وهي الأجرة. وهذا عند الحنفيّة غير أبي يوسف، والشّافعيّة، والحنابلة غير الشّريف أبي جعفر. وأمّا المالكيّة فإنّهم جعلوا للمضارب قراض المثل في مسائل معدودة، وأجرة المثل فيما عداهما، ولهم في ذلك ضابط، هو: كلّ مسألة خرجت عن حقيقة القراض من أصلها ففيها أجرة المثل، وأمّا إن شملها القراض، لكن اختلّ منها شرط، ففيها قراض المثل. وينظر تفصيل ذلك في مصطلح: (مضاربة). ج - النّكاح: 15 - المهر يسقط في النّكاح الفاسد - سواء اتّفق على فساده أم لا - إذا حصل التّفريق قبل الدّخول عند جمهور الفقهاء، وقبل الخلوة فيما اختلف فيه عند الحنابلة. هذا مع استثناء بعض المسائل الّتي يثبت فيها نصف المهر قبل الدّخول، كما إذا ادّعى الزّوج قبل الدّخول رضاعاً محرّماً بلا بيّنة، وكذّبته الزّوجة، فإنّه يفسخ النّكاح وعليه نصف الصّداق كما يقول المالكيّة والحنابلة. ويتّفق الفقهاء على وجوب المهر في النّكاح الفاسد بالدّخول، لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها». فقد جعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم لها المهر فيما له حكم النّكاح الفاسد، وعلّقه بالدّخول، فدلّ على أنّ وجوبه متعلّق به. واختلف الفقهاء في الواجب من المهر، هل هو المسمّى أو مهر المثل أو الأقلّ منهما ؟ فعند الشّافعيّة وزفر من الحنفيّة لها مهر المثل. وعند الحنفيّة - غير زفر - لها الأقلّ من مهر مثلها ومن المسمّى. وعند المالكيّة لها المسمّى، وإن لم يكن مسمّىً كنكاح الشّغار فلها مهر المثل. وعند الحنابلة لها المسمّى في الفاسد - وهو ما اختلف فيه - ولها مهر المثل في الباطل - وهو ما اتّفق على فساده -. وينظر تفصيل ذلك في: (مهر - نكاح).
16 - يرد الفساد في الأشياء المادّيّة كعطب الأطعمة، ويذكر الفقهاء ذلك في بعض أبواب الفقه من حيث إيراد العقد عليها، كما في الرّهن، أو من حيث التقاطها، أو من حيث اعتبارها عيباً في المبيع يوجب الرّدّ بالعيب. وبيان ذلك فيما يلي: أ - رهن ما يسرع إليه الفساد: 17 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يصحّ رهن ما يسرع إليه الفساد، لكنّ الشّافعيّة قالوا: يصحّ رهن ما يسرع إليه الفساد إن أمكن تجفيفه، كرطب وعنب يتجفّفان، فإن كان لا يمكن تجفيفه ولكن رهن بدين حالّ أو مؤجّل لكنّه يحلّ قبل الفساد ولو احتمالاً جاز. أمّا إذا لم يمكن تجفيفه ورهن بمؤجّل يحلّ بعد فساده أو معه، لم يجز إلاّ إن شرط أن يبيعه عند خوف فساده، وأن يكون ثمنه رهناً. ولو رهن ما لا يسرع إليه الفساد فحدث قبل الأجل ما عرّضه للفساد - كحنطة ابتلت وتعذّر تجفيفها - لم ينفسخ الرّهن، بل يباع وجوباً ويجعل ثمنه رهناً. وقال الحنابلة: يصحّ رهن ما يسرع إليه الفساد، سواء كان ممّا يمكن إصلاحه، بالتّجفيف كالعنب والرّطب، أو لا يمكن تجفيفه كالبطّيخ والطّبيخ. ثمّ إن كان ممّا يجفّف، فعلى الرّاهن تجفيفه، لأنّه من مؤنة حفظه وتبقيته، فيلزم الرّاهن كنفقة الحيوان، وإن كان ممّا لا يجفّف، فإنّه يباع ويقضى الدّين من ثمنه إن كان حالاً، أو يحلّ قبل فساده، فإن كان الدّين لا يحلّ قبل فساده، جعل ثمنه رهناً مكانه، سواء شرط في الرّهن بيعه أو أطلق، لأنّ العرف يقتضي ذلك، لأنّ المالك لا يعرّض ملكه للتّلف والهلاك، فإذا تعيّن حفظه في بيعه حمل عليه مطلق العقد، كتجفيف ما يجفّ، وأمّا إذا شرط أن لا يباع فلا يصحّ، لأنّه شرط ما يتضمّن فساده وفوات المقصود، فأشبه ما لو شرط أن لا يجفّف ما يجفّ. وفي وجه ذكره القاضي أنّ الرّاهن لو أطلق لا يصحّ. وإذا شرط للمرتهن بيعه، أو أذن له في بيعه بعد العقد، أو اتّفقا على أن يبيعه الرّاهن أو غيره، باعه، وإن لم يمكن ذلك باعه الحاكم وجعل ثمنه رهناً، ولا يقضى الدّين من ثمنه، لأنّه ليس له تعجيل وفاء الدّين قبل حلوله، وكذلك الحكم إن رهنه ثياباً يخاف فسادها، كالصّوف، قال أحمد فيمن رهن ثياباً يخاف فسادها كالصّوف: أتى السّلطان فأمره ببيعها. ونقل الحصكفيّ عن الذّخيرة: ليس للمرتهن بيع ثمرة الرّهن وإن خاف تلفها، لأنّ له ولاية الحبس لا البيع، ويمكن رفعه إلى القاضي، حتّى لو كان في موضع لا يمكنه الرّفع للقاضي أو كان المرهون بحال يفسد قبل أن يرفع، جاز له أن يبيعه. قال ابن عابدين: وهذا إذا لم يبح الرّاهن له البيع. وفي البيريّ عن الولوالجيّة: ويبيع ما يخاف عليه الفساد بإذن الحاكم، ويكون رهناً في يده، قال البيريّ: يؤخذ من هذا جواز بيع الدّار المرهونة إذا تداعت للخراب. وقال المالكيّة: الأصل أنّه لا يجوز للمرتهن بيع المرهون إلاّ إن خشي فساده، فإن خشي فساده جاز بيعه. ب - التقاط ما يسرع فساده: 18 - من التقط ما لا يبقى ويفسد بالتّأخير، كاللّحم واللّبن والفواكه، فإنّه يعرّفه إلى أن يخشى فساده، ثمّ يتصدّق به خوفاً من الفساد. وهذا عند الحنفيّة، وهو الأولى عند المالكيّة. وقال الشّافعيّة: من التقط شيئاً ممّا يسرع فساده ولا يبقى بعلاج، فإنّ آخذه يتخيّر بين خصلتين: فإن شاء باعه استقلالاً إن لم يجد حاكماً وبإذنه إن وجده، وعرّف المبيع بعد بيعه ليتملّك ثمنه بعد التّعريف، وإن شاء تملّكه في الحال وأكله وغرم قيمته. وإن أمكن بقاء ما يسرع فساده بعلاج، كرطب يتجفّف، فإن كانت الغبطة في بيعه بيع جميعه بإذن الحاكم إن وجده، وإلاّ باعه استقلالاً، وإن كانت الغبطة في تجفيفه وتبرّع به الواجد له أو غيره، جفّفه، لأنّه مال غيره، فروعي فيه المصلحة كوليّ اليتيم، وإن لم يتبرّع بتجفيفه بيع بعضه بقدر ما يساوي التّجفيف لتجفيف الباقي، طلباً للأحظّ. وقال الحنابلة: من التقط ما لا يبقى عاماً وكان ممّا لا يبقى بعلاج ولا غيره، فهو مخيّر بين أكله وبيعه وحفظ ثمنه، فإن أكله ثبتت القيمة في ذمّته، وإن باعه وحفظ ثمنه جاز، وله أن يتولّى بيعه بنفسه دون حاجة إلى إذن الحاكم، وعن أحمد: له بيع اليسير، وإن كان كثيراً دفعه إلى السّلطان. وإن أكله أو باعه حفظ صفاته، ثمّ عرّفه عاماً. وإن كان ما التقطه ممّا يمكن إبقاؤه بالعلاج، كالعنب والرّطب، فينظر ما فيه الحظّ لصاحبه: فإن كان في التّجفيف جفّفه ولم يكن له إلاّ ذلك، وإن احتاج التّجفيف إلى غرامة باع بعضه في ذلك، وإن كان الحظّ في بيعه باعه وحفظ ثمنه، وإن تعذّر بيعه ولم يمكن تجفيفه تعيّن أكله، وإن كان أكله أنفع لصاحبه فله أكله لأنّ الحظّ فيه.
1 - الفساد في اللّغة: نقيض الصّلاح. والاعتبار في اللّغة: يكون بمعنى الاختبار والامتحان مثل اعتبرت الدّراهم فوجدتها ألفاً، ويكون بمعنى الاتّعاظ نحو قوله تعالى: { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ } ويكون الاعتبار بمعنى الاعتداد بالشّيء في ترتّب الحكم، كقولهم: والعبرة بالعقب أي والاعتداد في التّقدّم بالعقب. واصطلاحاً عرّفه الكمال بن الهمام: بكون القياس معارضاً بالنّصّ أو الإجماع. قال السّعد التّفتازانيّ: سمّي بذلك لأنّ اعتبار القياس في مقابلة النّصّ فاسد، وإن كان، وضعه وتركيبه صحيحاً، لكونه على الهيئة الصّالحة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه.
فساد الوضع: 2 - فساد الوضع هو أن لا يكون الدّليل على الهيئة الصّالحة لاعتباره في ترتيب الحكم، كترتيب الحكم من وضع يقتضي ضدّه، كالضّيق من التّوسّع، والتّخفيف من التّغليظ، والإثبات من النّفي. وقد صرّح الأصوليّون بأنّ فساد الاعتبار أعمّ من فساد الوضع، فكلّ فاسد الوضع فاسد الاعتبار ولا ينعكس. وجعلهما الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازيّ شيئاً واحداً. وقال ابن برهان: هما شيئان من حيث المعنى لكنّ الفقهاء فرّقوا بينهما، وقالوا: فساد الوضع هو أن يعلّق على العلّة ضدّ ما يقتضيه. وفساد الاعتبار هو أن يعلّق على العلّة خلاف ما يقتضيه. قال الزّركشيّ: اصطلاح المتأخّرين تغاير فساد الوضع وفساد الاعتبار، فالأوّل بيان مناسبة الوصف لنقيض الحكم، والثّاني استعمال القياس على مناقضة النّصّ أو الإجماع، فهو أعمّ. وأمّا المتقدّمون فعندهم أنّهما مترادفان.
3 - الأصل في القياس أنّه يستعمل إذا عدم النّصّ، وقد نقل الزّركشيّ قول الشّافعيّ في الرّسالة: القياس موضع ضرورة، لأنّه لا يحلّ القياس والخبر موجود، كما يكون التّيمّم طهارةً عند الإعواز من الماء ولا يكون طهارةً إذا وجد الماء. لذا يعتبر الأصوليّون القياس مع وجود النّصّ أو الإجماع ومخالفته لهما فاسد الاعتبار. وفساد الاعتبار من الاعتراضات الّتي ترد على القياس، ويكون القياس فاسد الاعتبار عندما يخالف نصّاً أو إجماعاً أو كانت إحدى مقدّماته كذلك، أو كان الحكم ممّا لا يمكن إثباته بالقياس، وذلك كإلحاق المصرّاة بغيرها من العيوب في حكم الرّدّ وعدمه، ووجوب بدل لبنها الموجود في الضّرع، أو كان تركيبه مشعراً بنقيض الحكم المطلوب. ومن أمثلة فساد الاعتبار أن يقال: لا يصحّ القرض في الحيوان لعدم انضباطه كالمختلطات - أنواع المعاجين - فيعترض بأنّه مخالف لحديث أبي رافع رضي الله عنه: «أنّه صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً وردّ رباعيّاً وقال: إنّ خيار النّاس أحسنهم قضاءً». وكأن يقال: لا يجوز للرّجل أن يغسّل زوجته الميّتة لحرمة النّظر إليها كالأجنبيّة، فيعترض بأنّه مخالف للإجماع السّكوتيّ في تغسيل عليّ فاطمة رضي الله عنهما.
1 - الفساد في اللّغة: نقيض الصّلاح، والوضع في اللّغة: ضدّ الرّفع، وفي الاصطلاح: عرّفه الأصوليّون من الشّافعيّة: أن لا يكون الدّليل على الهيئة الصّالحة لاعتباره في ترتيب الحكم، كترتيب الحكم من وضع يقتضي ضدّه، كالضّيق من التّوسّع، والتّخفيف من التّغليظ، والإثبات من النّفي. قال ابن السّبكيّ في جمع الجوامع: ومن فساد الوضع كون الجامع ثبت اعتباره بنصّ أو إجماع في نقيض الحكم، ففساد الوضع عند الشّافعيّة قسمان: تلقّي الشّيء من ضدّه أو نقيضه، وكون الجامع ثبت اعتباره بنصّ أو إجماع في نقيض الحكم. وعرّف الأصوليّون من الحنفيّة فساد الوضع بأنّه: ثبوت اعتبار الوصف الجامع في نقيض الحكم بنصّ أو إجماع.
أ - النّقض: 2 - النّقض في اللّغة: هو إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء أو عهد. واصطلاحاً: هو تخلّف الحكم عن العلّة، أي ثبوت الوصف في صورة مع عدم الحكم فيها. وقد صرّح الأصوليّون بوجود شبه بين القسم الثّاني من فساد الوضع عند الشّافعيّة - وهو كون الجامع ثبت اعتباره بنصّ أو إجماع في نقيض الحكم والّذي هو بعينه تعريف الحنفيّة - وبين النّقض. ففساد الوضع يشبه النّقض من حيث تخلّف الحكم عن الوصف، إلاّ أنّ فيه زيادةً، وهو أنّ الوصف هو الّذي يثبت النّقيض، وفي النّقض لا يتعرّض لذلك، بل يكتفى فيه بثبوت نقيض الحكم مع الوصف، فلو قصد به ذلك لكان هو النّقض. ب - القلب: 3 - القلب في اللّغة: تحويل الشّيء عن وجهه، والفؤاد. والقلب اصطلاحاً: هو دعوى أنّ ما استدلّ به في المسألة على ذلك الوجه عليه لا له إن صحّ. ويشبه القسم الثّاني من فساد الوضع عند الشّافعيّة القلب، من حيث إنّه إثبات نقيض الحكم بعلّة المستدلّ، إلاّ أنّه يفارقه بشيء، وهو أنّ في القلب يثبت نقيض الحكم بأصل المستدلّ، وهذا يثبت بأصل آخر، فلو ذكره بأصله لكان هو القلب. ج - القدح في المناسبة: 4 - القدح في المناسبة هو إبداء مفسدة راجحة على المصلحة الّتي من أجلها قضي على الوصف بالمناسبة أو مساوية لها. ويشبه فساد الوضع القدح في المناسبة من حيث إنّه ينفي مناسبة الوصف للحكم لمناسبته لنقيضه، إلاّ أنّه لا يقصد هاهنا بيان عدم مناسبة الوصف للحكم، بل بناء نقيض الحكم عليه في أصل آخر، فلو بيّن مناسبته لنقيض الحكم بلا أصل كان قدحاً في المناسبة.
5 - فساد الوضع عند الحنفيّة من الاعتراضات الواردة على العلل المؤثّرة. وعند الشّافعيّة من الاعتراضات الّتي ترد على الأدلّة عموماً ولا يختصّ بالقياس، وهو عندهم كون الدّليل ليس على الهيئة الصّالحة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه، بل يكون صالحاً لضدّ ذلك الحكم أو نقيضه، وذلك كتلقّي التّخفيف من التّغليظ، والتّوسيع من التّضييق، والإثبات من النّفي، والنّفي من الإثبات. والتّفصيل في الملحق الأصوليّ.
1 - الفسخ لغةً: يطلق على معان، منها: النّقض أو التّفريق، والضّعف في العقل والبدن، والجهل، والطّرح، وإفساد الرّأي، ومن المجاز: انفسخ العزم والبيع والنّكاح: انتقض، وقد فسخه إذا نقضه. وفي الاصطلاح: هو حلّ ارتباط العقد، أو هو ارتفاع حكم العقد من الأصل كأن لم يكن، أو هو: قلب كلّ واحد من العوضين لصاحبه، فيستعمل الفسخ أحياناً بمعنى رفع العقد من أصله، كما في الفسخ بسبب أحد الخيارات، ويستعمل أيضاً بمعنى رفع العقد بالنّسبة للمستقبل، كما في أحوال فسخ العقود الجائزة أو غير اللازمة.
أ - الانفساخ: 2 - الانفساخ هو: انقلاب كلّ واحد من العوضين لصاحبه. والعلاقة بين الفسخ والانفساخ: أنّ الأوّل فعل المتعاقدين أو الحاكم إذا ظفروا بالعقود المحرّمة، والثّاني صفة العوضين، فالأوّل سبب شرعيّ والثّاني حكم شرعيّ. وللتّفصيل (ر: انفساخ ف 1، 6). ب - الخلع: 3 - الخلع لغةً: النّزع والإزالة، واصطلاحاً: هو إزالة ملك النّكاح المتوقّفة على قبول المرأة بلفظ الخلع أو ما في معناه. فالخلع خاصّ بحلّ الرّابطة الزّوجيّة، أمّا الفسخ فهو أعمّ، وهو حلّ ارتباط العقد مطلقاً، والخلع يحدث بالتّراضي، أمّا الفسخ فيمكن أن يتمّ بالتّراضي أو بقضاء القاضي. فالصّلة بينهما صلة عموم وخصوص. ج - الطّلاق: 4 - من معاني الطّلاق لغةً: رفع القيد مطلقاً، يقال: أطلق الفرس: إذا خلاه، وفي الاصطلاح: رفع قيد النّكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه. والصّلة بين الفسخ والطّلاق: أنّ الفسخ مقارب للطّلاق إلاّ أنّه يخالفه في أنّ الفسخ نقض للعقد، أمّا الطّلاق فلا ينقض العقد ولكن ينهي آثاره فقط. د - الإبطال: 5 - الباطل لغةً: ضدّ الحقّ، والإبطال اصطلاحاً: هو الحكم بكون العقد باطلاً، لاختلال ركنه أو محلّه، والعقد الباطل: هو ما اختلّ ركنه أو محلّه أو ما لا يكون مشروعاً بأصله ولا بوصفه. (ر: إبطال ف 1، وبطلان ف 1). والصّلة بين الإبطال والفسخ: أنّ الإبطال يحدث أثناء قيام التّصرّف وبعده، ويحصل في العقود والعبادات، أمّا الفسخ فإنّه يكون غالباً في العقود والتّصرّفات، ويقلّ في العبادات، ويكون في العقود قبل تمامها، لأنّه فكّ ارتباط التّصرّف. (ر: إبطال ف 2). 6 - الأصل في العقود شرعاً اللّزوم لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ }، قال القرافيّ: اعلم أنّ الأصل في العقود اللّزوم، لأنّ العقود أسباب لتحصيل المقاصد من الأعيان، والأصل ترتّب المسبّبات على أسبابها. وقد يرد الفسخ عليها، ويكون إمّا واجباً أو جائزاً، فيجب رعايةً لحقّ الشّرع، كفسخ العقد الفاسد لإزالة سبب الفساد، واحترام ضوابط الشّرع أو شرائطه الّتي قرّرها في العقود، حمايةً للمصلحة العامّة أو الخاصّة، ودفعاً للضّرر، ومنعاً للمنازعات الّتي تحدث بسبب مخالفة الشّروط الشّرعيّة. ويجوز الفسخ إعمالاً لإرادة العاقد، كالفسخ في العقود غير اللازمة، والفسخ بالتّراضي والاتّفاق كالإقالة، وقد جاء الشّرع بأدلّة كثيرة في مشروعيّة الخيارات والإقالة، وقال عليه الصلاة والسلام: «المسلمون على شروطهم». والفسخ القضائيّ يكون إمّا رعايةً لحقّ الشّرع، وإمّا إحقاقاً للحقّ ورفعاً للظّلم الّذي يقع على أحد المتعاقدين بسبب إضرار العاقد الآخر، وإصراره على منع غيره من ممارسة حقّه في الفسخ، لوجود عيب في المبيع أو استحقاق المبيع أو الثّمن مثلاً، وحقّ القاضي في الفسخ ناشئ من ولايته العامّة على النّاس، أو لأنّه يجب عليه رقابة تنفيذ أحكام الشّرع.. وحينئذ يكون الفسخ إمّا شرعاً أو قضاءً أو بالرّضا.
7 - أسباب الفسخ خمسة: إمّا الاتّفاق أو التّراضي ومنه الإقالة، وإمّا الخيار، وإمّا عدم اللّزوم، وإمّا استحالة تنفيذ أحد التزامات العقد المتقابلة، وإمّا الفساد. أ - الفسخ بالاتّفاق: 8 - يفسخ العقد بالتّراضي بين العاقدين، والإقالة نوع من الفسخ الاتّفاقيّ وتقتضي رجوع كلّ من العوضين لصاحبه، فيرجع الثّمن للمشتري والمثمّن للبائع، وأكثر استعمالها قبل قبض المبيع. وقد ذهب الشّافعيّة والحنابلة وزفر إلى أنّ الإقالة فسخ في حقّ النّاس كافّةً، لأنّ الإقالة هي الرّفع والإزالة، ولأنّ المبيع عاد إلى البائع بلفظ لا ينعقد به البيع، فكان فسخاً. وذهب المالكيّة في المشهور وأبو يوسف إلى أنّ الإقالة بيع ثان يشترط فيها ما يشترط فيه ويمنعها ما يمنعه. وعند أبي حنيفة هي بيع جديد في حقّ غير العاقدين، سواء قبل القبض أو بعده، وفسخ في حقّ العاقدين بعد القبض، لأنّها رفع لغةً وشرعاً، ورفع الشّيء فسخه. ويرى محمّد: أنّ الإقالة فسخ إلاّ إذا تعذّر جعلها فسخاً، فتجعل بيعاً للضّرورة، لأنّ الأصل في الإقالة الفسخ، لأنّها عبارة عن رفع الشّيء لغةً وشرعاً. وتفصيل ذلك في مصطلح (إقالة ف 8). ب - خيار الفسخ: 9 - الخيار: هو حقّ العاقد في فسخ العقد أو إمضائه لظهور مسوّغ شرعيّ أو بمقتضى اتّفاق عقديّ، فيكون للمتعاقد الحقّ في الاختيار بين إمضاء العقد وعدم إمضائه بفسخه إن كان الأمر أمر خيار شرط أو رؤية أو عيب، أو أن يختار أحد المبيعين إن كان الأمر أمر خيار التّعيين. والتّفصيل في مصطلح (خيار ف 1 - 18). ج - عدم لزوم العقد أصلاً: 10 - يجوز لأحد العاقدين أو لكليهما بحسب العقد المسمّى أن يستقلّ بالفسخ، مثل العاريّة والقرض الوديعة والشّركة والوكالة، فكلّها عقود غير لازمة يجوز فسخها متى شاء أحد الطّرفين المتعاقدين، قال ابن رجب: عقود المشاركات كالشّركة والمضاربة، المشهور أنّها تنفسخ قبل العلم كالوكالة، وكذا الوديعة للوديع فسخها قبل علم المودع بالفسخ، وتبقى في يده أمانةً. د - استحالة تنفيذ الالتزام: 11 - إذا استحال تنفيذ أحد الالتزامات العقديّة جاز فسخ العقد، لأنّ الالتزام المقابل يصبح بلا سبب. والتّفصيل في مصطلح: (بيع ف 64) ومصطلح: (التزام ف 57) ومصطلح: (إجارة ف 74، 76). هـ - الفسخ للفساد: 12 - يفسخ العقد عند الحنفيّة في المعاملات للفساد بحكم الشّرع لإزالة سبب فساد العقد كجهالة المبيع أو الثّمن أو الأجل أو وسائل التّوثيق أو نحو ذلك.
13 - الفسخ بإرادة العاقدين هو إنهاء العقد باتّفاقهما، إذ إنّ فسخ العقد يكون بالوسيلة الّتي عقد بها العقد، فكما نشأ العقد بإيجاب وقبول متطابقين على إنشائه، كذلك يزول بإيجاب وقبول متوافقين على إلغائه، وقد يتمّ الفسخ بإرادة منفردة كما في حالة الخيار.
14 - إذا ظهر في المبيع عيب مثبت للخيار أو هلك بعض المبيع، فقد ذهب الجمهور إلى أنّ العقد ينفسخ بقول المشتري: رددت بغير حاجة إلى القضاء. وذهب الحنفيّة إلى أنّ المبيع إذا كان في يد البائع فينفسخ البيع بقول المشتري: رددت، ولا يحتاج إلى قضاء القاضي ولا إلى التّراضي. وأمّا إن كان المبيع في يد المشتري فلا ينفسخ إلاّ بقضاء القاضي أو بالتّراضي. فإذا كان العقد فاسداً - وذلك عند الحنفيّة - فإنّه ينفسخ بحكم القاضي إذا رفع الأمر إليه وامتنع العاقدان عن الفسخ. والتّفصيل في مصطلح (بطلان ف 25) (وخيار العيب ف 38، 39) (وبيع ف 59)
15 - يكون الفسخ بسبب الخلل الحاصل في العقد في شرط من شروط الشّرع، كفسخ الزّواج عند تبيّن الرّضاع بين الزّوجين، وفسخ البيع حالة فساده، وهو المسمّى بالانفساخ، كما إذا كان في المبيع جهالة فاحشة مفضية للنّزاع.
16 - يفسخ العقد للعذر إذا كان عقد إيجار ونحوه، أو عقد بيع للثّمار بسبب الجوائح فقد أجاز فقهاء الحنفيّة، دون غيرهم فسخ عقد الإجارة وعقد المزارعة بالأعذار الطّارئة، سواء أكان العذر قائماً بالعاقدين أم بالمعقود عليه، لأنّ الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر، لأنّه لو لزم العقد عند تحقّق العذر، للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد. أمّا الجمهور فالأصل عندهم عدم الفسخ بالعذر، وقد يرون الفسخ في أحوال قليلة. وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح (إجارة ف 64، 69).
17 - إذا هلك المعقود عليه المعيّن انفسخ العقد لتعذّر التّسليم، فإذا تعذّر التّسليم لغير الهلاك سواء أكان ذلك بسبب من العاقدين أم أحدهما أو غيرهما فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوال تنظر في مصطلح: (بيع ف 59) ومصطلح: (خيار العيب ف 32 وما بعدها).
18 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المشتري إذا ظهر مفلساً فللبائع خيار الفسخ والرّجوع بعين ماله، ولا يلزمه أن ينظره، عملاً بقول صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحقّ به من غيره»، وينطبق ذلك الحكم على المعسر عند الحنابلة ولو ببعض الثّمن. ويرى الحنابلة أنّه إذا كان الثّمن حالاً غائباً عن المجلس دون مسافة القصر فلا فسخ، ويحجر الحاكم المبيع وبقيّة ماله حتّى يحضر الثّمن. أمّا إذا كان الثّمن الحالّ أو بعضه بعيداً مسافة القصر فأكثر، أو غيّبه المشتري المسافة المذكورة كان للبائع الفسخ. ويرى ابن تيميّة أنّ المشتري إذا كان موسراً مماطلاً فللبائع الفسخ دفعاً لضرر المخاصمة، قال في الإنصاف: وهو الصّواب. وأمّا الحنفيّة فيرون أنّه ليس للبائع الفسخ، إذ نصّوا أنّه ليس الغريم أحقّ بأخذ عين ماله، بل هو في ثمنها أسوة الغرماء. ونصّ الشّافعيّة على أنّه إن كان في غرماء الميّت من باع شيئاً ووجد عين ماله ولم تف التّركة بالدّين فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بالثّمن وبين أن يفسخ ويرجع في عين ماله. وتفصيل ذلك في مصطلح: (إفلاس ف 25، 26). وليس خيار الفسخ مختصّاً بعقد البيع عند الجمهور، بل هو ثابت أيضاً في كلّ عقود المعاوضات كالإجارة والقرض، فللمؤجّر فسخ الإجارة إذا أفلس المستأجر قبل دفع الأجرة، للمقرض الرّجوع على المقترض إذا أفلس وكان عين ماله قائماً. وأجاز الجمهور التّفريق بين الزّوجين للإعسار أو العجز عن النّفقة، والفرقة طلاق عند المالكيّة، فسخ عند الشّافعيّة والحنابلة ولا تجوز إلاّ بحكم القاضي، وجوازها لدفع الضّرر عن الزّوجة. ولم يجز الحنفيّة التّفريق بسبب الإعسار، لأنّ اللّه تعالى أوجب إنظار المعسر بالدّين في قوله تعالى: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ }.
19 - التّفريق في النّكاح إمّا أن يكون فسخاً أو طلاقاً. والفسخ: منه ما يتوقّف على القضاء، ومنه ما لا يتوقّف عليه. أمّا الفسخ المتوقّف على القضاء فهو في الجملة يكون في الأمور الآتية: أ - عدم الكفاءة. ب - نقصان المهر عن مهر المثل. ج - إباء أحد الزّوجين الإسلام إذا أسلم الآخر، لكنّ الفرقة بسبب إباء الزّوجة فسخ بالاتّفاق، أمّا الفرقة بسبب إباء الزّوج فهي فسخ في رأي الجمهور ومنهم أبو يوسف، وخالف في ذلك أبو حنيفة ومحمّد، فلم يريا توقّفها على القضاء، لأنّ الفرقة حينئذ طلاق في رأيهما. د - خيار البلوغ لأحد الزّوجين عند الحنفيّة إذا زوّجهما في الصّغر غير الأب والجدّ. هـ - خيار الإفاقة من الجنون عند الحنفيّة إذا زوّج أحد الزّوجين في الجنون غير الأب والجدّ والابن. وأمّا الفسخ غير المتوقّف على القضاء فهو في الجملة في الأمور التّالية: أ - فساد العقد في أصله، كالزّواج بغير شهود. ب - طروء حرمة المصاهرة بين الزّوجين. ج - ردّة الزّوج في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف، فإن ارتدّ الزّوجان فلا يفرّق بينهما بمجرّد الرّدّة في الرّاجح عند الحنفيّة.
20 - عدم إجازة العقد الموقوف ممّن له ولاية أو ملك والّذي يتوقّف نفاذ العقد على رضاه يعدّ من أسباب انحلال العقد أو فسخه عند القائلين بانعقاده. وتفصيل ذلك في مصطلح: (عقد موقوف).
21 - إذا استحقّ المبيع كلّه أو بعضه فقد اختلف الفقهاء: فذهب بعضهم إلى بطلان البيع. وذهب آخرون إلى تخيير المشتري بين ردّ المبيع بالفسخ أو التّمسّك بالباقي وذلك في حالة الاستحقاق الجزئيّ. وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح: (استحقاق ف 9، 11).
تظهر آثار الفسخ في شيئين: انتهاء العقد، وسريانه على الماضي والمستقبل. 22 - ينتهي العقد بالفسخ، ويكون له آثار فيما بين الطّرفين المتعاقدين، وبالنّسبة لغيرهما. أ - أثر الفسخ فيما بين الطّرفين المتعاقدين: 23 - يظلّ العقد قائماً إلى حين الفسخ، وينتج جميع آثاره، فإذا فسخ العقد انحلّ واعتبر كان لم يكن بالنّسبة للطّرفين. ب - أثر الفسخ بالنّسبة للغير: 24 - إذا تصرّف المشتري بالمبيع في البيع القابل للفسخ تصرّفاً يرتّب للغير حقّاً في الملكيّة امتنع الفسخ عند الحنفيّة حفاظاً على ذلك الحقّ. وعند الشّافعيّة والحنابلة يبقى حقّ الفسخ قائماً ولا ينفذ تصرّف المشتري. وعند المالكيّة إذا فات المبيع في يد المشتري الثّاني فإنّه يمتنع الفسخ وإلاّ فالفسخ على حاله. والتّفصيل في مصطلح: (استرداد ف 11).
25 - بحث السّيوطيّ أثر الفسخ بالنّسبة للماضي بعنوان: هل يرفع الفسخ العقد من أصله أو من حينه ؟ فقال: أ - فسخ البيع بخيار المجلس أو الشّرط: الأصحّ أنّه من حينه. ب - الفسخ بخيار العيب والتّصرية: الأصحّ من حينه. ج - تلف المبيع قبل القبض: الأصحّ الانفساخ من حين التّلف. د - الفسخ بالتّحالف بين البائع والمشتري: الأصحّ من حينه. هـ - السّلم: يرجع الفسخ إلى عين رأس المال. و - الفسخ بالفلس: من حينه. ز - الرّجوع في الهبة: من حينه قطعاً. ح - فسخ النّكاح بأحد العيوب: الأصحّ من حينه. ط - الإقالة على القول بأنّها فسخ: الأصحّ من حينه. ويلاحظ أنّ أغلب حالات الفسخ في رأي الشّافعيّة ليس لها أثر رجعيّ. وذكر ابن رجب الحنبليّ خلافاً في الفسخ بالعيب المستند إلى مقارن للعقد، هل هو رفع للعقد من أصله أو من حينه ؟ وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ فسخ العقد بسبب العيب - إمّا بحكم الحاكم أو بتراضي المتعاقدين - رفع للعقد من حينه، وليس له أثر على الماضي، فتكون غلّة المردود بعيب للمشتري من وقت عقد البيع وقبض المشتري له، وتثبت الشّفعة للشّريك بما وقعت به الإقالة. قال ابن نجيم نقلاً عن شيخ الإسلام: إنّ الفسخ يجعل العقد كأن لم يكن في المستقبل لا في ما مضى.
|