الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***
بإضافة فصل إلى الاستنجاء، وهو خبر لمبتدإ محذوف، وإنما ذكره في الأنجاس مع أنه من سنن الوضوء كما قدمناه؛ لأنه إزالة نجاسة عينية كما في البحر. (قوله: إزالة نجس إلخ) عرفه في المغرب بأنه مسح موضع النجو: وهو ما يخرج من البطن أو غسله. وأورد عليه في البحر أنه يشمل الاستنجاء من الحصاة مع أنه لا يسن كما صرح به في السراج، فلذا عدل عنه الشارح. وأيضا فإنه لا يشمل ما لو أصاب المخرج نجاسة أجنبية أكثر من الدرهم مع أنه يطهر بالحجر كما مشى عليه الشارح فيما يأتي؛ وجزم به في الإمداد ويأتي تمام الكلام عليه. (قوله: فلا يسن من ريح) لأن عينها طاهرة، وإنما نقضت لانبعاثها عن موضع النجاسة ا هـ. ح؛ ولأن بخروج الريح لا يكون على السبيل شيء فلا يسن منه بل هو بدعة كما في المجتبى بحر. (قوله: وحصاة) لأنه إن لم يكن عليها بلل أو كان ولم يتلوث منه الدبر فهي خارجة بقوله عن سبيل وإن تلوث منها فالاستنجاء حينئذ للنجاسة لا للحصاة. ا هـ. ح. (قوله: ونوم) لأنه ليس بنجس أيضا ا هـ. ح. (قوله: وفصد) أي: الدم الذي على موضع الفصد؛ لأنه وإن كان نجسا لكنه ليس على السبيل ليزال عنه. ا هـ. ح. (قوله: وهو سنة مؤكدة) صرح به في البحر عن النهاية ثم عزاه أيضا إلى الأصل وعلله في الكافي بمواظبته عليه صلى الله عليه وسلم. ونقل في الحلية الأحاديث الدالة على المواظبة وما يصرفها عن الوجوب فراجعه. وعليه فيكره تركه كما في الفتح مستدركا على ما في الخلاصة من نفي الكراهة، ونحوه في الحلية، وأوضح المقام الشيخ إسماعيل في شرحه على الدرر فراجعه. ثم رأيته في البدائع صرح بالكراهة. (قوله: مطلقا) سواء كان الخارج معتادا أم لا رطبا أم لا ط وسواء كان بالماء أو بالحجر، وسواء كان من محدث أو جنب أو حائض أو نفساء على ما ذكره هنا. (قوله: وما قيل إلخ) دفع لما يخالف الإطلاق المذكور، والقائل بذلك صاحب السراج والاختيار وخزانة الفقه والحاوي القدسي والزيلعي وغيرهم وأقرهم في الحلية، واعترضهم في البحر بأنه تسامح؛ لأنه من باب إزالة الحدث إن لم يكن على المخرج شيء، وإن كان فهو من باب إزالة النجاسة الحقيقية. ا هـ. أقول: لا شك أن غسل ما على المخرج في الجنابة يسمى إزالة نجس عن سبيل، فقد صدق عليه تعريف الاستنجاء وإن كان فرضا. وأما إذا تجاوزت النجاسة مخرجها، فإن كان المراد به غسل المتجاوز إذا زاد على الدرهم، فكونه تسامحا ظاهر؛ لأنه لا يصدق عليه التعريف المذكور وإن كان المراد غسل ما على المخرج عند التجاوز بناء على قول محمد الآتي فلا تسامح، يدل عليه ما في الاختيار من أن الاستنجاء على خمسة أوجه: اثنان واجبان: أحدهما: غسل نجاسة المخرج في الغسل من الجنابة والحيض والنفاس كي لا تشيع في بدنه. والثاني: إذا تجاوزت مخرجها يجب عند محمد قل أو كثر وهو الأحوط؛ لأنه يزيد على قدر الدرهم، وعندهما يجب إذا جاوزت قدر الدرهم؛ لأن ما على المخرج سقط اعتباره، والمعتبر ما وراءه. والثالث: سنة، وهو إذا لم تتجاوز النجاسة مخرجها. والرابع: مستحب، وهو ما إذا بال ولم يتغوط فيغسل قبله. والخامس: بدعة، وهو الاستنجاء من الريح. ا هـ. (قوله: وأركانه) قال المصنف في شرحه ولم أسبق إلى بيانها فيما علمت ا هـ. وفيه تسامح؛ لأن هذه الأربعة شروط للوجود في الخارج لا أركان، لما في الحلية: ركن الشيء جانبه الأقوى. وفي الاصطلاح: ماهية الشيء أو جزء منها يتوقف تقومها عليه، فالشرط والركن متباينان، لاعتبار الخروج عن ماهية المشروط في ماهية الشرط؛ وكون الركن نفس الشيء أو جزأه الداخل فيه. ا هـ. قال ح: وحقيقة الاستنجاء الذي هو إزالة نجس عن سبيل لا تتقوم ولا بواحد من هذه الأربعة. فإن قلت: قد ذكر النجس في التعريف فهو من أجزاء الماهية قلت: أجزاء التعريف الإزالة وإضافتها إلى النجس لا نفس النجس كما صرحوا به في قولهم: العمى عدم البصر، فإن أجزاء التعريف العدم وإضافته إلى البصر لا نفس البصر، ومثله يقال في قوله عن سبيل، فإن جزء التعريف الإزالة المتعلقة بالسبيل لا السبيل، وإلا لزم أن تكون الذوات أجزاء من المعنى، وللزم أن يقال: أركان التيمم متيمم، متيمم به إلخ، وكذا في الوضوء وغيره. ا هـ. (قوله: ونجس خارج إلخ) أي: ولو غير معتاد كدم أو قيح خرج من أحد السبيلين فيطهر بالحجارة على الصحيح زيلعي. وقيل: لا يطهر إلا بالماء وبه جزم في السراج نهر. (قوله: وكذا لو أصابه من خارج) أي: فيطهر بالحجارة. وقيل الصحيح أنه لا يطهر إلا بالغسل زيلعي. قال في البحر: وقد نقلوا هذا التصحيح هنا بصيغة التمريض فالظاهر خلافه ا هـ. قال نوح أفندي: ويوهم أنهم نقلوه في جميع الكتب بها مع أن شارح المجمع والنقاية نقلاه عن القنية بدونها ا هـ. أقول: يؤيده أن الاكتفاء بالحجارة وارد على خلاف القياس للضرورة، والضرورة فيما يكثر لا فيما يندر كهذه الصورة، ثم رأيت ما بحثته في الحلية حيث نقل ما في القنية. ثم قال: وهو الأحسن؛ لأن ما ورد على خلاف القياس يقتصر فيه على الوارد ا هـ. لكن ذكر المصنف في شرح زاد الفقير أن ما نقله الزيلعي وغيره عن القنية غير موجود فيها، وأنه ذكر في الفتاوى الكبرى ومختارات النوازل أن الأصح طهارته بالمسح، وبه أخذ الفقيه أبو الليث. ا هـ. (قوله: وإن قام) أي: المستنجي من موضعه فإنه يطهر بالحجر أيضا قال في السراج: قيل إنما يجزئ الحجر إذا كان الغائط رطبا لم يجف ولم يقم من موضعه، أما إذا قام من موضعه أو جف الغائط فلا يجزيه إلا الماء؛ لأنه بقيامه قبل أن يستنجي بالحجر يزول الغائط عن موضعه ويتجاوز مخرجه، وبجفافه لا يزيله الحجر فوجب الماء فيه. ا هـ. أقول: والتحقيق أنه إن تجاوز عن موضعه بالقيام أكثر من الدرهم أو جف بحيث لا يزيله الحجر فلا بد من الماء إذا أراد إزالته. (قوله: على المعتمد) كأنه أخذه من جزمه به في البحر، وتعبير السراج عن مقابله بقيل. (قوله: مما هو عين طاهرة إلخ) قال في البدائع: السنة هو الاستنجاء بالأشياء الطاهرة من الأحجار والأمداد والتراب والخرق البوالي ا هـ. (قوله: لا قيمة لها) يستثنى منه الماء كما في حاشية أبي السعود. (قوله: كمدر) بالتحريك: قطع الطين اليابس قاموس ومثله الجدار إلا جدار غيره كالوقف ونحوه كما في شرح النقاية للقاري، لكن ذكر في البحر هنا جوازه بالجدار مطلقا، وذكر في باب ما يجوز من الإجارة أن للمستأجر الاستنجاء بالحائط ولو الدار مسبلة. ا هـ. قال شيخنا: وتزول المخالفة بحمل الأول على ما إذا لم يكن مستأجرا أبو السعود. مطلب إذا دخل المستنجي في ماء قليل (قوله: منق) بتشديد القاف مع فتح النون أو تخفيفها مع سكونها من التنقية أو الإنقاء: أي: منظف غرر الأفكار. قال في السراج: ولم يرد به حقيقة الإنقاء بل تقليل النجاسة ا هـ. ولذا يتنجس الماء القليل إذا دخله المستنجي. ولقائل منعه لجواز اعتبار الشرع طهارته بالمسح كالنعل وقدمنا حكاية الروايتين في نحو المني إذا فرك ثم أصابه الماء، وأن المختار عدم عوده نجسا وقياسه أن يجريا أيضا هنا، وأن لا يتنجس الماء على الراجح. وأجمع المتأخرون على أن لا يتنجس بالعرق، حتى لو سال منه وأصاب الثوب أو البدن أكثر من قدر الدرهم لا يمنع، ويدل على اعتبار الشرع طهارته بالحجر ما رواه الدارقطني وصححه «أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بروث أو عظم، وقال: إنهما لا يطهران» ا هـ. ملخصا من الفتح، وتبعه في البحر. قال في النهر: وهذا هو المناسب لما في الكتاب. وفي القهستاني وهو الأصح. ونقل في التتارخانية اختلاف التصحيح، لكن قدمنا قبيل بحث الدباغة أن المشهور في الكتب تصحيح النجاسة - والله تعالى أعلم. -. (قوله: لأنه المقصود) أي: لأن الإنقاء هو المقصود من الاستنجاء كما في الهداية وغيرها. (قوله: ولا يتقيد إلخ) أي: بناء على ما ذكر من أن المقصود هو الإنقاء، فليس له كيفية خاصة، وهذا عند بعضهم. وقيل: كيفيته في المقعدة في الصيف للرجل إدبار الحجر الأول والثالث وإقبال الثاني، وفي الشتاء بالعكس، وهكذا تفعل المرأة في الزمانين كما في المحيط، وله كيفيات أخر في النظم والظهيرية وغيرهما، وفي الذكر أن يأخذه بشمال ويمره على حجر أو جدار أو مدر كما في الزاهدي. ا هـ. قهستاني. واختار ما ذكره الشارح في المجتبى والفتح والبحر. وقال في الحلية: إنه الأوجه. وقال في شرح المنية: ولم أر لمشايخنا في حق القبل للمرأة كيفية معينة في الاستنجاء بالأحجار. ا هـ. قلت: بل صرح في الغزنوية بأنها تفعل كما يفعل الرجل إلا في الاستبراء فإنها لا استبراء عليها، بل كما فرغت من البول والغائط تصبر ساعة لطيفة ثم تمسح قبلها ودبرها بالأحجار ثم تستنجي بالماء ا هـ. (قوله: بل مستحب) أشار إلى أن المراد نفي السنة المؤكدة لا أصلها، لما ورد من الأمر بالاستنجاء بثلاثة أحجار، ولم نقل إن الأمر للوجوب كما قال الإمام الشافعي؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: «من استجمر فليوتر، فمن فعل فحسن، ومن لا فلا حرج» دليل على عدم الوجوب. فحمل الأمر على الاستحباب توفيقا، وتمام الكلام في الحلية وشرح الهداية للعيني. (قوله: والغسل بالماء) أي: المطلق وإن صح عندنا بما في معناه من كل مائع طاهر مزيل فإنه يكره لما فيه من إضاعة المال بلا ضرورة كما في الحلية. (قوله: إلى أن يقع إلخ) هذا هو الصحيح. وقيل: يشترط الصب ثلاثا، وقيل: سبعا، وقيل: عشرا، وقيل: في الإحليل ثلاثا، وفي المقعدة خمسا خلاصة. (قوله: فيقدر بثلاث) وقيل: بسبع للحديث الوارد في ولوغ الكلب معراج عن المبسوط. (قوله: كما مر) أي: في تطهير النجاسة الغير المرئية قال في المعراج: لأن البول غير مرئي، والغائط وإن كان مرئيا فالمستنجي لا يراه، فكان بمنزلته. ا هـ. (قوله: عند أحد) أي: ممن يحرم عليه جماعه ولو أمته المجوسية أو التي زوجها للغير أفاده ح. (قوله: أما معه) أي: مع الكشف المذكور أو مع الأحد. (قوله: فيتركه) أي: الاستنجاء بالماء وإن تجاوزت المخرج وزادت على قدر الدرهم ولم يجد ساترا أو لم يكفوا بصرهم عنه بعد طلبه منهم، فحينئذ يقللها بنحو حجر ويصلي. وهل عليه الإعادة؟ الأشبه نعم، كما إذا منع عن الاغتسال بصنع عبد فتيمم وصلى كما مر، أفاده في الحلية، وذكرنا خلافه في بحث الغسل فراجعه. (قوله: كما مر) أي: قبيل سنن الغسل، حيث قال: وأما الاستنجاء فيتركه مطلقا ا هـ. أي: سواء كان ذكرا أو أنثى أو خنثى، بين رجال أو نساء أو خناثى، أو رجال ونساء، أو رجال وخناثى، أو نساء وخناثى، أو رجال ونساء وخناثى، فهي إحدى وعشرون صورة. ا هـ. ح. (قوله: فلو كشف له إلخ) أي: للاستنجاء بالماء قال نوح أفندي: لأن كشف العورة حرام ومرتكب الحرام فاسق، سواء تجاوز النجس المخرج أو لا، وسواء كان المجاوز أكثر من الدرهم أو أقل، ومن فهم غير هذا فقد سها لما في شرح المنية عن البزازية أن النهي راجع على الأمر. (قوله: لا لو كشف إلخ) أما التغوط فظاهر؛ لأنه أمر طبيعي ضروري لا انفكاك عنه، وأما الاغتسال فقد ذكره قبيل سنن الغسل، وبينا هناك أن الصور إحدى وعشرون لا يغتسل فيها إلا في صورتين: وهما رجل بين رجال وامرأة بين نساء، فيجب حمل كلامه عليهما فقط ا هـ. ح أي: لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف وقد نقل في البحر لزوم الاغتسال في الصورتين المذكورتين عن شرح النقاية وقدمنا هناك نقله عن القنية وأن شارح المنية قال: إنه غير مسلم؛ لأن ترك المنهي مقدم على فعل المأمور وللغسل خلف وهو التيمم. وقد مر تمامه فراجعه. (قوله: سنة مطلقا) أي: في زماننا وزمان الصحابة {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} قيل: لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أهل قباء إن الله أثنى عليكم فماذا تصنعون عند الغائط؟ قالوا: نتبع الغائط الأحجار ثم نتبع الأحجار الماء} فكان الجمع سنة على الإطلاق في كل زمان، وهو الصحيح وعليه الفتوى. وقيل: ذلك في زماننا؛ لأنهم كانوا يبعرون ا هـ. إمداد. ثم اعلم أن الجمع بين الماء والحجر أفضل، ويليه في الفضل الاقتصار على الماء، ويليه الاقتصار على الحجر وتحصل السنة بالكل وإن تفاوت الفضل كما أفاده في الإمداد وغيره. (قوله: ويجب أي: يفرض غسله) أعاد الضمير على الغسل دون الاستنجاء؛ لأن غسل ما عدا المخرج لا يسمى استنجاء، وفسر الوجوب بذلك؛ لأن المراد بالمجاوزة ما زاد من الدرهم بقرينة ما بعده، ولقوله في المجتبى " لا يجب الغسل بالماء إلا إذا تجاوز ما على نفس المخرج وما حوله من موضع الشرج وكان المجاوز أكثر من قدر الدرهم ". ا هـ. ولذا قيد الشارح النجس بقوله مائع. والشرج بالشين المعجمة والجيم: مجمع حلقة الدبر الذي ينطبق كما في المصباح. (قوله: إن جاوز المخرج) يشمل الإحليل، ففي التتارخانية: وإذا أصاب طرف الإحليل من البول أكثر من الدرهم يجب غسله هو الصحيح. ولو مسحه بالمدر، قيل يجزئه قياسا على المقعدة، وقيل: لا، وهو الصحيح ا هـ. أقول: والظاهر أنه لو أصاب قلفة الأقلف القدر المانع فحكمه كذلك. [تنبيه] مقتضى اقتصارهم على المخرج أي: وما حوله من موضع الشرج كما قدمناه آنفا عن المجتبى أنه يجب غسل المجاوز لذلك وإن لم يجاوز الغائط الصفحة وهي ما ينضم من الأليتين عند القيام والبول الحشفة خلافا للشافعية حيث اكتفوا بالحجر إن لم يجاوز ذلك. (قوله: ويعتبر إلخ) أي: خلافا لمحمد. والحاصل أن ما جاوز المخرج إن زاد على الدرهم في نفسه يفترض غسله اتفاقا، وإن زاد بضم ما على المخرج إليه لا يفرض عندهما بناء على أن ما على المخرج في حكم الباطن عندهما فيسقط اعتباره مطلقا حتى لا يضم إلى ما على بدنه من النجس. وعند محمد يفرض غسله بناء على أن ما على المخرج في حكم الظاهر عنده فلا يسقط اعتباره ويضم؛ لأن العفو عنه لا يستلزم كونه في حكم الباطن بدليل وجوب غسله في الجنابة والحيض، وفيما لو أصابه نجس من غيره على الصحيح. ا هـ. نوح عن البرهان. والصحيح قولهما قاسم. قلت: وعليه الكنز والمصنف، واستوجبه في الحلية قول محمد، وأيده بكلام الفتح حيث بحث في دليلهما، وبقول الغزنوي في مقدمته قال أصحابنا: من استجمر بالأحجار وأصابته نجاسة يسيرة لم تجز صلاته؛ لأنه إذا جمع زاد على الدرهم. ا هـ. وقدمنا عن الاختيار أنه الأحوط، وعليه فالواجب ليس غسل المتجاوز بعينه ولا الجميع، بل المتجاوز أو ما على المخرج كما حرره في الحلية أي: لأنه لو ترك أحدهما وهو درهم أو أقل كان عفوا، ثم قال: إن قولهم بوجوب غسل قدر الدرهم لقربه من الفرض وهو الزائد على قدر الدرهم الظاهر أنه من تصرفات بعض المشايخ، وأنه غير مأثور عن أصحاب المذهب؛ لأن الحكم الشرعي لا يثبت بمجرد الرأي. ا هـ. وقدمنا عنه في الأنجاس نحو ذلك. (قوله: لصلاة) متعلق بالمانع. (قوله: ولهذا إلخ) استدلال على سقوط اعتبار ما على المخرج، وفيه أن ترك غسل ما على المخرج إنما لا يكره بعد الاستجمار كما عرفته لا مطلقا، فالدليل أخص من المدعى، وتمامه في الحلية (قوله: وكره تحريما إلخ) كذا استظهره في البحر للنهي الوارد في ذلك أي: فيما ذكره في الكنز بقوله " لا بعظم وروث وطعام ويمين. أقول: أما العظم والروث فالنهي ورد فيهما صريحا في صحيح مسلم: «لما سأله الجن الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما وكل بعرة علف لدوابكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم» وعلل في الهداية للروث بالنجاسة، وإليه يشير قوله: صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «إنها ركس» لكن الظاهر أن هذا لا يفيد التحريم، ومثله يقال في الاستنجاء بحجر استنجي به إلا أن يكون فيه نهي أيضا. قال في الحلية: وإذا ثبت النهي في مطعوم الجن وعلف دوابهم ففي مطعوم الإنس وعلف دوابهم بالأولى. وأما اليمين فهو في الصحيحين أيضا: «إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه ولا يستنجي بيمينه». وأما الآجر والخزف فعلله في البحر بأنه يضر المقعدة، فإن تيقن الضرر فظاهر وإلا فالظاهر عدم الكراهة التحريمية، وقد قال في الحلية: لم أقف على نص يفيد النهي عن الاستنجاء بهما. وأما الشيء المحترم فلما ثبت في الصحيحين من النهي عن إضاعة المال. وأما حق الغير ولو جدار مسجد أو ملك آدمي فلما فيه من التعدي المحرم. وأما الفحم فعلله في البحر بأنه يضر المقعدة كالزجاج والخزف، وفيه ما علمته، نعم في الحلية روى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: {قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد انه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة، فإن الله - سبحانه وتعالى - جعل لنا فيها رزقا، قال: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك» قال أبو عبيد: والحمم: الفحم. ا هـ. [تنبيه] استفيد من حديث مسلم السابق أنه لو كان عظم ميتة لا يكره الاستنجاء به تأمل. (قوله: يابس) قيد به؛ لأنه لما كان لا ينفصل منه شيء صح الاستنجاء به؛ لأنه يجفف ما على البدن من النجاسة الرطبة بحر. أي: بخلاف الرطب فإنه لا يجفف فلا يصح به أصلا. (قوله: استنجي به) بالبناء للمجهول. (قوله: إلا بحرف آخر) أي: لم تصبه النجاسة. (قوله: وآجر) بالمد الطوب المشوي. (قوله: وخزف) بفتح الخاء المعجمة والزاي بعدها فاء. في القاموس: هو ما يعمل من طين يشوى بالنار حتى يكون فخارا حلية، وفسره في الإمداد بصغار الحصى والظاهر أنه أراد الخذف بالذال المعجمة الساكنة؛ لأنه كما في القاموس: الرمي بحصاة أو نواة أو نحوهما بالسبابتين، فيكون أطلق المصدر على اسم المفعول تأمل. (قوله: وشيء محترم) أي: ما له احترام واعتبار شرعا، فيدخل فيه كل متقوم إلا الماء كما قدمناه. والظاهر أنه يصدق بما يساوي فلسا لكراهة إتلافه كما مر، ويدخل فيه جزء الآدمي ولو كافرا أو ميتا ولذا لا يجوز كسر عظمه، وصرح بعض الشافعية بأن من المحترم جزء حيوان متصل به ولو فأرة، بخلاف المنفصل عن حيوان غير آدمي. ا هـ. وينبغي أن يدخل فيه كناسة مسجد، ولذا لا تلقى في محل ممتهن، ودخل أيضا ماء زمزم كما قدمناه أول فصل المياه، ويدخل أيضا الورق. قال في السراج: قيل: إنه ورق الكتابة، وقيل: ورق الشجر وأيهما كان فإنه مكروه ا هـ. وأقره في البحر وغيره، وانظر ما العلة في ورق الشجر، ولعلها كونه علفا للدواب أو نعومته فيكون ملوثا غير مزيل، وكذا ورق الكتابة لصقالته وتقومه، وله احترام أيضا لكونه آلة لكتابة العلم، ولذا علله في التتارخانية بأن تعظيمه من أدب الدين. وفي كتب الشافعية: لا يجوز بما كتب عليه شيء من العلم المحترم كالحديث والفقه وما كان آلة لذلك. أما غير المحترم كفلسفة وتوراة وإنجيل علم تبدلهما وخلوهما عن اسم معظم فيجوز الاستنجاء به. ا هـ. ونقل القهستاني الجواز بكتب الحكميات عن الإسنوي من الشافعية وأقره. قلت: لكن نقلوا عندنا أن للحروف حرمة ولو مقطعة. وذكر بعض القراء أن حروف الهجاء قرآن أنزلت على هود عليه السلام، ومفاده الحرمة بالمكتوب مطلقا، وإذا كانت العلة في الأبيض كونه آلة للكتابة كما ذكرناه يؤخذ منها عدم الكراهة فيما لا يصلح لها إذا كان قالعا للنجاسة غير متقوم كما قدمناه من جوازه بالخرق البوالي، وهل إذا كان متقوما ثم قطع منه قطعة لا قيمة لها بعد القطع يكره الاستنجاء بها أم لا؟ الظاهر الثاني؛ لأنه لم يستنج بمتقوم، نعم قطعه لذلك الظاهر كراهته لو بلا عذر، بأن وجد غيره؛ لأن نفس القطع إتلاف - والله تعالى أعلم. -. [تنبيه] ينبغي تقييد الكراهة فيما له قيمة بما إذا أدى إلى إتلافه، أما لو استنجى به من بول أو مني مثلا وكان يغسل بعده فلا كراهة إلا إذا كان شيئا ثمينا تنقص قيمته بغسله كما يفعل في زماننا بخرقة المني ليلة العرس تأمل. (قوله: ولا صابا) أما لو وجد صابا كخادم وزوجة لا يتركه كما في الإمداد وتقدم في التيمم الكلام على القادر بقدرة الغير فراجعه. (قوله: سقط أصلا) أي: بالماء والحجر. (قوله: كمريض إلخ) في التتارخانية: الرجل المريض إذا لم تكن له امرأة ولا أمة وله ابن أو أخ وهو لا يقدر على الوضوء قال يوضئه ابنه أو أخوه غير الاستنجاء؛ فإنه لا يمس فرجه ويسقط عنه والمرأة المريضة إذا لم يكن لها زوج وهي لا تقدر على الوضوء ولها بنت أو أخت توضئها ويسقط عنها الاستنجاء. ا هـ. ولا يخفى أن هذا التفصيل يجري فيمن شلت يداه؛ لأنه في حكم المريض. (قوله: وحق غير) أي: كحجره ومائه المحرز لو بلا إذنه ومنه المسبل للشرب فقط وجدار ولو لمسجد أو دار وقف لم يملك منافعها كما مر. (قوله: وكل ما ينتفع به) أي: لإنسي أو جني أو دوابهما، وظاهره ولو مما لا يتلف بأن كان يمكن غسله. (قوله: مع الكراهة) أي: التحريمية في المنهي عنه و التنزيهية في غيره كما علم مما قررناه أولا، وما ذكره الزاهدي عن النظم من أنه يستنجي بثلاثة أمدار، فإن لم يجد فبالأحجار، فإن لم يجد فبثلاثة أكف من تراب لا بما سواها من الخرقة والقطن ونحوهما؛ لأنه روي في الحديث أنه يورث الفقر. ا هـ. قال في الحلية: إنه غير ظاهر الوجه مع مخالفته لعامة الكتب، وكذا قوله: لا بما سواها إلخ. فإن المكروه المتقوم لا مطلقا، وما ذكره من الحديث الله أعلم به ا هـ. ملخصا. (قوله: وفيه نظر إلخ) كذا في البحر. وأجاب في النهر بأن المسنون إنما هو الإزالة، ونحو الحجر لم يقصد بذاته بل؛ لأنه مزيل، غاية الأمر أن الإزالة بهذا الخاص منهي وذا لا ينفي كونه مزيلا. ونظيره لو صلى السنة في أرض مغصوبة كان آتيا بها مع ارتكاب المنهي عنه. ا هـ. قلت: وأصل الجواب مصرح به في كافي النسفي حيث قال: لأن النهي في غيره، فلا ينفي مشروعيته كما لو توضأ بماء مغصوب أو استنجى بحجر مغصوب. قلت: والظاهر أنه أراد بالمشروعية الصحة، لكن يقال عليه: إن المقصود من السنة الثواب وهو مناف للنهي، بخلاف الفرض فإنه مع النهي يحصل به سقوط المطالبة، كمن توضأ بماء مغصوب فإنه يسقط به الفرض وإن أثم، بخلاف ما إذا جدد به الوضوء فالظاهر أنه وإن صح لم يكن له ثواب (قوله: استقبال قبلة) أي: جهتها كما في الصلاة فيما يظهر. ونص الشافعية على أنه لو استقبلها بصدره وحول ذكره عنها وبال لم يكره بخلاف عكسه. ا هـ. أي: فالمعتبر الاستقبال بالفرج، وهو ظاهر قول محمد في الجامع الصغير " يكره أن يستقبل القبلة بالفرج في الخلاء " وهل يلزمه التحري لو اشتبهت عليه كما في الصلاة؟ الظاهر نعم، ولو هبت ريح عن يمين القبلة ويسارها وغلب على ظنه عود النجاسة عليه فالظاهر أنه يتعين عليه استدبار القبلة حيث أمكن؛ لأن الاستقبال أفحش - والله أعلم -. (قوله: واستدبارها) هو الصحيح. وروي عن أبي حنيفة أنه يحل الاستدبار. (قوله: لم يكره) أي: تحريما، لما في المنية أن تركه أدب، ولما مر في الغسل أن من آدابه أن لا يستقبل القبلة؛ لأنه يكون غالبا مع كشف العورة، حتى لو كانت مستورة لا بأس به، ولقولهم يكره مد الرجلين إلى القبلة في النوم وغيره عمدا، وكذا في حال مواقعة أهله. مطلب القول المرجح على الفعل (قوله: لإطلاق النهي) وهو قوله: صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا» رواه الستة، وفيه رد لرواية حل الاستدبار، ولقول الشافعي بعدم الكراهة في البنيان أخذا من {قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة» رواه الشيخان. ورجح الأول بأنه قول وهذا فعل، والقول أولى؛ لأن الفعل يحتمل الخصوصية والعذر وغير ذلك، وبأنه محرم وهذا مبيح، والمحرم مقدم. وتمامه في شرح المنية. (قوله: قبالة) بضم القاف بمعنى تجاه قاموس. ا هـ. ط. (قوله: فانحرف عنها) أي: بجملته أو بقبله حتى خرج عن جهتها والكلام مع الإمكان، فليس في الحديث دلالة على أن المنهي استقبال العين كما لا يخفى فافهم. (قوله: حتى يغفر له) أي: تقصيره في عدم تثبته حتى غفل واستقبلها، أو المراد غفران ما شاء الله تعالى من ذنوبه الصغائر {إن الحسنات يذهبن السيئات}. (قوله: وإلا فلا بأس) أي: وإن لم يمكنه فلا بأس، والمراد نفي الكراهة أصلا. ويحتمل أن المعنى وإن لم ينحرف مع الإمكان فلا بأس كما في النهاية وحينئذ فالمراد به خلاف الأولى كما هو الشائع في استعماله، وإلى ذلك أشار الشارح أولا بقوله ندبا (قوله: هذه إلخ) الإشارة إلى الكراهة المذكورة في الأشياء الآتية. أي: بخلاف كراهة الاستقبال والاستدبار فإنها تحريمية كما نص عليه أولا، وأراد دفع ما قد يتوهم أن كل هذه الأشياء الآتية مثلها بمقتضى ظاهر التشبيه. (قوله: إمساك صغير) هذه الكراهة تحريمية؛ لأنه قد وجد الفعل من المرأة ط. (قوله: وكذا مد رجله) هي كراهة تنزيهية ط، لكن قال الرحمتي: سيأتي في كتاب الشهادات أنه بمد الرجل إليها ترد شهادته، وهذا يقتضي التحريم فليحرر. ا هـ. (قوله: واستقبال شمس وقمر) لأنهما من آيات الله الباهرة، وقيل لأجل الملائكة الذين معهما سراج. ونقل سيدي عبد الغني عن المفتاح: ولا يقعد مستقبلا للشمس والقمر، ولا مستدبرا لهما للتعظيم. ا هـ. أقول: والظاهر أن الكراهة هنا تنزيهية ما لم يرد نهي، وهل الكراهة هنا في الصحراء والبنيان كما في القبلة أم في الصحراء فقط؟ وهل استقبال القمر نهارا كذلك؟ لم أره. والذي يظهر أن المراد استقبال عينهما مطلقا لا جهتهما ولا ضوئهما، وأنه لو كان ساتر يمنع عن العين ولو سحابا فلا كراهة، وأن الكراهة إذا لم يكونا في كبد السماء وإلا فلا استقبال للعين، ولم أره أيضا فليحرر نقلا. ثم رأيت في نور الإيضاح قال: واستقبال عين الشمس والقمر. (قوله: في ماء ولو جاريا إلخ) لما روى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى أن يبال في الماء الراكد» رواه مسلم والنسائي وابن ماجه، وعنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الجاري» رواه الطبراني في الأوسط بسند جيد. والمعنى فيه أنه يقذره، وربما أدى إلى تنجيسه. وأما الراكد القليل فيحرم البول فيه؛ لأنه ينجسه ويتلف ماليته ويغر غيره باستعماله والتغوط في الماء أقبح من البول، وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء أو بال بقرب النهر فجرى إليه، فكله مذموم قبيح منهي عنه. قال النووي في شرح مسلم: وأما انغماس المستنجي بحجر في ماء قليل، فهو حرام لتنجيس الماء وتلطخه بالنجاسة، وإن كان جاريا فلا بأس به، وإن كان راكدا فلا تظهر كراهته؛ لأنه ليس في معنى البول ولا يقاربه، لكن اجتنابه أحسن ا هـ. كذا في الضياء المعنوي شرح مقدمة الغزنوي. (قوله: وفي البحر إلخ) ذكره في بحث المياه توفيقا بصيغة ينبغي. تنبيه] ينبغي أن يستثنى من ذلك ما إذا كان في سفينة في البحر، فلا يكره له البول والتغوط فيه للضرورة ومثله بيوت الخلاء في دمشق ونحوها فإن ماءها يجري دائما، ولم يبلغنا عن أحد من السلف منع قضاء الحاجة بها، ولعل وجهه أن الماء الجاري بها بعد نزوله من الجرن إلى الأسفل لم تبق له حرمة الماء الجاري لقرب اتصاله بالنجاسة فلا تظهر فيه العلة المارة للكراهة؛ لأنه لم يبق معدا للانتفاع به نعم ذكر سيدي عبد الغني في شرح الطريقة المحمدية أنه يظهر المنع من اتخاذ بيوت الخلاء فوق الأنهار الطاهرة، وكذا إجراء مياه الكنف إليها بخلاف إجرائها إلى النهر الذي هو مجمع المياه النجسة، وهو المسمى بالمالح - والله تعالى أعلم. -. (قوله: وعلى طرف نهر إلخ) أي: وإن لم تصل النجاسة إلى الماء لعموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البراز في الموارد ولما فيه من إيذاء المارين بالماء، وخوف وصولها إليه، كذا في الضياء عن النووي. (قوله: أو تحت شجرة مثمرة) أي: لإتلاف الثمر وتنجيسه إمداد. والمتبادر أن المراد وقت الثمرة، ويلحق به ما قبله بحيث لا يأمن زوال النجاسة بمطر أو نحوه، كجفاف أرض من بول. ويدخل فيه الثمر المأكول وغيره ولو مشموما لاحترام الكل والانتفاع به، ولذا قال في الغزنوية: ولا على خضرة ينتفع الناس بها. (قوله: أو في ظل) لقوله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل» رواه أبو داود وابن ماجه. (قوله: ينتفع بالجلوس فيه) ينبغي تقييده بما إذا لم يكن محلا للاجتماع على محرم أو مكروه وإلا فقد يقال يطلب ذلك لدفعهم عنه ويلحق بالظل في الصيف محل الاجتماع في الشمس في الشتاء. (قوله: وفي مقابر) لأن الميت يتأذى بما يتأذى به الحي والظاهر أنها تحريمية؛ لأنهم نصوا على أن المرور في سكة حادثة فيها حرام، فهذا أولى ط. (قوله: وبين دواب) لخشية حصول أذية منها ولو بتنجس بنحو مشيها. (قوله: وفي مهب ريح) لئلا يرجع الرشاش عليه. (قوله: وجحر) بتقديم الجيم على المهملة هو ما يحتفره الهوام والسباع لأنفسها قاموس، لقول قتادة رضي الله عنه «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر، قالوا لقتادة ما يكره من البول في الجحر؟ قال: يقال إنه مساكن الجن» رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقد يخرج عليه من الجحر ما يلسعه أو يرد عليه بوله. ونقل أن سعد بن عبادة الخزرجي رضي الله عنه قتلته الجن؛ لأنه بال في جحر بأرض حوران، وتمامه في الضياء. (قوله: وثقب) الخرق النافذ قاموس، وهو بالفتح واحد الثقوب، وبالضم جمع ثقبة كالثقب بفتح القاف. ا هـ. مختار، ثم هذا يغني عنه ما قبله، وهذا في غير المعد لذلك كبالوعة فيما يظهر. (قوله: زاد العيني إلخ) أقول: ينبغي أن يزاد أيضا البول على ما منع من الاستنجاء به لاحترامه كالعظم ونحوه كما صرح به الشافعية. (قوله: يعبر عليه أحد) هذا أعم من طريق الناس. (قوله: وبجنب طريق أو قافلة) قيد ذلك في الغزنوية بقوله: والهواء يهب من صوبه إليها. قال في الضياء: أي: إلى الطريق أو القافلة، والواو للحال. ا هـ. (قوله: وفي أسفل الأرض إلخ) أي: بأن يقعد في أسفلها ويبول إلى أعلاها فيعود الرشاش عليه. (قوله: والتكلم عليهما) أي: على البول والغائط، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله تعالى يمقت على ذلك» رواه أبو داود والحاكم وصححه ويضربان الغائط أي: يأتيانه والمقت وهو البغض وإن كان على المجموع أي: مجموع كشف العورة والتحدث فبعض موجبات المقت مكروه إمداد. تنبيه] عبارة الغزنوية ولا يتكلم فيه أي: في الخلاء. وفي الضياء عن بستان أبي الليث: يكره الكلام في الخلاء. وظاهره أنه لا يختص بحال قضاء الحاجة. وذكر بعض الشافعية أنه المعتمد عندهم، وزاد في الإمداد ولا يتنحنح أي: إلا بعذر، كما إذا خاف دخول أحد عليه. ا هـ. ومثله بالأولى ما لو خشي وقوع محذور بغيره؟ ولو توضأ في الخلاء لعذر هل يأتي بالبسملة ونحوها من أدعيته مراعاة لسنة الوضوء أو يتركها مراعاة للمحل؟ والذي يظهر الثاني لتصريحهم بتقديم النهي على الأمر تأمل. (قوله: وأن يبول قائما) لما ورد من النهي عنه {ولقول عائشة رضي الله عنها من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا» رواه أحمد والترمذي والنسائي وإسناده جيد. قال النووي في شرح مسلم: وقد روي في النهي أحاديث لا تثبت ولكن حديث عائشة ثابت فلذا قال العلماء يكره إلا لعذر، وهي كراهة تنزيه لا تحريم. وأما «بوله صلى الله عليه وسلم في السباطة التي بقرب الدور» فقد ذكر عياض أنه لعله طال عليه مجلس حتى حفزه البول فلم يمكنه التباعد ا هـ. أو لما روي «أنه صلى الله عليه وسلم بال قائما لجرح بمأبضه» بهمزة ساكنة بعد الميم وباء موحدة: وهو باطن الركبة، أو لوجع كان بصلبه والعرب كانت تستشفي به، أو لكونه لم يجد مكانا للقعود، أو فعله بيانا للجواز وتمامه في الضياء. (قوله: أو مضطجعا أو مجردا) لأنهما من عمل اليهود والنصارى غزنوية. (قوله: بلا عذر) يرجع إلى جميع ما قبله ط. (قوله: يتوضأ هو) قدر هو ليوافق الحديث ويثبت حكم غيره بطريق الدلالة أفاده ح. (قوله: لحديث إلخ) ظه كما في البرهان عن أبي داود: «لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل أو يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه» والمعنى موضعه الذي يغتسل فيه بالحميم، وهو في الأصل الماء الحار، ثم قيل للاغتسال بأي مكان استحمام؛ وإنما نهي عن ذلك إذا لم يكن له مسلك يذهب فيه البول أو كان المكان صلبا فيوهم المغتسل أنه أصابه منه شيء فيحصل به الوسواس كما في نهاية ابن الأثير. ا هـ. مدني. مطلب في الفرق بين الاستبراء والاستنقاء والاستنجاء (قوله: يجب الاستبراء إلخ) هو طلب البراءة من الخارج بشيء مما ذكره الشارح حتى يستيقن بزوال الأثر. وأما الاستنقاء هو طلب النقاوة: وهو أن يدلك المقعدة بالأحجار أو بالأصابع حالة الاستنجاء بالماء. وأما الاستنجاء: فهو استعمال الأحجار أو الماء، هذا هو الأصح في تفسير هذه الثلاثة كما في الغزنوية. وفيها أن المرأة كالرجل إلا في الاستبراء فإنه لا استبراء عليها، بل كما فرغت تصبر ساعة لطيفة ثم تستنجي، ومثله في الإمداد. وعبر بالوجوب تبعا للدرر وغيرها، وبعضهم عبر بأنه فرض وبعضهم بلفظ ينبغي وعليه فهو مندوب كما صرح به بعض الشافعية، ومحله إذا أمن خروج شيء بعده فيندب ذلك مبالغة في الاستبراء أو المراد الاستبراء بخصوص هذه الأشياء من نحو المشي والتنحنح، أما نفس الاستبراء حتى يطمئن قلبه بزوال الرشح فهو فرض وهو المراد بالوجوب، ولذا قال الشرنبلالي: يلزم الرجل الاستبراء حتى يزول أثر البول ويطمئن قلبه. وقال: عبرت باللزوم لكونه أقوى من الواجب؛ لأن هذا يفوت الجواز لفوته فلا يصح له الشروع في الوضوء حتى يطمئن بزوال الرشح. ا هـ. (قوله: أو تنحنح) لأن العروق ممتدة من الحلق إلى الذكر وبالتنحنح تتحرك وتقذف ما في مجرى البول. ا هـ. ضياء. (قوله: ويختلف إلخ) هذا هو الصحيح فمن وقع في قلبه أنه صار طاهرا جاز له أن يستنجي؛ لأن كل أحد أعلم بحاله ضياء. قلت: ومن كان بطيء الاستبراء فليفتل نحو ورقة مثل الشعيرة ويحتشي بها في الإحليل فإنها تتشرب ما بقي من أثر الرطوبة التي يخاف خروجها، وينبغي أن يغيبها في المحل لئلا تذهب الرطوبة إلى طرفها الخارج، وللخروج من خلاف الشافعي. وقد جرب ذلك فوجد أنفع من ربط المحل لكن الربط أولى إذا كان صائما لئلا يفسد صومه على قول الإمام الشافعي. (قوله: ومع طهارة المغسول تطهر اليد) هذا مختار الفقيه أبي جعفر، وقيل: يجب غسلها؛ لأنها تتنجس بالاستنجاء، وقيل: يسن وهذا هو الصحيح كما مر في سنن الوضوء نوح. ونقل في القنية أنه لو استنجى بالماء وبيده خيط مشدود لا يطهر بطهارة اليد ما لم يمر اليد بالخيط إمرارا بليغا. (قوله: ويشترط إلخ) قال في السراج: وهل يشترط فيه ذهاب الرائحة؟ قال بعضهم: نعم، فعلى هذا لا يقدر بالمرات بل يستعمل الماء حتى تذهب العين والرائحة. وقال بعضهم: لا يشترط بل يستعمل حتى يغلب على ظنه أنه قد طهر وقدروه بالثلاث. ا هـ. والظاهر أن الفرق بين القولين أنه على الأول يلزمه شم يده حتى يعلم زوال الرائحة وعلى الثاني لا يلزمه بل يكفي غلبة الظن تأمل. (قوله: بأن أرخى إلخ) لعل وجهه أنه يخرج بإرخائه نفسه الشرج الداخل وهو لا يخلو عن رطوبة النجاسة ثم رأيته منقولا عن خط البزازي في هامش نسختي البزازية مع التصريح بأن المراد بوجه السنة ما ذكره الشارح من الإرخاء، وبه اندفع ما فهمه في الحلية من بناء القول بالنقض، على أن المراد بوجه السنة هو إدخال الإصبع في الدبر، فرد ذلك بأنه قد نص غير واحد من أعيان المشايخ الكبار على أنه لا يدخل الإصبع في الاستنجاء. [تتمة] إذا أراد أن يدخل الخلاء ينبغي أن يقوم قبل أن يغلبه الخارج ولا يصحبه شيء عليه اسم معظم ولا حاسر الرأس ولا مع القلنسوة بلا شيء عليها، فإذا وصل إلى الباب يبدأ بالتسمية قبل الدعاء هو الصحيح فيقول: بسم الله «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»، ثم يدخل باليسرى ولا يكشف قبل أن يدنو إلى القعود، ثم يوسع بين رجليه ويميل على رجله اليسرى، ولا يفكر في أمر الآخرة كالفقه والعلم، فقد قيل: إنه يمنع منه شيء أعظم منه ولا يرد سلاما ولا يجيب مؤذنا، فإن عطس حمد الله تعالى بقلبه، ولا ينظر إلى عورته ولا إلى ما يخرج منه، ولا يبزق في البول، ولا يطيل القعود فإنه يولد الباسور، ولا يمتخط، ولا يتنحنح، ولا يكثر الالتفات ولا يعبث ببدنه، ولا يرفع بصره إلى السماء وينكس رأسه حياء مما ابتلي به ويدفن الخارج، ويجتهد في الاستفراغ منه، فإذا فرغ يعصر ذكره من أسفله إلى الحشفة، ثم يمسح بثلاثة أحجار ثم يستر عورته قبل أن يستوي قائما ثم يخرج برجله اليمنى ويقول: «غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني، وأمسك علي ما ينفعني» ثم يستبرئ فإذا استيقن بانقطاع أثر البول يقعد للاستنجاء بالماء موضعا آخر، ويبدأ بغسل يديه ثلاثا. ويقول قبل كشف العورة «بسم الله العظيم وبحمده، والحمد لله على دين الإسلام. اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»، ثم يفيض الماء باليمنى على فرجه، ويعلي الإناء، ويغسل فرجه باليسرى، ويبدأ بالقبل ثم الدبر، ويرخي مقعدته ثلاثا، ويدلك كل مرة، ويبالغ فيه ما لم يكن صائما فينشف بخرقة قبل أن يجمعه كي لا يصل الماء إلى جوفه فيفطر، ثم يدلك يده على حائط أو أرض طاهرة ثم يغسلها ثلاثا، ثم يقوم وينشف فرجه بخرقة نظيفة، فإن لم تكن معه يمسح بيده مرارا حتى لا تبقى إلا بلة يسيرة، ويلبس سراويله ويرش فيه الماء أو يحشو بقطنة إن كان يريبه الشيطان ويقول: «الحمد لله الذي جعل الماء طهورا والإسلام نورا، وقائدا ودليلا إلى الله وإلى جنات النعيم اللهم حصن فرجي، وطهر قلبي، ومحص ذنوبي» ا هـ. ملخصا من الغزنوية والضياء (قوله: نام) أي: فعرق، وقوله: أو مشى: أي: وقدمه مبتلة. (قوله: على نجاسة) أي: يابسة لما في متن الملتقى لو وضع ثوبا رطبا على ما طين بطين نجس جاف لا ينجس، قال الشارح: لأن بالجفاف تنجذب رطوبة الثوب من غير عكس بخلاف ما إذا كان الطين رطبا. ا هـ. (قوله: إن ظهر عينها) المراد بالعين ما يشمل الأثر؛ لأنه دليل على وجودها لو عبر به كما في نور الإيضاح لكان أولى. (قوله: تنجس) أي: فيعتبر فيه القدر المانع كما مر في محله. (قوله: ولو وقعت) أي: النجاسة في نهر: أي: ماء جار، بأن بال فيه حمار فأصاب الرشاش ثوب إنسان اعتبر الأثر، بخلاف ما إذا بال في ماء راكد فإنه إذا أصابه من الرشاش أكثر من الدرهم منع كما في الخانية، لكن ذكر فيها أنه لو ألقيت عذرة في الماء فأصابه منه اعتبر الأثر، فأطلق ولم يفصل بين الجاري وغيره. ولعل إطلاقه محمول على ما ذكره في التفصيل، ويؤيده أنه المتبادر من كلام صاحب الهداية في مختارات النوازل اللهم إلا أن يفرق بين البول والعذرة بأنه إذا أصاب البول الماء الراكد يترجح الظن بأن الرشاش من البول لصدمه الماء، بخلاف ما إذا كان جاريا فإن كلا منهما يصدم الآخر، فيحتمل أنه من الماء فلذا اعتبر الأثر. وأما في العذرة فالرشاش المتطاير إنما هو من الماء قطعا سواء كان راكدا أو جاريا، ولكنه يحتمل أن يكون من الماء الذي أصاب العذرة أو من غيره تطاير بقوة وقعها فيعتبر فيه الأثر؛ لأن الأصل الطهارة، هذا ما ظهر لي - والله تعالى أعلم. -. هذا، وقد ذكر في المنية وغيرها عن ابن الفضل التنجيس في الجاري وغيره، وأن اختيار أبي الليث عدمه. قال في شرح المنية: أي: في الجاري وغيره، وهو الأصح؛ لأن اليقين لا يزول بالشك؛ ولأن الغالب أن الرشاش المتصاعد إنما هو من أجزاء الماء لا من أجزاء الشيء الصادم، فيحكم بالغالب ما لم يظهر خلافه ا هـ. فتأمل. فإن كون ذلك هو الغالب محل نظر. بقي شيء، وهو أنه هل المراد بالراكد القليل أو الكثير؟ لم أره صريحا. وقال ح: الظاهر الأول، وإلا لما كان معنى لتفصيل قاضي خان. ويفهم من تعليل شرح المنية للأصح أن الماء القليل لا يتنجس في آن وقوع النجاسة حتى لو أخذ ماء من الجانب الآخر عقب الوقوع بلا فاصل يكون طاهرا؛ لأنهم لم يحكموا بسريان النجاسة إلى الرشاش لعدم زمان تسري فيه مع قربه من النجاسة، فعدم نجاسة الطرف المقابل لطرف وقوع النجاسة في آن الوقوع أولى تأمل تظفر. ا هـ. قلت: وعلى ما ذكرناه من الفرق يظهر لتفصيل الخانية معنى، فلا يدل على أن المراد بالراكد القليل فتأمل. (قوله: لف طاهر إلخ) اعلم أنه إذا لف طاهر جاف في نجس مبتل واكتسب الطاهر منه اختلف فيه المشايخ، فقيل: يتنجس الطاهر. واختار الحلواني أنه لا يتنجس إن كان الطاهر بحيث لا يسيل منه شيء ولا يتقاطر لو عصر وهو الأصح كما في الخلاصة وغيرها، وهو المذكور في عامة كتب المذهب متونا وشروحا، وفتاوى في بعضها بلا ذكر خلاف، وفي بعضها بلفظ الأصح، وقيده في شرح المنية بما إذا كان النجس مبلولا بالماء لا بنحو البول، وبما إذا لم يظهر في الثوب الطاهر أثر النجاسة، وقيده في الفتح أيضا بما إذا لم ينبع من الطاهر شيء عند عصره ليكون ما اكتسبه مجرد ندوة؛ لأنه قد يحصل بلي الثوب وعصره نبع رءوس صغار ليس لها قوة السيلان ثم ترجع إذا حل الثوب، ويبعد في مثله الحكم بالطهارة مع وجود المخالطة حقيقة. قال في البرهان بعد نقله ما في الفتح: ولا يخفى منه أنه لا يتيقن بأنه مجرد ندوة إلا إذا كان النجس الرطب هو الذي لا يتقاطر بعصره إذ يمكن أن يصيب الثوب الجاف قدر كثير من النجاسة ولا ينبع منه شيء بعصره كما هو مشاهد عند البداية بغسله. فيتعين أن يفتى بخلاف ما صححه الحلواني ا هـ. وأقره الشرنبلالي. ووجهه ظاهر. والحاصل أنه على ما صححه الحلواني: العبرة للطاهر المكتسب إن كان بحيث لو انعصر قطر تنجس وإلا لا، سواء كان النجس المبتل يقطر بالعصر أو لا. وعلى ما في البرهان العبرة للنجس المبتل إن كان بحيث لو عصر قطر تنجس الطاهر سواء كان الطاهر بهذه الحالة أو لا، وإن كان بحيث لم يقطر لم يتنجس الطاهر وهذا هو المفهوم من كلام الزيلعي في مسائل شتى آخر الكتاب، مع أن المتبادر من عبارة المصنف هناك كالكنز وغيره خلافه، بل كلام الخلاصة والخانية والبزازية وغيرها صريح بخلافه وسيأتي تمام الكلام هناك - إن شاء الله تعالى -. (قوله: إن بحيث لو عصر إلخ) المتبادر منه عود الضمائر الثلاث إلى الطاهر، فيوافق ما صححه الحلواني، ويحتمل عود الضمير في عصر وقطر إلى النجس، والضمير في تنجس إلى الطاهر فيوافق ما في البرهان والشرنبلالي ة والزيلعي فافهم. (قوله: ولو لف إلخ) محترز قوله مبتل بماء، وهذا مأخوذ من شرح المنية، وقال: لأن النداوة حينئذ عين النجاسة وإن لم يقطر بالعصر. أقول: أنت خبير بأن الماء المجاور للنجاسة حكمه حكمها من تغليظ أو تخفيف، فلا يظهر الفرق بين المبتل ببول أو بماء أصابه بول تأمل (قوله: إن متفسخة تنجس) لأنه ينفصل منها أجزاء بسبب الانتفاخ، وانقلاب الخمر خلا لا يوجب انقلاب الأجزاء النجسة طاهرة ا هـ. ح. قال في الخانية: وكذا الكلب إذا وقع في عصير ثم تخمر ثم تخلل لا يحل أكله؛ لأن لعاب الكلب أقام فيه وأنه لا يصير خلا. (قوله: وإلا لا) أي: لا يتنجس الخل لعدم بقاء شيء بعد التخلل، والفأرة وإن كانت نجسة قبل التخلل مثل الخمر، لكن النجس لا يؤثر في مثله. فإذا ألقيت ثم تخلل الخمر طهر بانقلاب العين، بخلاف ما إذا وقعت في بئر فإنها تنجسه لملاقاتها الماء الطاهر فتؤثر فيه ويجب النزح وإن لم تتفسخ. ولا يرد ما إذا تفسخت في الخمر، لما علمت من أن ذلك الأثر بعد التخلل لا ينقلب خلا فيؤثر في طهارة الخل فافهم. (قوله: وقع خمر في خل إلخ) وجهه كما في الخانية أنه في الكوز لما زالت الرائحة عرف التغير وعرف أنه صار خلا. وأما في القطرة فإنها لا رائحة لها فلا يعرف التغير. ويحتمل أنها باقية في الحال فلا يحكم بحله. قال القاضي الإمام يحكم ظنه إن كان غالب ظنه أنه صار خلا طهر وإلا فلا ا هـ. (قوله: فأرة وجدت إلخ) صورته ملأ جرة من بئر ثم ملأ قمقمة من تلك الجرة ثم وجدت في القمقمة فأرة، وفي نهاية الحديث القمقمة ما يسخن فيه الماء من نحاس وغيره ويكون ضيق الرأس. ا هـ. (قوله: يحمل على القمقمة) هذا من باب الحوادث تضاف إلى أقرب الأوقات. ا هـ. ح. وفي الفتح: أخذ من حب ثم من حب آخر ماء وجعل في إناء ثم وجد في الإناء فأرة، فإن غاب ساعة فالنجاسة للإناء، وإلا فإن تحرى ووقع تحريه على أحد الحبين عمل به، وإن لم يقع على شيء فللحب الأخير، وهذا إذا كانا لواحد، فلو لاثنين كل منهما يقول ما كانت في حبي فكلاهما طاهر. (قوله: فإن خرج منها الدهن) أي: من جوفها، أو المراد مما يلاقي جلدها. (قوله: فقربته) أي: هي النجسة، وكذا يقدر فيما بعده. (قوله: وإلا) أي: وإن لم يخرج منها الدهن، فإن بقي ما عليها بحال الجمد بفتح الجيم والميم أي: جامدا فهو دليل أنه عسل؛ لأن العسل إذا أصابته الشمس تلاحمت أجزاؤه وتماسك بعضها ببعض، بخلاف الدبس فإنه ينقطع بعضه عن بعض بحرارة الشمس أفاده ح. بقي ما إذا لم يظهر الحال بذلك، وينبغي أن يفصل فيه كما قدمناه آنفا عن الفتح. (قوله: يعمل بخبر الحرمة إلخ) أي: إذا أخبره عدل بأن هذا اللحم ذبيحة مجوسي أو ميتة وعدل آخر أنه ذبيحة مسلم لا يحل؛ لأنه لما تهاتر الخبران بقي على الحرمة الأصلية لا يحل إلا بالذكاة، ولو أخبرا عن ماء وتهاترا بقي على الطهارة الأصلية. ا هـ. إمداد. وظاهره أنه بعد التهاتر في الصورتين لا يعتبر التحري، وسنذكر ما يخالفه في الحظر والإباحة قبل فصل اللبس عن شراح الهداية وغيرهم، فراجعه هناك. (قوله: أقلها طاهر) كما لو اختلط ثوب طاهر مع ثوبين نجسين وكذا بالعكس بالأولى. (قوله: لا أقلها) مثله التساوي فإنه لا يتحرى فيه أيضا كما سيذكره الشارح في الحظر والإباحة، وذكر هناك أن اختلاط الذبيحة الذكية والميتة كحكم الأواني. ثم الفرق بين الثياب والأواني كما في الإمداد أن الثوب لا خلف له في ستر العورة، بخلاف الماء في الوضوء والغسل فإنه يخلفه التيمم. وأما في حق الشرب فيتحرى مطلقا؛ لأنه لا خلف له، ولهذا قال إلا لضرورة شرب. ثم اعلم أن ما ذكره الشارح هنا في مسألتي الثياب والأواني موافق لما في نور الإيضاح ومواهب الرحمن، ويخالفه ما في الذخيرة وغيرها مما حاصله أنه إن غلب الطاهر في الأواني أو الثياب أو الذبائح تحرى في حالتي الاختيار والاضطرار اعتبارا للغالب، وإلا ففي الاختيار لا يتحرى في الكل، وفي الاضطرار يتحرى في الكل إلا في الأواني لغير الوضوء والغسل وسيأتي بسطه في الحظر والإباحة - إن شاء الله تعالى - وهذا بخلاف ما إذا طلق من نسائه امرأة أو أعتق من إمائه أمة فإنه لا يجوز له أن يتحرى لوطء ولا بيع وإن كانت الغيبة للحلال، وتمامه في الولوالجية وغيرها من كتاب التحري فراجعه. (قوله: يحرم أكل لحم أنتن) عزاه في التتارخانية إلى مشكل الآثار للطحاوي. قال ح: أي: لأنه يضر لا لأنه نجس. وأما نحو اللبن المنتن فلا يضر ذكره الشرنبلالي في شرح كراهية الوهبانية. ا هـ. قلت: ونقل في التتارخانية عن صلاة الجلابي أنه إذا اشتد تغيره تنجس، ثم نقل التوفيق بحمل الأول على ما إذا لم يشتد، ومثله في القنية، لكن في الحموي عن النهاية أن الاستحالة إلى فساد لا توجب النجاسة لا محالة. ا هـ. وفي التتارخانية: دود لحم وقع في مرقة لا ينجس ولا تؤكل المرقة إن تفسخ الدود فيها ا هـ. أي: لأنه ميتة وإن كان طاهرا. قلت: وبه يعلم حكم الدود في الفواكه والثمار. (قوله: شعير إلخ) في التتارخانية: إذا وجد الشعير في بعر الإبل والغنم يغسل ويجفف ثلاثا ويؤكل وفي أخثاء البقر لا يؤكل. قال في الفتح: لأنه لا صلابة فيه. ثم نقل في التتارخانية عن الكبرى أن الصحيح التفصيل بالانتفاخ وعدمه، ويستوي فيه البعر والخثي ا هـ. أي: إن انتفخ لا يؤكل فيهما وإلا أكل فيهما، وبحث نحوه في شرح المنية، وبما ذكرنا علم أن قوله صلب مرفوع صفة ثانية ل " شعير " فافهم. (قوله: مرارة كل حيوان كبوله) أي: فإن كان بوله نجسا مغلظا أو مخففا فهي كذلك خلافا ووفاقا. ومن فروعه ما ذكروا: لو أدخل في إصبعه مرارة مأكول اللحم يكره عنده؛ لأنه لا يبيح التداوي ببوله، لا عند أبي يوسف؛ لأنه يبيحه. وفي الذخيرة والخانية أن الفقيه أبا الليث أخذ بالثاني للحاجة. وفي الخلاصة وعليه الفتوى. قلت: وقياس قول محمد لا يكره مطلقا لطهارة بوله عنده. ا هـ. حلية. (قوله: وجرته كزبله) أي: كسرقينه، وهي بكسر الجيم. وقد تفتح: ما يجره أي: يخرجه البعير من جوفه إلى فمه فيأكله ثانيا كما في المغرب والقاموس، وعلله في التجنيس بأنه واراه جوفه، ألا ترى إلى ما يواري جوف الإنسان بأن كان ماء ثم قاءه فحكمه حكم بوله ا هـ. وهو يقتضي أنه كذلك وإن قاء من ساعته؛ لكن قال بعده في الصبي: ارتضع ثم قاء فأصاب ثياب الأم، إن زاد على الدرهم منع. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يمنع ما لم يفحش؛ لأنه لم يتغير من كل وجه فكأن نجاسته دون نجاسة البول؛ لأنها متغيرة من كل وجه وهو الصحيح ا هـ. كذا في فتح القدير. وظاهره الميل إلى إعطاء الجرة حكم هذا القيء أخذا من التعليل. (قوله: حكم العصير حكم الماء) أي: في أنه تزال به النجاسة الحقيقية وأنه إذا كان عشرا في عشر لا ينجس بوقوع النجاسة فيه كما في الماء ا هـ. ح، في أنه لو عصر العنب وهو يسيل فأدمى رجله ولم يظهر أثر الدم لا ينجس عند أبي حنيفة وأبي يوسف كما في المنية عن المحيط. (قوله: رطوبة الفرج طاهرة) ولذا نقل في التتارخانية أن رطوبة الولد عند الولادة طاهرة، وكذا السخلة إذا خرجت من أمها، وكذا البيضة فلا يتنجس بها الثوب ولا الماء إذا وقعت فيه، لكن يكره التوضؤ به للاختلاف، وكذا الإنفحة هو المختار. وعندهما يتنجس، وهو الاحتياط. ا هـ. قلت: وهذا إذا لم يكن معه دم ولم يخالط رطوبة الفرج مذي أو مني من الرجل أو المرأة. (قوله: العبرة للطاهر إلخ) هذا ما عليه الأكثر فتح، وهو قول محمد والفتوى عليه بزازية؛ وقيل: العبرة للماء إن كان نجسا فالطين نجس وإلا فطاهر؛ وقيل: العبرة للتراب، وقيل: للغالب، وقيل: أيهما كان نجسا فالطين نجس؛ واختاره أبو الليث وصححه في الخانية وغيرها وقواه في شرح المنية وحكم بفساد بقية الأقوال تأمل. وصححه في المحيط أيضا وعلله بأن النجاسة لا تزول عن أحدهما بالاختلاط، بخلاف السرقين إذا جعل في الطين للتطيين لا ينجس؛ لأن فيه ضرورة إلى إسقاط نجاسته؛ لأنه لا يتهيأ إلا به حلية. (قوله: مشى في حمام ونحوه) أي: كما لو مشى على ألواح مشرعة بعد مشي من برجله قذر لا يحكم بنجاسة رجله ما لم يعلم أنه وضع رجله على موضعه للضرورة فتح. وفيه عن التنجيس: مشى في طين أو أصابه ولم يغسله وصلى تجزيه ما لم يكن فيه أثر النجاسة؛ لأنه المانع إلا أن يحتاط، وأما في الحكم فلا يجب. (قوله: لأنه يصير الماء راكدا) أي: لأنه بأخذه له من الأنبوبة يمنع نزوله إلى الحوض فيصير راكدا وربما كان على يده نجاسة أو على يد غيره فأدخلها في الحوض في هذه الحالة فيتنجس فينبغي إذا أراد الأخذ أن يأخذ من الحوض؛ لأن الماء إذا كان نازلا والعرف متدارك فهو في حكم الجاري. (قوله: التبكير إلى الحمام) أي: الدخول إليه أول الغداة بلا ضرورة. (قوله: لأن فيه إظهار مقلوب الكناية) أراد به النيك أي: الجماع، ولم يقل مقلوب الكين مع أنه قلب حقيقي لزيادة التباعد عن التصريح به؛ لأنه مما يطلب كتمانه، ولذا كان من أسمائه السر كما في القاموس. وعبارة الفيض إذ فيه إبداء ما يجب إخفاؤه. والظاهر أنه يحب بالحاء، ولذا قال العلامة الرملي: وأما ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم فهو السباع أي: على وزن كتاب: وهو المفاخرة بالجماع وإفشاء الرجل ما يجري بينه وبين زوجته فذاك ليس من هذا القبيل بل النهي يقتضي التحريم. ا هـ. (قوله: ثياب الفسقة إلخ) قال في الفتح: وقال بعض المشايخ: تكره الصلاة في ثياب الفسقة؛ لأنهم لا يتقون الخمور. قال المصنف " يعني صاحب الهداية ": الأصح أنه لا يكره؛ لأنه لم يكره من ثياب أهل الذمة إلا السراويل مع استحلالهم الخمر، فهذا أولى. ا هـ. (قوله: لجعلهم فيه البول) إن كان كذلك لا شك أنه نجس تتارخانية. (قوله: إن غلب على ظنه) عبارة الخانية إن كان في قلبه. مطلب في الأمر بالمعروف (قوله: فالأمر بالمعروف على هذا) كذا في الخانية، وفي فصول العلامي وإن علم أنه لا يتعظ ولا ينزجر بالقول ولا بالفعل ولو بإعلام سلطان أو زوج أو والد له قدرة على المنع لا يلزمه ولا يأثم بتركه، لكن الأمر والنهي أفضل، وإن غلب على ظنه أنه يضر به أو يقتله؛ لأنه يكون شهيدا. قال تعالى: {أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك} أي: من ذل أو هوان إذا أمرت {إن ذلك من عزم الأمور} أي: من حق الأمور، ويقال من واجب الأمور ا هـ. وتمامه فيه. مطلب في أول ما يحاسب به العبد (قوله: لما ورد إلخ) أي: في قوله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر» رواه الطبراني بإسناد حسن وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته» قال العراقي في شرح الترمذي: ولا يعارضه حديث الصحيح: «إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» لحمل الأول على حق الله تعالى على العبد، والثاني على حقوق الآدميين فيما بينهم. فإن قيل: أيهما يقدم؟ فالجواب أن هذا أمر توقيفي، وظواهر الأحاديث دالة على أن الذي يقع أولا المحاسبة على حقوق الله تعالى قبل حقوق العباد، وكذا في شرح العلقمي على الجامع الصغير، ولا يخفى ما في ذكر الشارح لهذه الجملة قبيل كتاب الصلاة من رعاية التناسب وحسن الختام.
|