الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)
.اثنا عشر وجها تدل على أنه مذكور في الكتب المنزلة: وإذا عرف هذا فالعلم بأنه صلى الله عليه وسلم مذكور في الكتب المتقدمة يعرف من وجوه متعددة:(أحدها) إخبار من قد ثبتت نبوته قطعا بأنه مذكور عندهم في كتبهم، فقد أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه فيجب تصديقه فيه، إذ تكذيبه والحالة هذه ممتنع لذاتهن هذا لو لم يعلم ذلك إلا من مجرد خبره فكيف إذا تطابقت الأدلة على صحة ما أخبر به.(الوجه الثاني) إنه جعل الأخبار به من أعظم أدلة صدقه وصحة نبوته، وهذا يستحيل أن يصدر إلا من واثق كل الوثوق بذلك وأنه على يقين جازم به.(الثالث) إن المؤمنين به من الأحبار والرهبان الذين آثروا الحق على الباطل صدقوه في ذلك وشهدوا له بما قال.(الرابع) إن المكذبين والجاحدين لنبوته لم يمكنهم إنكار البشارة والأخبار بنبوة نبي عظيم الشأن صفته كذا وكذا وصفة أمته ومخرجه وشأنه، لكن جحدوا أن يكون هو الذي وقعت به البشارة وأنه نبي آخر غيره، وعلموا هم والمؤمنون به من قومهم أنهم ركبوا متن المكابرة وامتطوا غارب البهت.(الخامس) إن كثيرا منهم صرح لخاصته وبطانته بأنه هو هو بعينه، وأنه عازم على عداوته ما بقى، كما تقدم.(السادس) إن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مذكور في كتبهم هو فرد من أفراد إخباراته بما عندهم في كتبهم من شأن أنبيائهم وقومهم وما جرى لهم وقصص الأنبياء المتقدمين وأممهم وشأن المبدأ والمعاد وغير ذلك مما أخبرت به الأنبياء، وكل ذلك مما يعلمون صدقه فيه ومطابقته لما عنده من وتلك الإخبارات أكثر من أن تحصى، ولم يكذبوه يوما واحدا في شيء منها، وكانوا أحرص شيء على أن يظفروا منه بكذبة واحدة أو غلطة أو سهو فينادون بها عليه ويجدون بها السبيل إلى تنفير الناس عنه، فلم يقل أحد منهم يوما من الدهر أنه أخبر بكذا وكذا في كتبنا وهو كاذب فيه بل كانوا يصدقونه في ذلك وهم مصرون على عدم إتباعه، وهذا من أعظم الأدلة على صدقه فيما أخبر به لو لم يعلم إلا بمجرد خبره.(السابع) إنه أخبر بهذا لأعدائه من المشركين الذين لا كتاب عندهم وأخبر به لأعدائه من أهل الكتاب وأخبر به لأتباعه، فلو كان هذا باطلا لا صحة له لكان ذلك تسليطا للمشركين أن يسألوا أهل الكتاب فينكرون ذلك وتسليطا لأهل الكتاب على الإنكار لأهل الكتاب على الإنكار وتسلطيا لأتباعه على الرجوع عنه والتكذيب له بعد تصديقه، وذلك ينقض الغرض المقصود بأخباره من كل وجه، وهو بمنزلة رجل يخبر بما يشهد بكذبه ويجعل إخباره دليلا على صدقه، وهذا لا يصدر من عاقل ولا مجنون، فهذه الوجوه يعلم بها صدق ما أخبر به وإن لم يعلم وجوده من غير جهة أخباره، فكيف وقد علم وجود ما أخبر به؟!(الثامن) إنه لو قدر أنهم لم يعلموا بشارة الأنبياء به وأخبارهم بنعته وصفته لم يلزم أن يكونوا ذكروه وأخبروا به وبشروا بنبوته؟ إذ ليس كل ما قاله الأنبياء المتقدمون وصل إلى المتأخرين وأحاطوا به علما وهذا مما يعلم بالاضطرار، فكم من قول قد قاله موسى وعيسى ولا علم لليهود والنصارى به، فإذا أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه لم يكن جهلهم به موجبا لرده وتكذيبه.(التاسع) إنه يمكن أن يكون في نسخ غير هذه النسخ التي بأيديهم فأزيل من بعضها ونسخت هذه مما أزيل منه..تخالف نسخ التوراة والإنجيل وتناقضها: .الأناجيل تواريخ: وقولهم (إن نسخ التوراة متفقة في شرق الأرض وغربها) كذب ظاهر؛ فهذه التوراة التي بأيدي النصارى تخالف التوراة التي بأيدي اليهود، والتي بأيدي السامرة تخالف هذه وهذه، وهذه نسخ الإنجيل يخالف بعضها بعضا ويناقضه، فدعواهم: أن نسخ التوراة والإنجيل متفقة شرقا وغربا من البهت والكذب الذي يروجونه على أشباه الأنعام، حتى إن هذه التوراة التي بأيدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم، وهم يعلمون قطعا أن ذلك ليس في التوراة التي أنزلها الله على موسى ولا في الإنجيل الذي أنزله على المسيح، وكيف يكون في الإنجيل الذي أنزل على المسيح (قصة صلبه) وما جرى له، وأنه أصابه كذا وكذا، وصلب يوم كذا وكذا، وأنه قام من القبر بعد ثلاث، وغير ذلك مما هو من كلام شيوخ النصارى، وغايته أن يكون من كلام الحواريين خلطوه بالإنجيل وسموا الجميع إنجيلا؛ وكذلك كانت (الأناجيل عندهم أربعة) يخالف بعضها بعضا. ومن بهتهم وكذبهم قولهم: إن التوراة التي بأيديهم وأيدي اليهود والسامرة سواء والنصارى لا يقرون أن الإنجيل منزل من عند الله على المسيح وأنه كلام الله؛ بل كل فرقهم مجمعون على أنها أربعة تواريخ ألفها أربعة رجال معروفون في أزمان مختلفة ولا يعرفون الإنجيل غير هذا: إنجيل ألفه (متى) تلميذ المسيح بعد تسع سنين من رفع المسيح وكتب بالعبرانية في بلد يهود بالشام وإنجيل ألفه مرقس الهاروني تلميذ شمعون بعد ثلاث وعشرين سنة من رفع المسيح، وكتبه باليونانية في بلاد أنطاكية من بلاد الروم، ويقولون أن شمعون المذكور هو ألفه ثم محى اسمه من أوله ونسب إلى تلميذه مرقس (وإنجيل) ألفه لوقا الطبيب الأنطاكي تلميذ شمعون بعد تأليف مرقس. (وإنجيل) ألفه يوحنا تلميذ المسيح بعد ما رفع المسيح ببضع وستين سنة، كتبه باليونانية، وكل واحد من هذه الأربعة يسمونه الإنجيل، وبينها من التفاوت والزيادة والنقصان ما يعلمه الواقف عليها، وبين توراة السامرة واليهود والنصارى من ذلك ما يعلمه من وقف عليها، فدعوى الكاذب الباهت (أن نسخ التوراة والإنجيل متفقة شرقا وغربا بعدا وقربا) من أعظم الفرية والكذب، وقد ذكر غير واحد من علماء الإسلام ما بينها من التفاوت والزيادة والنقصان والتناقض لمن أراد الوقوف عليه ولولا الإطالة وقصد ما هو أهم منه لذكرنا منه طرفا كبيرا..جمعهم بين التحريف والكتمان لنعت الرسول: وقد وبخهم الله سبحانه وبكتهم على لسان رسوله بالتحريف والكتمان والإخفاء، فقال تعالى: {يا أَهلَ الكِتابِ لِمَ تَلبَسونَ الحَقَّ بِالباطِل وَتَكتُمونَ الحَقَّ وَأَنتُم تَعلَمون} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذَينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلَنا مِنَ البَيناتِ وَالهُدى مِن بَعدِ ما بَيناهُ لِلناسِ في الكِتابِ أَولئكَ يَلعَنَهُمُ اللَهَ وَيَلعَنَهُمُ اللاعِنونَ} وقال تعالى: {إِنّ الَّذَينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلَ اللَهُ مَن الكِتابِ وَيَشتَرونَ بِهِ ثَمَناً قَليلاً أَولئِكَ ما يَأكلُونَ في بُطونِهِم إِلاّ النار وَلا يُكَلِمُهُمُ اللَهُ يَومَ القِيامة وَلا يُزكيهِم وَلَهُم عَذابٌ أَليم} وقال تعالى: {يا أَهلَ الكِتابِ قَد جاءَكُم رَسولُنا يُبينُ لَكُم كَثيراً مِما كُنتُم تُخفونَ مِنَ الكِتاب وَيَعفو عَن كَثير قَد جاءَكُم مِنَ اللَهِ نورٌ وَكِتابٌ مُبين يَهدي بِهِ اللَهُ مِن اِتَبَعَ رِضوانَهُ سُبَلَ السَلام وَيُخرِجُهُم مِنَ الظُلَماتِ إِلى النورِ بإِذنِهِ وَيَهديهِم إِلى صِراطٍ مُستَقيم}.وأما التحريف فقد أخبر سبحانه عنهم في مواضع متعددة، وكذلك لي اللسان بالكتاب ليحسبه السامع منه وما هو منه. فهذه خمسة أمور:(أحدها) لبس الحق بالباطل وهو خلطه به بحيث لا يتميز الحق من الباطل!.(الثاني) كتمان الحق.(الثالث) إخفاؤه وهو قريب من كتمانه.(الرابع) تحريف الكلم عن مواضعه، وهو نوعان تحريف لفظه وتحريف معناه.(الخامس) ليّ اللسان به ليلبس على السامع اللفظ المنزل بغيره وهذه الأمور إنما ارتكبوها لأغراض لهم دعتهم إلى ذلك. فإذا عادوا الرسول وجحدوا نبوته وكذبوه وقاتلوه فهم إلى أن يجحدوا نعته وصفته ويكتموا ذلك ويزيلوه عن مواضعه ويتأولوه على غير تأويله أقرب بكثير، وهكذا فعلوا، ولكن لكثرة البشارات وتنوعها غلبوا عن كتمانها وإخفائها فصاروا إلى (تحريف التأويل) وإزالة معناها عمن لا تصلح لغيره، وجعلها لمعدوم لم يخلقه الله ولا وجود له البتة.
|